يشهد العراق عملية ممنهجة عن قصد وسبق إصرار لإيقاف الصناعة وخاصة الصناعة التحويلية خلال الفترة الماضية حيث أخذت تنهار سنة بعد أخرى على الرغم من الدور الكبير الذي يمكن أن تمارسه الحركة التصنيعية في تنشيط مجمل القطاعات الاقتصادية في البلاد وامتصاص القوى العاملة العاطلة عن العمل وبالتالي إسهامها في تعظيم إيرادات الدولة.

 إن التدمير الأكثر منهجية الذي شهده العراق قد اقترن بإدارة الاحتلال الامريكي التي ختمت الصناعة بالشمع الأحمر عبر إصدار حزمة من قرارات العولمة بنسختها المتوحشة بهدف تحويل المصانع والمعامل المنتجة الى مخازن للبضاعة الأجنبية من خلال ما أسمته تلك الإدارة بتحرير الاستيراد وحركة رؤوس الاموال.

ومن منا لا يتذكر كيف كان العراق يعج بالمنشآت الصناعية خلال فترة السبعينات سواء الحكومية أو المختلطة أو معامل القطاع الخاص، فقد كان عدد المصانع قبل عام 2003/ 178 ألف مصنعا في القطاعين العام والخاص، وأن عدد المصانع الحكومية كان 285 معملا، منها 85 معملا معطلا في الوقت الحاضر، وأن البقية إما تعمل بنصف طاقتها التصميمية أو تعمل بمكائن متهالكة وغير قادرة على منافسة المنتوج الاجنبي. أما عدد معامل القطاع الخاص فقد كانت قبل عام 2003/ 15726، وبعد هذا التاريخ ازدادت ب 4418 معملا لكي يصبح مجموعها 20144 مشروعا خاصا، وحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الصناعة فإن عدد المنشآت الصناعية الكبيرة 1161 في عام 2018 منها 600 منشأة عاملة و591 متوقفة.

  ومن الواضح أن تدهور الصناعة الوطنية قد أنتجت نموا كبيرا في حركة استيراد البضائع استهلاكية بعمومها، فعلى سبيل المثال بلغت قيمة اجمالي الإستيرادات في عام 2018/ 37 مليار دولار وبلغت خلال عامي 2019 و2020/ 55 مليار دولار، إلا أن ايراداتها الكمركية لم تتجاوز 1،5 مليار دولار أي بنسبة 3 في المائة من قيمة المستورد، في حين كان المفروض ان تكون 20 في المائة اي ما تشكل (11) مليار دولار.

مما تقدم نستنتج أن أسباب انهيار الصناعة العراقية تعود الى منطلقات سياسية تحكمها فلسفة النظام السياسي القائمة على النشاط غير الإنتاجي، أسفرت عنها مجموعة من المخرجات لعل في مقدمتها الاعتماد على السياسة الاستيرادية المقترنة بغسيل الأموال وما يتبعها من استنزاف الاحتياطي النقدي وتدمير الصناعة العراقية بقطاعيها الحكومي والخاص، بالإضافة إلى تدهور المشاريع الاستثمارية بسبب عمليات الابتزاز وضغط دول الجوار التي تعمل ما استطاعت عبر مواليها في السلطة من خلال تعطيل التشريعات الحمائية التي أصدرتها الدولة.

وبناء على ما تقدم فإن استنهاض القطاع الصناعي يتطلب تحديد أهم مرتكزات تطوره عبر اعتماد فلسفة صناعية واقعية لها القدرة على منافسة المنتج الأجنبي، ونقترح ما يلي:  

  1. إعادة الحياة للمصانع الحكومية العملاقة التي تشكل عمود الصناعة العراقية، على سبيل المثال مصانع الحديد والصلب ومعمل البتروكيمياويات والأسمدة والغزل والنسيج والجلود والسمنت ومعامل الزيوت والأدوية والمستلزمات الطبية في سامراء ومعامل الكبريت والفوسفات.
  2. العمل على تمكين القطاع الخاص من المساهمة في توسيع القاعدة التصنيعية وتقديم التسهيلات المصرفية بفوائد ميسرة ويمكن للجهاز المصرفي وخاصة البنك المركزي أن يلعب دورا ملموسا في تنشيط هذا القطاع.
  3. اعادة النظر بالتشريعات الناظمة للإنتاج الصناعي والخاصة بظروف العمل والحياة الاجتماعية للعاملين وخاصة القوانين الخاصة بالضمان الاجتماعي والصحي.
عرض مقالات: