يستمررهان الرئيس التركي رجب طيب اوردوغان على على قمع الحريات الديمقراطية واستمرار الحرب على معارضيه من يسارين وديمقراطيين، و في شن حرب عنصرية ضد الشعب الكردي داخل وخارج حدود تركيا. وكذلك في توسيع وتصعيد تدخله في عدد من الحروب الأقليمية كما هو الحال في الصراع الدائر في سوريا وليبيا. وفي هذا السياق جاء العدوان التركي الجديد والمستمر ضد عدد من المدن والبلدات في اقليم كردستان العراق بحجة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وهم من ومن المعروف ان مخمور القريبة من اربيل، تسظيف معسكر للاجئين يأوي 12 الف من الأكراد الهاربين، منذ التسعينيات، من القمع العنصري في تركيا، فضلا عن ان المنطقة تتمتع بحماية مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، اما سنجار التي كانت مسرحا لحرب الابادة الجماعية التي نفذتها داعش ضد الأيزيدين في عام 2014 ،فقد اصبحت هدفا للقصف التركي بعد يوم واحد فقط من عودة 150 عائلة أيزيدية الى المنطقة. وعلى عكس الإدعاءات التركية، فان الموقعين يضمان تجمعات سكانية مدنية ومركز طبي، وليس لحزب العمال الكردستاني قواعد عسكرية هناك.
وتقول مصادر المقاومة الكردية في تركيا ان نظام اوردوغان، وبعد سلسلة الغارات الجوية، ربما يعد لتنفيذ هجوم بري ، فقد تم انشاء مستشفى ميداني في بلدة سلوفي الحدودية مع العراق، وجرى تحريك قطعات عسكرية اضافية باتجاه الحدود التركية – العراقية. ويستهدف القصف التركي افراغ القرى العراقبة من سكانها الأكراد، وتحويلها الى مناطق مهجورة يستطيع جيش الغزو التركي التحرك فيها بسهولة والتوغل في منطقة براودست التابعة لاربيل، فضلا عن تعزيز التواجد العسكري التركي في نقاط تواجده السابقة. ان مسار العملية العسكرية التركية يؤشر ارتباطها بالاطماع التاريخية لتركيا في العراق، وخصوصا في محافظني الموصل وكركوك، والتي تسعى تركيا لتحقيقها من خلال التواجد العسكري وتعزيزة، وجعله اداة لعملية قضم وضم الارض مستقبلا.
لاشك ان انتهاك سيادة العراق ليس بعيدا عن الضعف الذي يعاني منه نظام المحاصصة والفساد الفاشل الذي ورث دكتاتوية صدام حسين المنهارة، وكذلك تصارع مراكز القوى داخل الدولة العراقية، والخلافات متعددة ألأوجه بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان. وعلى الرغم من الشجب والاستنكار الرسمي والسياسي للغزو التركي للاراضي العراقية، فان رد فعل السفير التركي على استدعائه من قبل وزارة الخارجية العراقية، وتسليمة مذكرة استنكار، جاء وقحا ويعكس استهتار حكومته بالقانون والشرعية الدوليين. وبديهي ان الغزو التركي يضيف تحديا جديدا لحكومة الكاظمي حديثة التشكيل في بغداد.
استراتيجية مزدوجة
لمواجهة تصاعد النشاط المعارض في ظل استمرار أزمة كورونا، واستمرار الأزمة الاقتصادية في تركيا، والتي عكسها وصول معدل التضخم السنوي الى 11 في المائة. وتراجع نسبة التاييد في استطلاعات الراي لتحالف حزب العدالة والتنمية الاسلامي مع اليمين القومي العنصري التركي، الذي يحكم البلاد منذ 18 عاما. يحاول معسكر اودوغان اتباع استراتيجية مزدوجة داخليا، تقوم على تأجيج الخزين العنصري ضد الكرد والقوميات الاخرى من جانب، ومحاولة تغذية المشاكل ودق الاسفين بين جناحي المعارضة الاكثر تاثيرا المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري التركي (الكماليون)، وحزب الشعوب الديمقراطي اليساري، الذي يمثل تحالفا بين حركة التحرر الوطني الكردستاني وقوى يسارية سياسية واجتماعية تركية. وكذلك مواجهة الانشقاقات التي يعاني منها حزب الرئيس.
وياتي هذا الجهد استعداد لانتخابات 2023 ، وفق السياق الدستوري،وربما لفرض انتخابات مبكرة تجنب المعسكر الحاكم مزيدا من التراجعات.
وتسلط المعارضة الضوء على حزمة توجهات واجراءات حكومية ذات طبيعة تسلطية مررتها في البرلمان الذي عاد للعمل بعد توقف دام شهرين بسبب انتشار كورونا، منها على سبيل المثال إجبار مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر على استخدام البطاقة الشخصية عند التسجيل، لاحكام الرقابة البوليسية على المشاركين. الى جانب شرعنة تشكيل ميلشيات رديفة لقوات الشرطة وموالية لحزب الرئيس وحلفائه. والى جانب ذلك تعمل لجنة من حزب أردوغان أيضًا على اعداد تعديلات لقانون الانتخابات، بهدف مواجهة الحزبين المحافظين اليمينيين، اللذين تاسسا على خلفية انشقاقات عاشها حزب العدالة والتنمية في السنوات الاخيرة، قادها كل من أحمد داود أوغلو وعلي باباجان ، مما قد يكلف التحالف الحكومي خسارة الكثير من اصوات الناخبين التقليديين.
في الأسبوع الفائت ، وتنفيذا لرغبة أردوغان، برفع الحصانة عن عضوي البرلمان التركي من كتلة حزب الشعوب الديمقراطي ليلى غوفن وموسى فاريسوغولاري والنائب عن حزب الشعب الجمهوري إينيس بربر أوغلو. وقد حُكم على نواب حزب الشعوب الديمقراطي بالسجن لعدة سنوات بتهمة دعم حزب العمال الكردستاني. وحُكم على النائب الجمهوري بربر أوغلو بالسجن ست سنوات بتهمة التجسس عام 2018 لتسريبه فيديوات تفضح لتسليم المخابرات التركية أسلحة للجماعات الأرهابية في سوريا إلى صحيفة جمهوريت اليومية التركية. وجاء سلوك السلطة ليكشف محاولنها تعميق الخلاف بين الحزبين المعارضين، ففي حين اودع النائبان الكرديان في سجن ديار بكر، سمح للنائب الجمهوري بالاستفادة من عفو كورونا، وهو يمضي الان عقوبته في شقته في اسطنبول. ان الرسالة التي أراد اوردوغان ايصالها الى حزب الشعب الجمهوري ان عليكم الابتعاد من فكرة التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي.
حرس اوردوغاني
ياتي قرار الأكثرية البرلمانية الموالية للرئيس التركي، بتحويل "حرس الأحياء" او ما كان يعرف في العراق بالحراس الليليين الى مليشيا موازية لقوات الشرطة النظامية احياء لتقاليد اسس لها الأخوان المسلمون في مصر في الثلث الأول من القرن العشرين، ثم تبنتها احزاب قومية واسلامية في العديد من البلدان، ليؤكد فقدان الرئيس الثقة بمؤسسة الشرطة الرسمية التي عمل اودوغان على اختراقها مستفيدا من انصار حليفة السابق غولن، ثم عاد ليشن حملة تطهير واسعة في صفوفها على اثر الانقلاب الفاشل الذي اتهم اوردوغان، حليفه السابق وانصاره بالقيام به. وأكد وزير الداخلية سليمان سويلو أن المشروع يعود لطلب تقدم به الرئيس التركي شخصيا.
التركيبة الجديدة تختلف عن الشكل التقليدي للحارس الليلي، فهي تضم حاليا 28500 من شبيبة حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعبأين بتعصب ديني وعنصرية قومية ترى في شخص الرئيس "قائدها الملهم"، بالاضافة الى اوساط من الشبيبة الفاقدة لفرصة العمل ومصدر العيش. ويسمي القانون الجديد هؤلاء بـ "قوة مساعدة الشرطة" وستشمل مهامهم، ضمن امور اخرى، إجراءت التحقق من الهوية والبحث عن الأشخاص والمركبات واحتجاز المشتبه بهم حتى وصول الشرطة، وينص القانون على مجال غامض لمسؤوليات هذه المليشيا: "منع الجريمة" ، و"تحديد الأشخاص المطلوبين من قبل الشرطة" و"منع التجمعات العامة التي من المحتمل أن تخل بالنظام العام". ولاشك ان المهام المشار اليها تعكس المهمات الحقيقية للحرس الأوردغاني والمتمثلة بقمع الحريات الشخصية، وملاحقة حملة الأراء الحرة، ونشر الخوف وثقافة الخضوع لاستبداد النظام.
دفاعا عن الديمقراطية
ردا على اساليب النظام القمعية انطلقت يوم 14 حزيران الجاري "مسيرة الديمقراطية" وضد الانقلاب، وستستمر المسيرة، التي نظمها حزب الشعوب الديمقراطي لغاية 20 من الشهر الحالي. وهدف المسيرة الوصول الى العاصمة التركية انقره. وقد انطلقت المسيرة من مدينة ادرنه في غرب تركيا، وهكاري في الشرق. وواجهت الشرطة المشاركين في المسيرة بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. وبحجة مكافحة كورونا، اصدر العديد من المحافظين قرارات بمنع المسيرة.
واكد قياديون في حزب الشعوب الديمقراطي، ان حزبهم يمثل قوة اساسية للدفاع عن الديمقراطية، وسوف لن توقفه عمليات القمع والاعتقال، لان اشكال النضال الملموسة تمثل عامل قوة وليس عامل ضعف. والمسيرة جزء من برنامج نشاط يهدف الى تحفيز قوى المعارضة السياسية والاجتماعية للمشاركة في الرفض المشترك لسلوك ونهج الاستبداد الذي تصر حكومة اوردوغان على الاستمرار في ممارسته. وان النضال في سبيل العدالة والسلام والحرية والديمقراطية سيستمر. وسوف لن تنجح حكومة اردوغان في نشر الخوف في صفوف المناضلين، الذين يرون في تقديم التنازلات بداية التخلي عن الالتزام بقيم الديمقراطية.
المسيرة كما يقول عنها منظموها وسيلة لجمع المطالب والبدائل من العديد من المدن والقصبات وتحويها في انقرة الى برنامج عمل، وفي الوقت نفسه تمثل صوتا موحدا لاوساط متعددة وواسعة من السكان. وبالتالي اعطاء الفعل المعارض بعدا وطنيا. وسيعمل حزب الشعوب الديمقراطي على تقييم التجربة بعد نهايتها، وعلى تعزيز التقارب السياسي والاجتماعي بين الفئات التي تنشد التغيير.