تنهض آداب البلاد، وتزدهر ثقافاتها، حين تكون هناك إرادة عامة بين ذوي الشأن تعمل على خلق الظروف المناسبة لنشوء تعاون علمي ومنهجي وثيق بين أطراف العملية الثقافية والأكاديمية من مبدعين وكتاب وأدباء من جهة، والباحثين المتخصصين في مجال تدريس الشعر والقصة والرواية والنقد الأدبي في الحقل الأكاديمي من جهة أخرى، فإذا كانت المهمة المفترضة للفريق الأول (من المبدعين من شعراء وكتاب القصة والرواية والنقد الأدبي ممن يقدمون نتاجاتهم خارج الحقل الأكاديمي) هي أن يرفدوا الحياة الثقافية والإبداعية بكل ما هو جديد ومبتكر مما يشكل، تراكمياً، تراث البلاد في مختلف حقول الفنون والآداب، فإن مهمة الفريق الثاني (من الباحثين ومدرسي الشعر والقصة والرواية والنقد الأدبي في الحقل الأكاديمي) هي أن يتفاعلوا مع النتاج الأدبي والفني من شعر وقصة ورواية ونص مسرحي ونقد أدبي على نحو إيجابي وخلاق، فيعملوا على إخضاع هذا النتاج للفحص العلمي والمعرفي، وإضاءة الجوانب المهمة التي تمثل إضافات نوعية على مستوى الإنجاز الفردي لكل كاتب على حدة أو على مستوى المسار العام للنوع الأدبي والفني والفكري سواء في إطار الثقافة العراقية والعربية أم في إطار الثقافة الإنسانية العامة.
وهنا، علينا أن ننوه بطرف ثالث مهم للغاية، ولا بد من الإشارة إليه، ويتمثل بوجود مجموعة كبيرة من الأساتذة الأكاديميين المبدعين (أو المبدعين الأكاديميين) ممن لديهم نتاجات إبداعية وبحثية في آن واحد، وبما يجعل منهم ذوي أقدام راسخة في الجانبين الإبداعي والأكاديمي.. وفي تقديري أن لهؤلاء دوراً أساسياً في إقامة صرح التعاون المنشود بين حركة الإبداع خارج الجامعة، والعمل المهني الأكاديمي داخلها، وذلك بالتعاون مع الطرفين الآخرين، وبما يؤدي إلى نشوء حالة إيجابية من التفاهم المشترك تسهم في تفاعل مكونات الحركتين الثقافية والأكاديمية كافة وتوحيد جهودهما وتعاونهما في العمل من أجل فتح آفاق جديدة من العمل المهني والإبداعي والبحثي.
وفي هذا الصدد، نجد أن من الضروري أن تعمل الجهات المذكورة أعلاه على تحقيق جملة من الخطوات العلمية والعملية، وتتمثل بالآتي:
- بناء جسور الثقة والتواصل بين الجامعة والمبدعين عبر الحوار المعرفي الدائم في كل ما يخص الموضوعات المشتركة.
- إنشاء لجان دائمة من الطرفين للتعاون بين مختلف جهات الإبداع والبحث الأكاديمي بخصوص القضايا ذات الاهتمام المشترك.
- العمل على تطوير برامج اتحاد الأدباء وآليات الدرس الأكاديمي بما يتفق مع الأهداف المشتركة ويسهم في تعزيز الإبداع وسياقات العمل الأكاديمي.
- تضمين برامج الدراسة استضافات دورية منتظمة للمبدعين في فعاليات وأنشطة الجامعة، وأيضاً تضمين فعاليات الاتحادات الأدبية والثقافية أنشطة أكاديمية.
- العمل على وضع آلية لإصدار مطبوعات مشتركة بين المبدعين والأكاديميين. على سبيل المثال: أن تقوم الكليات المتخصصة بتدريس الأدب والفن بتكليف بعض من التدريسيين فيها بكتابة مقدمات الدواوين والمجاميع القصصية والروائية والنصوص المسرحية وكتب النقد الأدبي التي ينتجها شعراء وأدباء ونقاد من خارج الجامعة.
- توجيه السادة التدريسيين بالكتابة عن النصوص الأدبية من شعر وقصة ورواية ونقد أدبي وسواها ضمن بحوث الترقية العلمية الخاصة بهم مع توفير أقصى درجة من الموضوعية في البحث وفي الوقت نفسه، النأي بهذه البحوث عن التورط في المجاملات أو الأحكام المجانية.
- قيام الأقسام التي تنهض بمهمة تدريس الأدب والفن باختيار نصوص شعرية وقصصية وتكليف طلبة المرحلة النهائية في الدراسة الأولية بكتابة بحوث ومقالات نقدية عنها.
- توجيه الدعوة للمبدعين من خارج الجامعة لحضور مناقشات الماجستير والدكتوراه في الموضوعات الأدبية والفنية وحثهم على الكتابة عنها على نحو يتسم بالرصانة والمنهجية والعمق في الصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي.
- تحقيق زيارات تعارف وعقد ندوات مشتركة للحوار والمثاقفة بين الأقسام العلمية والاتحادات الأدبية. وجعل هذه الأنشطة من ضمن برامج الكليات والاتحادات.
- توثيق كل ما يتحقق في هذا الصدد والعمل على مراجعته وتطويره في المستقبل.
- اتخاذ الجامعات نقطة الشروع، والبدء في تشكيل لجان التعاون المقترحة فيها وجعلها منطلقاً للبدء بمرحلة جديدة من التعاون الفعال بين المؤسسات الأكاديمية المختلفة والجهات غير الرسمية التي تمثل من يمارسون اختصاصات هذه المؤسسات الأكاديمية في المجتمع والحياة، والعمل على تطبيق ما هو مناسب منها لتطوير التعاون العلمي والمعرفي في حقول فنية ومعرفية وعلمية أخرى مثل التعاون بين كليات الآداب واتحاد الأدباء، وبين كليات الفنون ونقابة الفنانين، وبين أقسام التاريخ واتحاد المؤرخين، وبين كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة والاتحادات الرياضية، وبين كليات الهندسة ونقابة المهندسين، وبين كليات الطب ونقابة الأطباء، وبين كليات التربية ونقابة المعلمين، وبين كليات القانون ونقابة المحامين... وهكذا.