تلقى العراقيون صفعة غير مسبوقة وخاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة من جراء الإجراءات المالية والنقدية الصادمة التي اتخذتها الحكومة والسلطة النقدية بعد أن أصدرت الحكومة ما أسمتها بالورقة البيضاء، التي مهدت أمام البنك المركزي الأرضية لإصدار قراره بتخفيض قيمة الدينار بصورة فاجأت الجميع، مما أحدثت قلقا كبيرا في الأوساط الاجتماعية التي سبق أن اكتوت بلوعة السياسات الحكومية الخاطئة ولاسيما المالية منها.
وبالرغم من المطالبات الشعبية بضرورة الاقدام على اتخاذ سياسات اصلاحية في اعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس أكثر متانة في مجال معالجة العجز المالي عبر منظومة إجراءات حاكمة تتعلق بتخفيض رواتب الدرجات العليا وامتيازات ذوي الدرجات الخاصة وحماية المنتج الوطني من مزاحمة المنتج الاجنبي المشابه، وتنويع مصادر الدخل الوطني، والأهم من كل ذلك محاربة صادقة للفساد واستعادة الاموال المنهوبة وفرض الضرائب التصاعدية، توطئة لتوزيع عادل للدخل وإعادة النظر بالطريقة التي يباع فيها الدولار في نافذة البنك المركزي التي تحتكرها بعض المصارف التي تملكها حيتان الفساد، لكن الإجراءات الحكومية جاءت عكس هذه المطالب المشروعة .
ومهما كانت التطمينات الحكومية بشأن تداعيات خفض قيمة العملة بذريعة عدم تأثيرها السلبي على الطبقات التي تعتمد على استهلاك السلع المحلية، إلا أن أحدا لم يقتنع بهذه الحجج لأن الطبقات المعدمة وحتى متوسطة الدخل كانت غارقة في أسوأ ازمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود، ذلك أن خطوة خفض العملة الوطنية ستترتب عليها تداعيات خطيرة أشد عمقا على حياة المواطنين لما فيها من شمولية التأثير وسعته يمكن اجمالها بالتالي:
- تقليل كلف الصادرات وزيادة كلف الواردات
- تأثير سلبي على ثقة المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب
- ارتفاع معدلات الأسعار المصحوبة بارتفاع معدلات التضخم
- تأثير سلبي على الطلب الكلي فإن نسبة تخفيض رواتب موظفي الدولة بنسبة 20 في المائة خاصة وأنهم وعوائلهم يشكلون الشريحة الأوسع المحركة للطلب في سوق الاستهلاك وانعكاساته على انكماش اقتصادي يتبعه تقليص فرص العمل.
إن تخفيض قيمة الدينار ارتباطا بمنهج الحكومة المدرج فيما أسمته بالورقة البيضاء والذي يتضمن بين أمور اخرى زيادة أجور الكهرباء وأسعار بعض المشتقات النفطية واسعة الاستهلاك، ستقود تلقائيا الى ارتفاع أسعار كافة البضائع الاستهلاكية وأجور خدمات النقل والخدمات الصحية على النطاق الحكومي وعلى نطاق الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات الأهلية واسعار الادوية التي اشتعلت بمجرد إعلان الخطوات الحكومية تلك.
إن وضع المواطنين في ظل هذه الخطوات الصادمة أمام خيارات شديدة الصعوبة لن تترك لهم الا الدفاع عن حقوقهم المشروعة التي سلبتها بتحد مقيت الطغمة المالية الفاسدة عبر أشكال متنوعة من الحراك الاحتجاجي السلمي كحق دستوري.
ولمنع المزيد من التداعيات الاجتماعية الخطيرة فإن الحكومة مطالبة بمراجعة هذه الاجراءات واتخاذ التدابر الضرورية للحد من مخاطرها، ونرى في هذه المجال اتباع إجراءات عاجلة ونذكر منها على سبيل المثال:
1.ايقاف نزيف العملة الاجنبية من خلال بيعها من نافذة البنك المركزي التي ثبت بالدليل القاطع انها كانت أداة لتهريب العملة وغسيل الاموال التي تحتكرها مجموعة من المصارف الأهلية التي يملكها حيتان الفساد، وترك تحديد سعر الصرف عبر آليات العرض والطلب وعبر سوق العراق للأوراق المالية أو العودة الى دائرة التحويل الخارجي.
2.اتخاذ اجراءات حاسمة لتقديم الدعم بهدف تمكين قطاعات الانتاج الحقيقي في تنشيط حركتها عبر الموازنات السنوية وما يطمئن المستثمرين المحليين والأجانب لتنشيط دور هذه القطاعات بهدف توفير السلع الاساسية التي يحتاجها المواطنون وتقليل استيراد البضائع المماثلة.
3.استخدام الأدوات الضرورية لغرض السيطرة على الأسعار والحد من غلوائها وتحسين الخدمات الحكومية خاصة في مجال الصحة والتعليم، فلم يعد في خزائن العراقيين ما يكفي لتسديد أجور المدارس والجامعات الأهلية وحتى التعليم الخصوصي!