بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب
في الثلاثين من كانون الأول الحالي تمر الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الفرنسي. وبهذه المناسبة أجري الملحق الأسبوعي لجريدة "يونغه فيلت" اليسارية الألمانية حوارا مع السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي فابيان روسيل نشر بتاريخ 14 تشرين الثاني الفائت. ولأهمية الحوار نقدم عرضا لأبرز ما ورد فيه.
فابيان روسيل في سطور
ولد فابيان روسيل في 16 نيسان 1969 في مدينة بتون في شمال فرنسا، وعمل صحفيا. وفي المؤتمر 38 للحزب الشيوعي الفرنسي في 25 تشرين الثاني 2018 انتخب سكرتيرا وطنيا للحزب. وحاز مشروع البرنامج الذي قدمه في المؤتمر على 42 في المائة من المندوبين. (يضم الحزب الآن 47 ألف رفيقة ورفيق)، واقر المؤتمر مشروع البرنامج في منافسة بين ثلاثة مشاريع، قدم الثاني زعيم الحزب السابق بيير لوران، اما المشروع الثالث فقدمته اقلية، في صفوف الحزب، مشدودة للماضي. وركز البرنامج المقر على تحقيق حضور قوي وفاعل ومستقل للحزب. روسيل هو واحد من 12 نائبا يمثلون الحزب في الجمعية الوطنية الفرنسية.
مهام آنية
فرنسا تعيش الآن حالة طوارئ. وعندما عقد المؤتمر الثامن والثلاثون، لم يكن هناك كورونا، ولكن فرنسا كانت تعيش أزمة اقتصادية. في ذلك الوقت كان الشيوعي الفرنسي يرى إن تمركز رأس المال وسلطة الشركات متعددة الجنسيات يهددان اقتصاد ومستقبل فرنسا، ويؤديان إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة والفقر فيها . وقد أشر المؤتمر خطر حدوث أزمة اقتصادية، وشدد على مدى خطورة الرأسمالية على البلاد، والضرورة القصوى للتخلي عن نموذج الاقتصاد الرأسمالي وتمهيد الطريق لنموذج اجتماعي جديد. وبهذا يختلف برنامج الحزب الجديد، الذي صوت عليه غالبية المندوبين في المؤتمر الثامن والثلاثين، عن برنامج السكرتير الوطني السابق. وان المهمة اليوم هي إعطاء الأمل بالتغيير في البلاد، على أساس احداث تغييرات أساسية في البنية الاجتماعية. ولهذا يجب تعزيز تأثير الحزب الشيوعي الفرنسي. وهناك حاجة إلى حزب شيوعي أكثر نفوذاً وأفضل تنظيماً وكوادر مدربة جيداً ومستعدة لقيادة الصراع الأيديولوجي في البلاد وإقناع الفرنسيين باستبدال الرأسمالية بنموذج اجتماعي وبيئي جديد.
في البرنامج المقر والموسوم " من اجل بيان الحزب الشيوعي في القرن الحادي والعشرين" يجري التأكيد على تعزيز دور الحزب، والمشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. ولأول مرة في تاريخ الحزب، تمكن برنامج بديل من الفوز في منافسة مع مشروع برنامج القيادة السابقة: والسبب في ذلك أن غالبية الأعضاء أرادوا إجراء تغييرات. ويتم اجراء هذه التغييرات بواسطة التنسيق بين السكرتير الوطني الحالي وسلفه، فوحدة الحزب والهدف المشترك أمران حاسمان بالنسبة للجميع.
وفيما يخص جبهة اليسار: كان الشيوعي الفرنسي مشاركا أساسيا في تشكيل جبهة اليسار مع جاك لوك ميلنشون، وتم دعم ترشيح الأخير في انتخابات الرئاسة عام 2012. وفي انتخابات الرئاسة في عام 2017 كانت جبهة اليسار عمليا غير موجودة، وهذا قبل انعقاد المؤتمر الثامن والثلاثين بعام، لذا جرى تأكيد حاجة الشيوعيين الفرنسين الى استعادة استقلالهم السياسي، ليحاوروا العمال والمستخدمين في القطاع العام مباشرة، والدفاع عن نموذجهم المجتمعي، والتأكيد على أهمية افكارهم. وعلى هذا الأساس لم يعلن المؤتمر انتهاء جبهة اليسار التي كانت ميتة بالفعل، بل أكد على الحاجة لحزب شيوعي قوي.
الانتخابات
منذ عقود يملك الحزب الشيوعي حضورا في برلمانات المدن والبلديات، والانتخابات المحلية اكدت هذه الحقيقة. لقد اشرت امكانية الحزب في الفوز. لقد فاز الحزب في بعض المدن، وخسر أخرى، لكن النتائج المهمة هي تلك التي حققها الحزب في المدن الكبيرة، والتي بينت إمكانية الحزب على الفوز، إذا توجه الى الناخبين غير الحزبيين، والراغبين في التغيير. لهذا السبب دخل الحزب في تحالفات مع أحزاب يسارية أخرى. في بعض الأحيان كان الشيوعيون على رأس هذه القوائم، والتي فازت في مدينتي فيلجويف وبوبيني، وأحيانا أخرى قاد الحلفاء القوائم الأخرى. لقد تمكن الحزب بفضل تكتيكاته، من دخول برلمانات مدن مثل مرسيليا ومونبلييه ونانسي وستراسبورغ، بعد ان غادرها منذ سنوات عديدة. ولذلك سيستمر الحزب في سياسة التحالفات في الانتخابات المناطق والاقاليم المقبلة في اذار 2021. وكما كان الحال في الانتخابات المحلية سيكون نداء الحزب: دعونا نعمل معًا، دعونا نهزم اليمين والليبراليين، ونمنع ماكرون من الحصول على موطئ قدم في المناطق والمقاطعات.
أما بالنسبة للانتخابات النيابية والرئاسية، فيرى الزعيم الشيوعي، انها نوع مختلف من التصويت. وهناك حاجة إلى نهج مختلف لأنها تفتح نقاشًا يمكن لأي قوة سياسية أن تطرح مشروعها الخاص للمجتمع ويمكن للفرنسيين التصويت على الأفكار الأقرب إليهم.
ويؤيد الحزب إلغاء الانتخابات الرئاسية بشكلها الحالي ويناضل من أجل إقامة جمهورية برلمانية. في المستقبل القريب، ويدعو إلى تغيير عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحيث لا يحصر التنافس في الجولة الثانية بين أول مرشحين في الجولة الأولى. ويقترح الحزب جعلها مفتوحة للمرشحين الذين حصلوا في الجولة الأولى، على سبيل المثال، على أكثر من عشرة في المائة من الأصوات. ان النظام الانتخابي النافذ يدفع القوى السياسية الى مقامرة سلطوية على حساب المحتوى، وعلى حساب البرامج.
حركة "السترات الصفر"
اندلعت حركة السترات الصفر في تشرين الثاني 2018، واثناء انعقاد مؤتمر الحزب الثامن والثلاثين. وقد عبر فابيان روسيل من قاعة المؤتمر عن تضامنه مع الحركة. وفي الأشهر التي تلت ذلك، خاض روسيل حوارا مع الحركة لدعم مقترحاتها، ولتقديم توزيع أكثر عدلاً للعبء الضريبي، ومن أجل زيادة القوة الشرائية لغالبية الفرنسيين. وعلى مدار العام، لاحظ الحزب بأن العديد من مطالب السترات الصفر قريبة جدًا من مطالبه: مكافحة التهرب الضريبي، والمطالبة بفرض ضرائب أعلى على الأغنياء، وزيادة أجور العمال، والمعاشات التقاعدية. لقد تعمق التعاون بين الحزب والحركة، حتى وان حدث توتر، هنا وهناك، لان الحركة كانت ترفض في البداية السياسة على هذا النحو. وأوضح الحزب حقيقة، انه لا يمكن وضع جميع الأحزاب في سلة واحدة. لقد كان هذا النقاش مثمرًا للجانبين. وهناك قناعة بأن السترات الصفر كان لها تأثير على سياسات الحكومة. لقد استطاعت الحركة منع فرض ضريبة ثاني أوكسيد الكربون، وبفضل ضغطها، أمكن تخفيض الضرائب على أصحاب المعاشات الفقراء. لقد ساهمت السترات الصفر في انطلاق نقاش اجتماعي عام واسع في فرنسا، وبادر الناس لقول كلمتهم، وكان على رئيس الجمهورية أن يسمع الكثير. ومن المؤسف أنه لا يريد التجاوب مع المطالب التي قدمت خلال هذه الأشهر. لكن السترات الصفر مكنت القوى السياسية من إحراز تقدم كبير في العملية السياسية
الحزب والازمة ومواجهة ماكرون
يقترح الحزب نظامًا ضريبيًا أكثر عدلا، ويجب توزيع الثروة ألمنتجة بأسلوب يضمن عدالة أكثر. ومن الضروري تقوية القدرة الشرائية للعمال الأجراء. ولهذا السبب مهم جدا فرض ضرائب على رجال الأعمال الأثرياء، وبالأخص الشركات متعددة الجنسيات، وعلى الارباح المتحققة بأشكالها المختلفة، وتمكين العاملين الذين ينتجون هذه الثروة بأيديهم، من الحصول على المزيد من هذه الأرباح. ويجب ألا يكون هذا المطلب الوحيد، فالحزب يريد تحقيق ثورة في علاقات الإنتاج. لا يكفي فرض ضرائب أعلى على الأغنياء. المهم وضع الإنتاج في خدمة الناس، ومراعاة القضايا البيئية. ولهذا يقترح الحزب تقليص ساعات العمل وخفض سن التقاعد إلى سن 60 عاما، وزيادة الأجور غير المدفوعة نقدا، للحصول على حماية اجتماعية أفضل. وهذه المطالب تعزز المسؤولية تجاه حماية البيئية، ذات الأهمية الحاسمة للحياة على كوكبنا اليوم. ويجب أن نعطي العمال الأجراء المزيد من حقوق المشاركة في قرارات الشركات، وترسيخ الرقابة على رأس المال وعلى توزيع الأموال العامة. وأن يكون للعاملين الإجراء الحق في نقض قرارات إدارات الشركات إذا أدت إلى نقل مواقع الإنتاج الى الخارج وتهديد فرص العمل، او احداث مخاطر بيئية.
الشيوعيون وقوى اليسار
في فرنسا تدور نقاشات في معسكر اليسار، بين من يعتقدون أن النظام الرأسمالي يمكن تكييفه وتحسينه، ومن يعتقدون بضرورة تجاوز الرأسمالية. ويجري اليوم حديث كثير عن المناخ والإيكولوجيا، والشيوعيون هم الحزب الوحيد الذي يقول: من أجل ثورة ايكولوجية ومدنية حقيقية، يجب التخلي عن الرأسمالية. لا يمكن رسم الرأسمالية باللون الأخضر، ومن الوهم تصديق ذلك. وعندما يتحدث شخص من اليسار عن الرأسمالية الايكولوجية، فإن المشكلة ليست الايكولوجيا ، بل الرأسمالية. المطلوب التخلي عن الرأسمالية. وهذا نقاش قديم بين الديمقراطيين الاجتماعيين والليبراليين الاجتماعيين والثوريين، وهو استمرار للجدل الذي دار قبل مائة عام، في كانون الأول 1920، في مؤتمر الحزب الاشتراكي الفرنسي في مدينة تور، والذي كان بمثابة بداية لتأسيس الحزب الشيوعي الفرنسي.
الشيوعيون والأرت الاستعماري الفرنسي
يربط فرنسا تاريخ مؤلم بالعديد من البلدان المستعمرة، وخصوصا بلدان شمال إفريقيا (الجزائر والمغرب وتونس وليبيا). يسعى الحزب الشيوعي الفرنسي إلى فتح الأرشيفات العسكرية، المحظورة منذ أكثر من ستين عامًا. والسؤال لماذا لا يزال هناك الكثير من الملفات والوثائق السرية للغاية، والتي تشهد على ما ارتكبته فرنسا في هذه البلدان؟ في العام الفائت، كشفت فرنسا أخيرًا عن ملف الشيوعي الفرنسي موريس أودين، الذي تعرض للتعذيب والقتل على يد الجيش الفرنسي في عام 1957 في الجزائر. من المهم بالنسبة للجزائر والمغرب وتونس التصالح مع هذا الماضي، ولكن من المهم أيضًا بالنسبة للفرنسيين، فالوضوح التاريخي سيكون خطوة تقدم إلى الأمام.
مشكلة أخرى هي العلاقة بين فرنسا والدول الأفريقية اليوم: بعض رؤساء الدول، الذين تعتبرهم شعوبهم غير شرعيين، يتلقون دعمًا كبيرًا من باريس. ولا يفهم الناس في إفريقيا الموقف الفرنسي: تستمر فرنسا في التصرف كما لو كانت هذه البلدان لا تزال، حتى اليوم من مستعمراتها. في بعض الحالات تهدف السياسة الفرنسية إلى استغلال الموارد الطبيعية، خصوصا في مالي والنيجر، حيث تقوم فرنسا القوة النووية العظمى بتعدين اليورانيوم وحيث يكون هناك الكثير على المحك. حقيقة أن باريس تدعم حكام دول طغاة أمر غير مقبول. ولهذا يعمل الحزب الشيوعي على توسيع علاقات الصداقة والتعاون مع السكان والجمهور التقدمي في هذه البلدان. وإذا كانت هناك عملية عسكرية فرنسية، كما هو الحال في مالي، فسيضمن الحزب جعل هذا الوجود العسكري مادة لنقاش عام لم يبدأ بعد في فرنسا. ومن المثير للقلق أن الشعب المالي ينظر إلى فرنسا الآن على أنها قوة محتلة. نعم للمساعدة وليس للاحتلال. لهذا يدافع الشيوعيون عن الصداقة مع الدول الأفريقية بدون قوة عسكرية. ويتضح المأزق السياسي للسياسة الفرنسية الرسمية في إفريقيا عند النظر إلى ما فعلته فرنسا في ليبيا. إنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن الفوضى السائدة هناك اليوم. ولذلك من الضروري التأكد من عدم تكرار ما يحدث.
مئوية الحزب
بسبب وباء كورونا تم تحجيم الاحتفالات إلى الحد الأدنى. وهناك خطط لسلسلة من الفعاليات العامة: تلك التي لا يمكن إقامتها الان، ستؤجل الى العام المقبل. الأولوية لتحويل الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الفرنسي الى فرصة للتأمل في القرن المقبل، الذي يجب ان يبنى بروح السلام والصداقة والكرامة الإنسانية. والحزب الشيوعي في المقام الأول أداة لفرض التغيير. وتأسس لتهيئة المجتمع لتغيير عميق. ولذلك يقول الشيوعيون للشعب الفرنسي أننا نريد هذه التحولات معكم ويجب أن نكون كثيرين حتى يتمكن المزيد من الناس من مساعدتنا. إن الذكرى المئوية لتأسيس الحزب هي بالأساس فرصة للتفكير في المستقبل القريب.
فابيان روسيل يتوسط تظاهرة لعشرة آلاف ضد قانون "تعديل" المعاشات التقاعدية في كانون الثاني 2020