لدورة برلمانية ثانية تدار البرتغال من قبل حكومة أقلية شكلها الحزب الاشتراكي البرتغالي، مدعومة برلمانيا من قوتي اليسار الجذري الاساسية في البلاد الحزب الشيوعي البرتغالي وحزب كتلة اليسار، دون الدخول في تحالف مع الحزب الحاكم. وعلى الرغم من استفادة الحزب الحاكم انتخابيا من تصدره للمشهد الحكومي، ورفع رصيده الانتخابي خلال الانتخابات الأخيرة، الا ان التجربة تشير الى ان النجاح الحكومي في تجاوز اثار الازمة المالية العالمية العميقة لسنوات 2008 /2009 ، والنجاح اللافت للحكومة البرتغالية في مواجهة ازمة وياء كورونا، ما كان له ان يتحق لولا الضغط الذي تمارسه قوى اليسار على الأداء الحكومي، والمرتبط بحضور سياسي وانتخابي مؤثر لهذه القوى ساهم عمليا في نقل واحد من اكثر بلدان جنوب اوربا تضررا من الازمة المالية الى حالة من الاستقرار وتحقيق مكتسبات ليست قليلة لصالح اكثرية السكان.
أعلنت الحكومة البرتغالية بزعامة أنطونيو كوستا من الحزب الاشتراكي الخطوات الأولى من خطتها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وتضمن البرنامج المعلن فرض ضريبة تضامن على البنوك ، لتعزيز صندوق الاستقرار المالي للضمان الاجتماعي بمبلغ إضافي قدره 33 مليون يورو. وتشمل الضربية جميع البنوك التي مقرها في البرتغال ، وكذلك فروع البنوك العاملة في البلاد، والتي تتواجد مراكزها في بلدان أخرى.
على الرغم من ان النسبة المفروضة على البنوك منخفضة جدا واولية ولم تتجاوز 0,02 في المائة على الوادئع المضمونة بواسطة صندوق للودائع، فإن الاتجاه صحيح. لأن هذه الضربية تمثل جزءا من مشاركة البنوك في تمويل الإنفاق الحكومي.
وسبق للحكومة ان فرضت على البنوك ضريبة للمشاركة المباشرة في عملية انقاذها. وبدءا من الأول من كانون الثاني الفائت تم رفع هذه الضريبة الى 0,06 في المائة، يضاف الى ذلك ان الحكومة قد علقت العمل بالقروض حتى 31 اذار 2021 ، اي ان العوائل والشركات المتضررة من الأزمة المالية تتوقف عن تسديد خدمة ديونها حتى التاريخ المذكور. وشمل التعليق المهاجرين الذين يسددون سلفهم العقارية في البرتغال وأيضًا المواطنين الذين يسددون السلف التعليمية. لقد فرض على البنوك التخلي عن واردات، وفي الوقت نفسه دفع الضرائب، ولكن الاجراء يحمي البنوك من الوقوع في المشاكل مرة أخرى ، لأن القروض التي بذمة الشركات والأسر تصبح "كسولة" بسبب صعوبات قصيرة الأجل في حالة البطالة أو فقدان الدخل.
ولتنفيذ خطة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي قدمت الحكومة في 8 حزيران ميزانية تكميلية لمواجهة كورونا بقيمة 13 مليار يورو .وعند عرضها اشار رئيس الوزراء البرتغالي إلى أن هذا كان "واحدًا فقط من مصادر التمويل" لبرنامج الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، "والذي يجب استكماله على وجه الخصوص بحصة ومساهمة هامتين من الصناديق الأوروبية" ، برنامج البرتغال 2020 وكذلك من البرامج الجديدة التي أنشأها الاتحاد الأوروبي.
واجهت البرتغال، حتى الان، أزمة كورونا بشكل جيد نسبياً ، لان الحكومة اتخذت إجراءات مبكرة حالت دون تعطيل كامل للحياة، وخفضت من نسبة الوفيات . وتهتم الحكومة حاليا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي في أسرع وقت ممكن. وفي هذا الاطار من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 6,9 في المائة. وبالتالي سيرتفع معدل البطالة إلى 9,6 في المائة ، بموازة ارتفاع نسبة النمو من 4,1 في المائة الى 6,5 في المائة في العام التالي، وتنطلق الحكومة في توقعاتها من افتراض عجز كبير في الإيرادات وزيادة الديون.
ان الابتعاد الحذر من سياسات التقشف القاسي قبل انتشار الوباء الذي مارسته الحكومة بفعل ضخط شريكيها اليساريين؟ الحزب الشيوعي البرتغالي، وحزب كتلة اليسار، قد منحها مساحة للتحرك. ونتيجة لذلك ، كان معدل البطالة في البرتغال منخفضًا بنسبة 6,4 في المائة قبل انتشار الوباء، وحققت البلاد، لاول مرة، في عام 2019 فائضا قدره ة 0,2 في المائة . ومن ناحية أخرى ، سجلت اسبانيا المجاورة بطالة بنسبة 14,5 في المائة ولديها عجز في الميزانية بنسبة 2,6 في المائة.
وتتضمن الميزانية التكميلية إعفاء ضريبي هائل لتحقيق استقرار اقتصادي سريع. من خلال اعفاء الفنادق والمطاعم ، التي توقف في الاشهر الفائتة دخلها بالكامل تقريبًا، من دفع الضرائب . وهذا ينطبق أيضا على جميع الشركات التي تنخفض مبيعاتها أكثر من 40 في المائة. وإذا كان الانخفاض يتراوح من 20 - 40 في المائة فقط ، يتم اعفاء هذه الشركات بنسبة 50 في المائة، ويستمر هذا الإعفاء حتى عام 2021. والهدف من ذلك هو حماية الشركات من الإفلاس ، الذي لو حدث سيدمر فرص عمل لا حصر لها، ويضع عبئا اضافيا على خزينة الدولة، بالإضافة إلى ذلك ، سيتم تمديد تقديم المساعدات للعاطلين عن العمل والتعويضات عن تقليص ساعات العمل بالنسبة للعاملين. وتعزيز النظام الصحي. وتم تمديد عقود 2800 عامل في مجال الرعاية الصحية تم توظيفهم حديثًا. وفي كانون الأول المقبل،سيتم توظيف 2700 آخرين .
تعزيز القطاع الصحي وحماية حقوق العاملين
وأشارت عضو البرلمان الأوروبي عن حزب"كتلة اليسار" ماريسا ماتياس ، إلى أن نظام الصحة الوطنية العام هو "الركيزة الكبرى في مكافحة كورونا". و"لقد أثبت الأداء الاستثنائي للمستشفيات العامة، في حين أغلقت المستشفيات الخاصة أبوابها ، أنه لا غنى للبلاد عن نظام الصحة الوطنية العام". وذكّرت بأن تعزيز النظام الصحي جاء بالضد من رغبة رئيس الوزراء أنطونيو كوستا، ويجري مواصلته بواسطة الميزانية التكميلية. وان "ميزانية القطاع الصحي ازدادت بنحو 1500 مليون يورو".
من جانبها شددت كاترينا مارتيز منسقة حزب كتلة اليسار ان دعم حزبها سيشترط"تعميق التدابير" مثل تمديد جميع المساعدات الطارئة حتى نهاية العام ، وتحسين ظروف العمال المسرحين وإعانات البطالة، بما في ذلك، . توسيع دائرة إعانات البطالة لتشمل القطاعات المستبعدة حاليًا ، كعاملات المنازل ، والعمال المؤقتين الذين لا يمتلكون ضمانا بالاستمرار بالعمل ، ودعم فقدان الدخل ، والموقف من تعزيز النظام الصحي وحماية المساكن.
الشيوعي البرتغالي: الموازنة غير كافية لمواجهة الوضع المتوترفي البلاد
تقول النائبة الشيوعية باولا سانتوس، على الرغم من ان الميزانية التكميلية تحتوي على عدد من الاقتراحات التي قدمها الحزب الشيوعي ، إلا أنها لا تكفي لمعالجة مشاكل العمال والسكان بعد انتشار وباء كورونا . و"إن المشاكل المتعلقة بالأجور ، ودعم المشاريع الاصغر والصغيرة والمتوسطة، وجعل النظام الصحي اكثر اجتماعيا لا تجد الإجابة المناسبة في هذه الميزانية للتغلب على هذه المشاكل " واعلنت النائبة "ان للحزب الشيوعي مقترحات ملموسة" خصوصا فيما يتعلق بضمان الدفع الكامل للاجور والرواتب ، وحظر تسريح العمال لحماية فرص العمل ، وتعزيز الخدمات الصحية الوطنية ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
حزب كتلة اليسار: السيطرة على الشركات الإستراتيجية
يطالب الحزب بتوضيح تفاصيل منح الدولة شركة الخطوط الجوية "تاب" مساعدات . وانتقد عضوة البرلمان عن الحزب إيزابيل بيريس منح قرض دون اشتراك الدولة في إدارة الشركة. بالنسبة لحزب كتلة اليسار "ينبغي حضور الدولة"، "يجب ان نضمن المصالح العامة، وايضا عدم وجود قروض لا تشترط سلطة قرار الدولة في الشركات" ان الأمر يتعلق بضمان تأثير الدولة "فيما يتعلق بالاساليب والمصالح الاستراتيجية الاقتصادية والتماسك الإقليمي والأهداف البيئية".