(عمليات الانتقال الديمقراطي على الصعيد العالمي ــ بعض إشكاليات النظرية والممارسة)

فرات المحسن: ستوكهولم

ضمن فعاليات الفصل الأول لمنتدى الحوار الثقافي الديمقراطي العراقي في ستوكهولم لعام 2020 وبالاشتراك مع اتحاد الكتاب العراقيين في السويد، استضيف الدكتور صالح ياسر بمناسبة صدور كتابه الجديد المعنون (عمليات الانتقال الديمقراطي على الصعيد العالمي ــ بعض إشكاليات النظرية والممارسة)، تمت الإستضافة يوم الاثنين المصادف 2/2/2020 في العاصمة ستوكهولم وبحضور عدد كبير من أبناء الجالية العراقية.

وبعد الترحاب بالحضور والوقوف دقيقة صمت حدادا على أرواح شهداء انتفاضة الأول من أكتوبر والحركة الوطنية العراقية.

 قدم الأستاذ الكاتب طالب عبد الأمير حديثا موجزا عن فكرة ومحتوى الكتاب واستعرض بعضا من سيرة المؤلف وأعماله المنجزة.

بعد ذلك عرض الباحث الدكتور صالح ياسر باستفاضة هدف وبنية دراسته التي وضعها في كتابه الصادر عن دار نشر أوروك ميديا للإعلام والنشر في السويد. مشيرا الى احتوائها على عشرة مباحث شكلت مقاربات وتوصيفا للمفاهيم الديمقراطية. وكان المبحث الأول يختص بمحاولة التمييز بين مفهومين، الأول الانتقال الديمقراطي، والأخر يستعرض مفهوم التحول الديمقراطي، وهما مفهومان يختلفان عن بعضهما، وتطرق الدكتور صالح إلى الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في كلا المفهومين.

أما المبحث الثاني فيذهب لاستعراض بعض مقاربات الانتقال الديمقراطي في العالم والنظريات التي تفسر أسباب الفشل أو النجاح في مجريات ذلك الانتقال.

وجاء المبحث الثالث ليسلط الضوء على محددات وعوائق الانتقال الديمقراطي.

واختصت المباحث الخمسة التالية بإلقاء الضوء ودراسة بعض تجارب الانتقال الديمقراطي في العديد من بلدان العالم، والملامح السياسية لتلك التجارب وما شابها من متغيرات وعوائق ومخرجات.

أما المبحث التاسع فقد كرس لدراسة التجربة العراقية بعد عام 2003 وهو عام سقوط الدكتاتورية وبداية مرحلة الاحتلال الأمريكي وما أعقبه من تغيرات دراماتيكية متتالية على مستوى المتغير السياسي الاقتصادي الاجتماعي العراقي، وهنا حدد الباحث طبيعة الحدث في الحالة العراقية انطلاقا من السؤال الاستراتيجي: ما هي حدود وممكنات الانتقال الديمقراطي في ظروف الاقتصاد الريعي، وهو الذي يمثل مسار الدولة العراقية في راهن الوقت. ويبرز معه السؤال الأكبر بما يتعلق باللحظة التاريخية التي يقف عليها العراق فيما يسمى اليوم (العراق الديمقراطي) رغم اختفاء مثل هذا الملمح عن مجريات الوقائع اليومية السياسية الاقتصادية الثقافية، ودخول المجتمع العراقي في دوامة وإرباك واضحين، مع التأكيد على طبيعة المرحلة الراهنة التي يستحيل فيها بناء الديمقراطية في بلد مرتهن اقتصاديا للنموذج الريعي.

بين دفتي الكتاب وصف للباحث استعراض لعمليات الانتقال إلى الديمقراطية بأنواعها وطبيعة صيرورتها وتجلياتها، كونها من الناحية النظرية وفي جميع الاحتمالات تحوي مراحل فرعية يتم خلالها تفكيك النظام القديم وانهياره، حيث يشمل هذا التغيير مختلف عناصر النظام السياسي ومؤسساته وبناه الدستورية والقانونية. وفي هذا الفصل يؤشر للعديد من أشكال النظم الديمقراطية وكيفية تمظهرها والعوامل المساعدة على بروزها ونشأتها.

ويتطرق الباحث لأهمية أسباب وعوامل الانتقال الديمقراطي حيث يعزو تلك العوامل إلى الأسباب الداخلية والخارجية، وعند هذا يشخص العوامل الداخلية ويصنفها إلى خمس مجاميع تتعلق الأولى بتفاقم حدة الأزمات الداخلية، والثانية تأتي من طبيعة الفاعلين السياسيين (الموالاة والمعارضة) من حيث هوياتهم وتناسب القوى بينهم.  أما المجموعة الثالثة فتتعلق بطبيعة وحراك المجتمع المدني ومدى فعالية منظماته وقوة ممارساتها لغرض الانتقال الديمقراطي. والمجموعة الرابعة تأتي إثر انعدام الفعالية الدستورية والمؤسساتية، حين تعمل على إعاقة عمليات التحول الديمقراطي. والمجموعة الخامسة تشخص حالة الأزمة في الاندماج الوطني، وعدم قدرة النظام على التعامل مع الواقع التعددي للمجتمع.

أما فيما يخص العوامل الخارجية وتأثيرها في وعلى عمليات الانتقال الديمقراطي، فيشير الباحث الدكتور صالح ياسر إلى عوامل شتى منها ما يتمثل بوجود دعم يأتي من قوى مهيمنة في البلدان الرأسمالية، أو من مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، وكذلك من منظمات المجتمع المدني الدولية غير الحكومية والتي تقدم دعمها لتطوير المسار الديمقراطي في مختلف بلدان العالم، وتشارك أيضا وبفاعلية وحيوية للتأثير في المتغيرات، موجة العولمة ووسائل الإعلام وانتشار مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. لذا فإن جميع هذه العوامل بوجهيها تساعد على إشاعة مفاهيم الديمقراطية والحقوق المدنية وتؤثر تأثيرا حيويا على توالي الفعل للانتقال نحو الديمقراطية.

بعد هذا التقديم والاستعراض الوافي لفحوى الكتاب من قبل الدكتور صالح ياسر، أثيرت العديد من الأسئلة من قبل الجمهور التي أجاب عليها الباحث مما ساعد على تقريب المفاهيم والإلمام ببعض ما قصد اليه في الكتاب. بعد ذلك جرى حفل توقيع الكتاب. 

كتاب الدكتور صالح ياسر (عمليات الانتقال الديمقراطي على الصعيد العالمي) بتفرعاته ومساراته فرصة ثمينة للقارئ المهتم بإمساك كم ثر من المعرفة المنهجية، فهو أي الكتاب جهد مميز واستعراض أكاديمي منهجي مكثف ودقيق لمسارات الديمقراطية وتماثلاتها على مستوى التجارب العالمية، فالكتاب استعراض عملي لتقريب المفاهيم وشرح مكنون العملية الديمقراطية، والذي بوب وفق سياقات الفهارس التعريفية الوافية والدقيقة، لذا يكتسب الكتاب وموضوعاته أهمية خاصة وضرورية للقارئ العربي وبالذات العراقي منه، خاصة في الراهن من الوقت، كما ان الكتاب يعد خارطة معرفية مهمة وتكميلية تحتاجها مكتباتنا العربية.

عرض مقالات: