عندما كنا صغاراً، كانت زوجة أبي تحكي لنا كل ليلة حكاية، ونحن نتحلّق حول منقلة الخشب المشتعل.
ذات شتاء قالت: سأحكي لكم حكاية الشيخ الظالم الذي كان يحكم هو واعوانه احدى القرى. وإذ كان يضيّق الخناق على أهلها ويثقل كاهلهم بطلبات وقرارات لا يستسيغها عقل بشري، من ضرائب ورسوم على محاصيلهم ومواشيهم وما يصطادونه من طيور واسماك، رغم أن اغلبهم يشتغلون أجراء عنده. وما أن يتذمروا أو يمتنعوا عن الدفع حتى يواجهوا عقوبات السركال القاسية جدا، والتي تصل احيانا الى القتل، مع سكوت الكثيرين. حنى باتوا عراةً حفاةً يخمصون بطونهم من أثر الجوع والفقر والمرض.
وكاد الهلاك أن يفتك بهم لولا أن استفاقوا ذات يوم من نومهم المغناطيسي، على صرخات أطفالهم الغرثى، ليرفعوا اكفهم في وجه الشيخ وزبانيته، ويُعلوا أصواتهم قوية تهزّ كل ما كان يستند عليه. وقد تحمّلوا ردّه القاسي جدا، وفي آخر المطاف انتصروا فأنقذوا أنفسهم وقريتهم من الضياع، اثر تعنّت الشيخ وجلاوزته وفسادهم الذي أكل اليابس والأخضر. واستطاعوا أن يعيدوا الهيبة والكرامة والعزّة لأنفسهم أولاً، وان يعمرّوا قريتهم لينمو الزرع والضرع وتعلو الابتسامة الوجوه ثانياً!
تذكّرت هذه الحكاية ونحن نعيش الآن في أحلك الظروف وأقساها اثر تفشّي الفساد والمحاصصة والمحسوبية والتخبّط في كل شيء، قرارات تصدر يوما بعد آخر بلا دراسة أو تمحيص واستطلاع آراء أبدا. كلها تأكل من أجساد الفقراء، أبناء هذا الوطن الذين ذاقوا مرارات كثيرة من ظلم وتجويع وحروب. وسؤال يتبادر إلى أذهان الناس جميعا: ما حكايتنا ووطننا من أكثر الأوطان امتلاكا للثروات، الطبيعية والنفطية والحيوانية والصناعية والزراعية والسياحية والدينية والمنافذ الحدودية وما إلى ذلك من جوانب تجعل من اقتصادنا أقوى اقتصاد في العالم، لو استطعنا أن نستثمره جيدا، لكننا نعاني من أزمات لا مثيل لها؟!
وما القرارات الأخيرة وارتفاع سعر الدولار مقابل انخفاض سعر الدينار العراقي وبمباركة جميع الجالسين على الكراسي، إلاّ ضربة قاصمة للفقراء تحديداً، كذلك الضرائب والاستقطاعات التي سيواجهها الموظفون بعد أن سرقوا ثلاث سنوات من أعمار خدمتهم القانونية، والتي ستعيد الغالبية العظمى من أبناء الشعب إلى زمن الحصار الجائر الذي أكل اللحم وترك الجلد على العظام!
يا أيها السياسيون الذين تتحكمون بمصائر الناس في هذا البلد الغني الذي أفقرتموه!
التفتوا قليلا إلى الماضي وتأملوه جيدا، واتّعظوا من مصائر الظالمين والفاسدين والطغاة عبر التاريخ، قبل أن يضيع منكم الخيط والعصفور، ولن تجدوا حتى حفرة تلوذون بها!
فمهما صبر الناس على الظلم والفساد، لابد أن يثوروا ذات يوم، وستكون ثورتهم بركان غضب ونار!