يظن الكثير من الناس أن الوفرة المالية في أي دولة تشكل الضمانة الاكيدة لتحقيق الرفاهية الاجتماعية بوصفها الوسيلة المباشرة لزيادة دخل الأفراد وانتاج أفضل للخدمات الضرورية التي يطمح لها المواطنون وصولا الى توافر القوة الشرائية وزيادة الطلب الكلي بزياد الاستهلاك وتنشيط عملية الاستثمار وإنعاش الاقتصاد.
بيد أن الحياة لم تزك هذه الظنون في غالب الاحيان لأنها اثبتت بالدليل العلمي القاطع أن الوفرة المالية قد تصبح في ظروف معينة وانظمة سياسية معينة نقمة وعبئا على حياة الناس.
وللتدليل على ذلك، كان مجموع الأموال المخصصة في بلادنا في الموازنات السنوية للفترة من عام 2003 ولغاية عام 2019 قد بلغ 1258 مليار دولار، ومجموع الموازنات الاتحادية للفترة من 2006 ولغاية عام 2014بلغ 563 مليار دولار، وأن أعلى وارد تحقق في عام 2012 وصل الى 106 مليار دولار، في مقابل ذلك فان مجموع الهدر المالي لسنوات ما بعد عام2011 قد بلغت 175 مليار دولار، هذا عدا الأموال المهربة الى الخارج التي تقدر ب 360 مليار دولار للفترة من 2006 ولغاية تموز من عام 2020 حسب تصريحات عضو المجلس الاعلى لمكافحة الفساد سعيد يأسين موسى في 18 اب 2020، وأن النسبة تحت خط الفقر قد بلغت 31 في المائة حسب احصائيات وزارة التخطيط. زد على ذلك أن الخزينة العراقية باتت عاجزة عن تسديد رواتب موظفي الدولة ناهيك عن تعثر آلاف المشاريع الحكومية التي تحتاج حسب التقديرات الحكومية الى 100 مليار دولار، وبذلك تكون الحكومة العراقية في ورطة حقيقية أمام توفير المتطلبات الضرورية لتوفير رواتب الموظفين والايفاء بالتزاماتها تجاه الدول والمؤسسات الدائنة وعقود التراخيص والمدفوعات العسكرية.
إن الاجابة على السؤال السابق والعشرات من الاسئلة عن مصير هذه الثروة نجدها في الكثير من الابحاث الاقتصادية سواء في الداخل أو الأبحاث الخارجية المهتمة بالشأن الاقتصادي العراقي، حيث لخصت الأسباب الكامنة وراء هذه الخيبات تتجلى اقتصاديا في عدم مرونة قطاع الانتاج مع هذا الكم الهائل من الانفاق بسبب السياسات المالية والنقدية المتمثلة بزيادة عرض النقد وسوء الادارة المالية والنقدية فضلا عن الفروقات الكبيرة في رواتب موظفي الدولة ونفقات هائلة غير مبررة لكبار موظفي الدولة من رؤساء جمهورية ووزراء سابقين وبرلمانيين خارج البرلمان الحالي، ليس فقط في حجم الرواتب وانما نفقات حماية مع عدم وجود أي مخاطر أمنية حقيقية تهدد حياتهم زد على ذلك فشل الادارة الحكومية في التوظيف الصحيح لمصادر التمويل والتغاضي عن مصادر كثيرة لتعظيم موارد الدولة ..
ولمعالجة كل هذه الاختلالات ولغرض وضع أي وفرة مالية التي يمكن تحقيقها في قادم الايام نقترح الاتي:
- تفعيل قانون (من اين لك هذا) المدرج في أروقة مجلس النواب الذي يعالج ظاهرة انتفاخ خزائن المسئولين والمصارف العائدة لهم والمسجلة بأسماء ذويهم وتفعيل الاجراءات القضائية بهذا الخصوص.
- اعادة السيطرة على اصول الدولة المبعثرة هنا وهناك وتلك التي يسيطر عليها مسؤولون حكوميون وسياسيون أو المباعة بأبخس الأثمان واستحصال ديون الدولة واستحقاقاتها في شركات الهاتف النقال وتنفيذ القرارات القضائية الصادرة بها الشأن.
- تنشيط السياسة الادخارية واجتذاب الاموال المكتنزة لدى المواطنين التي تشكل 70 في المائة من الكتلة النقدية والتي تشكل 34 تريليون دينار عبر زيادة سعر الفائدة لتكون عاملا مهما في وفرة السيولة النقدية.