الفقر كظاهرة اقتصادية اجتماعية موجودة في كل دول العالم ولكن بنسب متفاوتة تبعا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة، وأفضل مؤشرات الفقر توجد في الدول التي تشهد اقتصادات متطورة ونظم ديمقراطية ولكن أكبر نسب الفقر تظهر في الدول الغنية في قدراتها الاقتصادية المعطلة.

 وظاهرة الفقر في العراق لازمت المجتمع منذ مئات السنين إلا في فترات قصيرة لكنها عادت نتيجة الحروب وتهافت السياسات الاقتصادية وانفلات الأوضاع الأمنية. وإذ نركز على فترة ما بعد 2003 فلأن ظاهرة الفقر تعاظمت بشكل صادم رغم تعدد الخطط التي وضعتها وزارة التخطيط بتنسيق مباشر مع الوزارات ذات العلاقة، وكان إطار عملها مع الدول والمنظمات المانحة لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية وتحقيق أهداف التنمية الألفية، واستهدفت بالتحديد تقليص نسبة الفقر من 23 بالمائة إلى 16 بالمائة، وبدلا من ان تؤدي إلى تخفيض النسبة فقد ازدادت إلى 30 بالمائة بالرغم من محاولات تلطيفها، وهذه النتائج البائسة دفعت الأمانة العامة لمجلس الوزراء للإعلان عن استراتيجية جديدة قبل منتصف عام 2018 تستهدف بشكل خاص معالجة السكن العشوائي وإصلاح البطاقة التموينية. كيف سيتحقق ذلك في وقت تسعى الحكومة فيه لخصخصة البطاقة التموينية في خطوة ظاهرها إصلاح وباطنها تراجع عن تطوير محتوياتها التي تردت بشكل صارخ في الأعوام الأخيرة، وكان عليها قبل ذلك الإعلان تقييم مخرجات الاستراتيجية السابقة والكشف عن أسباب إخفاقها ونتائجها البائسة.

لقد كانت منطلقات الخطة الالتزام الحكومي بالتنفيذ والتوافق مع الجهود الوطنية والتكامل مع خطة التنمية الوطنية الخمسية للسنوات 2018—2022 والموازنات السنوية وكفاءة الأمان الاجتماعي ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق. فلا الحكومة التزمت بالتنفيذ كما كان مرسوما ولم تحقق الخطة التنموية الخمسية أهدافها ولا البطاقة وفرت الغذاء ومستلزماته للفقراء ولا الإنفاق الحكومي عبر الموازنات السنوية روعيت فيه مصالح الفقراء، بل أن تخصيصاتها المالية توزعت بين الفاسدين في الجهاز البيروقراطي في مراكز الدولة العليا، مما أنتج عن ذلك زيادة في حجم البطالة وترديا في الخدمات الصحية وفي مستوى التعليم وانتشارا للسكن العشوائي وحماية اجتماعية متردية وسوءًا في تمكين الفقراء في تطوير مهاراتهم المهنية.  لكل هذه الأسباب يتعين على الدولة قبل الإعلان عن ورقتها البيضاء بعد جهد جهيد أن تضع منظومة من الأهداف الواضحة للتخفيف من مستوى الفقر وأن تتخذ التدابير والآليات لتحقيقها ومنها:

  • تنشيط القطاعات الاقتصادية الإنتاجية الحكومية والخاصة وتدوير عجلتها من أجل تخفيض نسبة البطالة وإيجاد مصادر تمويل وطنية متنوعة وتعميق القاعدة الإنتاجية وتنشيط الاستثمار وتقليل كلف الإنتاج وتحقيق رأسمال تراكمي.
  • رسم خطط منهجية لرفع مستوى التعليم في كافة مراحله عن طريق تغيير المناهج بما يتناسب مع خطط التنمية وزيادة عدد المدارس ومعالجة ظواهر التسرب في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وتوفير السكن اللائق وتحسين الرعاية الصحية عن طريق تحسين الخدمات في المستشفيات والعيادات الطبية وتقليص أجور التطبيب الخاص واتخاذ الإجراءات الوقائية وتفعيل دور العيادات الطبية المتنقلة في الأرياف.
  • مواجهة مظاهر التلوث البيئي التي تزداد مخاطره يوما بعد آخر والتي تجد تعبيرها في مختلف الأمراض المستعصية المنتشرة وخاصة الالتهاب الرئوي والفشل الكلوي والسرطانات وتوفير الأدوية والعلاجات الكافية والاستعانة بالجهد الدولي في هذا المجال.

• تحسين مياه الشرب ومعالجة التكسر في أنابيب المياه ومعالجة الصرف الصحي واستغلاها في مشاريع نافعة باستخدام التكنولوجية وإيقاف تسربها إلى الأنهر الرئيسية.

عرض مقالات: