عندما تتناول وسائل الاعلام التقليدية الحكومات التي تتعامل مع كورنا بشكل جيد، او مقبول ، عادة ما يشار الى كوريا الجنوبية وتايوان ونيوزيلندا وألمانيا. ويتم تجاوز إدارة الصين الناجحة للازمة ، والصين هي البلد الاول التي ضربها الوباء بقوة، ولكن بعد حجر صحي فاعل، وحزمة من الاجراءات، وقدرات طبية وفنية متميزة، وصلت اعداد الإصابات اليومية الجديدة الى اقل من العشرات، ومنذ اسبابيع وصل العدد الى اقل من 10 اصابات اسبوعيا.
اما فيتنام ، التي كانت أول دولة في العالم تهزم فيروس كورونا الجديد ، فلم بشر اليها احد. تحسن وضع جميع المصابين، ولم تسجل حالة وفاة واحدة . استفادت فيتنام من تجربتها في التعامل مع وباء السارس عام 2003. وكانت الحكومة على معرفة بحجم خطورة المشكلة ، وبعد أن تم العثور على 6 اصابات فقط في البلاد ، كانت فيتنام واحدة من أوائل الدول التي أعلنت أن الفيروس وباء ، وطبقت على الفور أشد تدابير الاحتواء والعزل. حتى ان منظمة الصحة العالمية ، التي عادة ما تكون حذرة ، أشادت بالاداء الفيتنامي: "الاكتشاف والعزل المبكرة والعلاج النشط عوامل مهمة للغاية. عمل فيتنام المبكر أوقف انتشار المرض وأنقذ آلاف الأرواح." في حين تسبب الفايروس باثارة الخوف والذعر في جميع انحاءالعالم. لقد شهدت فيتنام،منذ اوائل اذار الفائت، عملا جادا ، وتم احتواء الوباء.
تعلموا من ولاية كيرالا الهندية
ومن البلدان التي نجحت في مكافحت الوباء ولاية كيرالا الواقعة في جنوب الهند، والتي يحكمها الشيوعيون، ويبلغ تعداد سكان الولاية 35 مليون نسمة. حتى 25 ايار الفائت، تم عزل قرابة 140الف مواطن ، معظمهم في المنازل. وسجلت حالة 964 مصاباً بالكورونا ، توفى منهم، حتى الان 6 فقط . وهذا هو نفس عدد الوفيات في تايوان، الغنية جدا، والتي يقل عدد سكانها بـ 12 مليون نسمة، ويشار لنجاحها باستمرار في المؤسسات الاعلامية السائدة.
ويعود نجاح كيرالا في الانتصار على كورنا الى استثمار حكومة الولاية الشيوعية منذ عقود في قطاعات الصحة والتعليم ، ومكافحة الفقر وبناء مجتمع قوي ، فالولاية تملك قرابة الفين مستشفى عام وخاص ومراكز لرعاية المصابين بكورونا، وكلها تعمل بشكل جيد وفي جميع المناطق. بالإضافة إلى ذلك هناك مجالس قرى توفر للأشخاص المعزولين الرعاية والمعلومات، وتضمن الالتزام بالاجراءات المقرة، وعدد لا يحصى من العاملين في القطاع الصحي، الذين يتابعون الصلات بالمصابين وحياتهم اليومية. وكذلك مئات من مرافق المساعدة المحلية التي يتم فيها توفير سكن وغذاء للعمال المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل . ويحصل الأطفال حاليًا على وجبات مدرسية يتم ايصالها إلى منازلهم ، في حين يتلقى اشد السكان فقرا مساعدات اجتماعية صغيرة.
وما يميز ولاية كيرالا عن ولايات الهند الفيدرالية الأخرى: استمرار الشيوعيين في حكم الولاية منذ خمسينيات القرن العشرين. ويراس حكومة الولاية حاليا بيناراي فيجايا من الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) ويقدم افضل الادارة للسكان: ادنى مستوى للامية، وأدنى معدل وفيات بين الرضع ، وتوفر 2,9 في المائة من أسرة المستشفيات لكل 1000 نسمة،في حين تبلغ النسبة 0,5 في عموم الهند فقط.
قاتلة الفيروس
وتقول وزيرة الصحة والشؤون الاجتماعية وتنمية المرأة والطفل في الولاية شالاجا، والتي يفضل سكان الولاية مناداتها بـ"المعلمة"، ان ما ساعد الولاية في مكافحة الوباء هو:"انهاء الحكومة الشيوعية، منذ عام 1957 ظاهرة الاحياء الفقيرة في الولاية، ، ومنع قوانين إلإصلاح الزراعي اجبار فقراء الفلاحين على الهجرة من الريف، وتمكين السكان من الحصول على الأراضي الزراعية". وتقديرا لجهود الوزيرة في مكافحة كورونا تلقت اعترافا عالميا، فهي اليوم تحمل لقب "قاتلة فايروس كورونا".
لقد تم تشكيل "فريق الاستجابة السريع"، قبل أسبوع من تأكيد الاصابة الأولى. وعندما بدأت اجراءات الحجز ومنع التجوال في ووهان الصينية في منتصف كانون الثاني ، بدأ عمل طاقم من الموظفين الإداريين والصحيين في ولاية كيرالا: تم إنشاء أكثر من 600 مركز محلي ، وتبنى المسؤولون شعار: "تابع سلاسل العدوى". وجرى ايصال احدث المعلومات بمستوى واحد الى ابسط درجات القواعد الوظيفية ، وتم تدريب الطوااقم الطبية على نطاق واسع، والتركيز على حمايتهم. وكان يجرى عزل احترازي للمجموعات الضعيفة صحيا.
واستفاد العاملون في مجال الإدارة والصحة من الخبرة التي توفرت في عام 2018 ، نتيجة النجاح في مكافحة وباء "نيباه" وهو فايروس ينتقل من الخفافيش إلى البشر. وتقول الوزيرة"لقد كنا مستعدين للفايروس. لقد ساعدتنا تجرتنا مع فايروس "نيباه" كثيرًا. لقد شكلنا على الفور مجموعات خبراء ؛ واحدة للتحضير اللوجستي ، وثانية لمتابعة الاتصالات ، وأخرى للمراقبة ، وحتى مجموعة لمتابعة الصحة النفسية".
بدأت كيرالا الاستعداد للحالات بمجرد أن سمعت عن تفشي فيروس جديد في ووهان ،و قبل وقت طويل من إعلان الحكومة المركزية عن أية اجراءات. وتضيف الوزيرة "كنا على يقين من أن الفايروس سيأتي إلى ولاية كيرالا لأن العديد من طلاب الملايو كانوا يدرسون في جامعة ووهان. وعندما اعلن بيان منظمة الصحة العالمية في 18 كانون الثاني أن الفايروس المحتمل ينتشر في ووهان – ولم تعلن منظمة الصحة العالمية حينها حالة الوباء. بدأت تحضيراتنا هنا بعد استشارة الخبراء". وتضيف ان "قطع سلسلة انتقال العدوى من خلال الحجر الصحي والعزل، الذي هو المفتاح الاساسي. ونقوم بإجراء المراقبة والرصد واجراء الفحوصات الفورية ورصد حالات الالتهاب الرئوي. نهجنا متعدد الجوانب ، بدلاً من التركيز فقط على الفحوصات التقليدية". ويعتمد الطب المحلي البديل الموروث من السكان الاصليين لا كبديل للعلاج الطبي الحديث المستند الى العلم، بل لا غراض تعزيز نمط الحياة واساليب الرعاية الداعمة.
لقد حقق النهج الثابت والمتواصل نجاحا سريعا. و بعد الحالات الأولى في نهاية كانون الثاني كان هناك حتى نهاية شباط فترة هدوء، ثم جاءت موجة العدوى الثانية، بعد تجاهل مراقبة عائلة عادت من إيطاليا . ولكن اجراءت العزل الشديدة مكنت الولاية من السيطرة على ما حدث، ومن خلال تطبيق شعار "كسر سلسلة العدوى" ، تم تنفيذ حملة ضد الفايروس حتى ادنى مستوى محلي. وتم تنشيط مراكز الاتصال بالمواطنين مرة أخرى للامتثال للحجر الصحي الالزامي ومتابعة ذلك بشكل يومي.
مرحلة صعبة
وتقول الوزيرة ان المرحلة الحالية "اصعب بعض الشيء من غيرها"، فمنذ السابع من أيار يعود المواطنون إلى الولاية من المناطق الساخنة عن طريق البر والبحر والجو. لقد اصبح الخط البياني في السابق مستقيما، ولكنه الآن يرتفع مرة أخرى". لقد بدأت الهند بإعادة العمال المهاجرين من السعودية وبلدان الخليج في واحدة من أكبر حملات العودة في العالم. وكان هذا السيناريو معروفا بالنسبة لحكومة الولاية،لذا تم اخذ الاستعدادات اللازمة، لاستقبال العائدين. وجرى تحديد 10 – 15 نافذة للاستقبال في مطارات الولاية، واتخذت اجراءات مماثلة في الشوارع وفي السكك الحديدة للسيطرة على العائدين، ولكن هناك من يدخل الولاية من خارج نقاط السيطرة، عبر الغابات مثلا.
ومتابعة للتفاصيل تقول الوزيرة"ندير كل شيء من خلال اللامركزية". "إن نظام الادارة الذاتية المحلي لدينا قوي على مستوى القرية أو البلدة الصغيرة. لقد طلب رئيس وزرائنا من كل محطة في الادارة الذاتية تشكيل لجان لفحص أولئك الذين يأتون إلى هذه المحطات. كذلك تقوم الادارة الذاتية بتنظيم الحجر الصحي في المنازل ايضا".
كيف ستتعامل ولاية كيرالا مع الركود الاقتصادي؟ لا يزال الامر غير معروف. وفي ضوء تجربة الولاية يمكن القول بثقة ستسيطر على الوضع بشكل أفضل من ولايات الهند الأخرى. في ولاية كيرالا ، يطبق مبدأ الرفاهية العامة لجميع السكان، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو موقعهم في الهرم الاجتماعي الموروث، او موقع سكنهم الجغرافي.
لقد نشرت جريدة "دي تسايت" الليبرالية الالمانية واسعة الانتشار مقالا في 28 / 5 / 2020 بعنوان "درس شيوعي لبقية العالم" اعترفت فيه: " يمكن للدول الغنية أيضًا أن تتعلم بعض الأفكار من جنوب الهند. لأن كثافة الأسرة وإمدادات أكبر بأجهزة التنفس ومعدات الحماية لن تفي بالغرض ، فالأمراض ليست حالة طوارئ طبية فحسب ، بل هي أيضًا حالة اجتماعية وإنسانية. لا يمكن لوحدة العناية المركزة القيام بالوقاية والاحتواء. هذا ما يجب على العاملين في القطاعات الاجتماعية والصحية والعيادات المتنقلة ومؤسسات الرعاية اللامركزية القيام به – المجهزة والممولة بشكل يوفر المساعدة الضرورية للجميع. وإذا كنت تعتقد أن هذه الامور تعمل بشكل جيد وبما فيه الكفاية في ألمانيا ، فألق نظرة على كيفية التعامل مع اللاجئين و المشردين و عمال المسالخ".