هل يمكن ان يخسر ترامب الانتخابات المقبلة؟ كان هذا السؤال مطروحا بعد فوز ترامب بالانتخابات مباشرة. لقد انتخب ترامب بعد حملة انتخابية استبدادية وعنصرية، واثار مخاوف تقويض الديمقراطية، وارتقاء قمة الاستبداد. اليساريون الليبراليون كانوا يرون، ان المؤسسات والاجراءات الديمقراطية في الولايات المتحدة اقوى من هذا الاستبدادي المغرور. وكثيرمن اليساريين تهرب من الاجابة المباشرة ("يجب التعبئة الآن ضد ترامب"). في كلا المجموعتين كان هناك امل ساذج في ان تنجح عملية عزله في المستقبل القريب ، ولكن تم تجاهل ذلك عمداً ، لان ذلك سيعتمد دائمًا على دعم عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين.
والآن بعد أن هدد الرئيس الأمريكي باستخدام الجيش ("الآلاف من الجنود المدججين بالسلاح") ضد مواطنيه رداً على الاحتجاجات ضد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في مينيابوليس،وعد حركة "مناهضة الفاشية" منظمة ارهابية، وناقش امكانية سيطرته على الشرطة في العاصمة واشنطن، وضع السؤال بشكل نهائي على جدول الأعمال.

هجوم استبدادي على الديمقراطية

ليس مطلوب الآن تحديد ما اذا كان ترامب فاشيا ام لا. لقد تمت مناقشة ذلك منذ سنوات، ومن الواضح ان هذه المناقشة غير مجدية وغير مهمة، فالأمر يتعلق بمناقشة بديلة. الثابت أن ترامب يجسد الدكتاتوريين الذين لايفرض عليهم التعامل مع القواعد الديمقراطية لفترة طويلة. ومن الثابت أيضًا أنه يعتمد مسارًا استبداديًا قوميًا متشددا، يرى في اليمين المتطرف حلفاء ويشعر بالقرف من الإجراءات والمؤسسات الديمقراطية.
وبهذا المعنى، يمكن ان تعد سنوات ترامب في السلطة هجوما مستمرا على الديمقراطية، التي كانت تحت الضغط منذ سنوات طويلة، مثلا ملف تمويل الحملات الانتخابية. وبطريقة ما، يعد ترامب بمثابة الكرة المدمرة للديمقراطية الأمريكية؛ فهو امتدح "المتظاهرين" المسلحين الذين احتلوا مبنى الكابيتول في ولاية ميشيغان ودفعوا اعضاء برلمانها الى الهرب. وكذلك قام بتسريح المسؤولين غير المنضبطين، من مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي إلى المدعي العام جيف سيشنز إلى المفتش العام ستيف لينيك، واستبدالهم بأتباع موالين. بالإضافة إلى ذلك، هناك اعتداءات على سيادة القانون والمنافسين السياسيين. في وقت مبكر من عام 2016، هدد خصمه هيلاري كلينتون في نقاش تلفزيوني بالسجن، وصيحاته خلال فعالياته الانتخابية "احبسوهاا!". وكما هو معروف، حاول ترامب إقناع الرئيس الأوكراني - اي حكومة أجنبية - بالتحقيق مع خصمه جو بايدن. ولكن حتى هذه الخطوة دافع عنها حراسه الجمهوريون وهم يواجهون إجراءات عزله.
ومع ذلك يلوح ضوء في الأفق، لأن الخطاب الآني لترامب استبدادي، وهذا ليس علامة قوة، بل على العكس: لقد أظهرت جميع استطلاعات الرأي منذ أسابيع حتى الآن أن بايدن يتقدم كثيرًا على المستوى الوطني، وفي بعض الحالات بنسبة عشرة في المائة. ومنذ بدء مثل هذه الاستطلاعات، لم يستطع أحد المنافسين التقدم على الرئيس قبل الانتخابات ببضعة أشهر مثل التقدم الذي يحرزه بايدن، حتى في ما يسمى بولايات أرض المعركة - وهي الولايات التي ستقرر في النهاية من سيصبح رئيسًا للبلاد، بسبب خصوصيات نظام الانتخابات الأمريكي.
وهذا يؤدي مباشرة إلى طرح السؤال: هل سيخسر ترامب الانتخابات؟. الجواب المختصر واضح: إذا جرت الانتخابات اليوم، فسيهزم الرئيس. وإذا لم يتغير شيء جذري في الأشهر القليلة المقبلة، فسيخسر ايضا.
و بالطبع يعرف دونالد ترامب ذلك أيضًا. وكلما كانت نتائج الاستطلاع أسوأ بالنسبة له، كلما ازدادت الأساليب الوحشية التي يختارها لمنع هزيمته. يعتمد الرئيس في المقام الأول على وسيلتين: من ناحية الحد بشكل كبير من عدد الذين يحق لهم التصويت، وكذلك من نسبة المشاركة في التصويت، ومن ناحية أخرى إغراق البلاد في حالة من الفوضى حتى يصبح الوضع مربكًا وتصبح الدعوة إلى ضرورة "رجل قوي" عالية جدا.

الصراع على سجل الناخبين

في النظام الانتخابي الامريكي لا يجري العمل بمبدأ الانتخاب النسبي، وهناك امر اساسي يميز هذا النظام ايضا، وهو ان الناخبين الذين لا يسجلون اسمائهم في سجل الناخبين قبل يوم التصويت يكونون خارج القوائم المعتمدة.
ويعرف ترامب جيدًا أن نسبة المشاركة العالية في الانتخابات تخدم الديمقراطيين وتضر بالجمهوريين. في نهاية اذار، اعترف الرئيس بحرية في برنامجه التلفزيوني المفضل "فوكس وفريندز": إذا تم تسهيل المشاركة في الانتخابات وزاد إقبال الناخبين بشكل كبير، "سوف لن يتم انتخاب جمهوري في هذه البلاد مرة أخرى".
ولهذا السبب يحاول الجمهوريون منذ سنوات إبقاء عدد الناخبين المسجلين منخفضا والحد من إقبال الناخبين على المشاركة في التصويت. في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم يسجل اسماء قرابة ثلث من يحق لهم التصويت ؛ وبالتالي يجب زيادة هذه النسبة قدر الإمكان. ولاجل تبرير ذلك، يجري تكرار الادعاء بانتظام أن الهدف هو تجنب "تزوير الانتخابات". وهكذا يحاول الجمهوريون في العديد من الولايات "تطهير" القوائم الانتخابية، أي ببساطة شطب اسماء المواطنين من القوائم،وغالبا ما ينجحون في مسعاهم.
وبخصوص المشاركة في التصويت، يريد الجمهوريون فرض ابراز وثيقة رسمية مع صورة في مركز الاقتراع، وهذا يعد مشكلة للمجموعات السكانية التي توصف بالأقليات، تلك التي تصوت في الغالب لصالح الديمقراطيين. ولتحقيق الهدف ايضا يتم فرض شروط صعبة بشأن موعد ومكان التصويت، وهذه مشكلة للكثير من العاملين ايضا، لأن التصويت في الولايات المتحدة لا يجري يوم الأحد،بل خلال ايام العمل.
ويجري الآن صراع استثنائي على مقترح التوسع في عمليات التصويت بواسطة البريد، الذي يسعى له الديمقراطيون. ويتم تجاهل الحجة التي يطرحونها ؛ الخوف من الاصابة بكورونا سيمنع الناس من المشاركة في التصويت. ويحاول الجمهوريون توظيف كل الوسائل والحيل القانونية لمنع التوسع في حق استخدام البريد في التصويت (الذي يفضلة الرئيس شخصيا عند الادلاء بصوته).
هذه الأساليب تهدف إلى جعل هزيمة ترامب صعبًة للغاية، ولكن لا يمكن استبعاد هزيمته بالكامل. وهذا هو سبب مبالغة الرئيس في الادعاء بأمكانية التلاعب بنتائج الانتخابات. وقالت استاذة العلوم السياسية شيري بيرمان "لقد فعل كل شيء حتى لا يثق مؤيدوه بنتائج الانتخابات. و" "حديثه المستمر حول تزوير الانتخاب يجعل الناس أكثر استعدادا للاعتقاد بأن هناك امر غير محسوب، خصوصا إذا كانت نتيجة الانتخابات في تشرين الثاني المقبل ليست في صالحه ".
ان الحديث عن تزوير الانتخابات يتضمن تهديدا مفاده ان الرئيس سوف لن يعترف بالنتائج، خصوصا اذا كان الفارق بين المتنافسين ضئيل. ولهذا فالنتيجة النهائية ستكون غير مؤكدة.

رئيس الفوضى

هذا السيناريو يشير إلى الوسيلة الثانية التي يستخدمها ترامب لتحسين فرصه الانتخابية السيئة حاليًا: إغراق البلاد في حالة من الفوضى. لقد ساهمت أفعاله خلال أزمة كورونا في ارتفاع نسبة الوفيات، والانكماش الاقتصادي الهائل. وتصاعد البطالة الفاحش يزيد من عدم اليقين ويتسبب في تسارع الفقر. وكما يقول الكثيرون تعتير أزمة كورونا "ساعة السلطة التنفيذية". وما تحقق يثبت أن الحكومات لم تكن كفوءة، كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث يستنتج بعض المواطنين ان عمق الأزمة يعود الى الإدارة الكارثية التي اعتمدها البيت الأبيض. وفرص ترامب لتصحيح هذا الواقع محدودة مثل نفاقه في اظهار التعاطف مع المتضررين.
لذلك يحاول الرئيس الاستفادة من الاحتجاجات وأعمال الشغب التي أعقبت مقتل جورج فلويد. لأنه يعرف جيدًا أن انتفاضة السود في الولايات المتحدة تتبعها باستمرار ردة فعل عنيفة للبيض.
وعندما تنتشر صور الاضطرابات والنهب،يميل مزاج البيض، وفق معادلة عنصرية، الى الاستبداد. وهذا الميل هو الذي ابقى ريتشارد نيكسون ذات مرة في البيت الأبيض.وهذا هو السبب الذي جعل ترامب بعد تررد، يقدم نفسه على أنه "رئيس القانون والنظام" العسكرى و"الرجل القوي" القادر وحده على وقف أعمال النهب وأعمال الشغب. ويهدد بنشر الجيش في المدن، ويفرق المتظاهرين السلميين بالقوة، ليلتقط صورة أمام كنيسة، حاملا الانجيل في يده.
وليس من المؤكد ان سيناريوهات الرئيس سيحالفها النجاح، واذ ما استمر انخفاض التاييد له، فسوف لن يساعده ادعاء تزوير الانتخابات، ولا نشر الفوضى للبقاء في البيت الابيض لدورة رئاسية ثانية. إذا نجح الرئيس في تقليص الفجوة مرة أخرى، فان حالة عدم الاستقرار ستستمر بعد 3 تشرين الثاني المقبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
عن مقالة لألبرت شارنبيرغ: رئيس المركز التاريخي للاشتراكية الديمقراطية. والمدير السابق لمكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ الالمانية في نيويورك

عرض مقالات: