يذهب العارفون بالعلوم النفسية والاجتماعية الى تفسير القداسة للأفراد (أحياء او اموات)  بانها حالة امتداد فطرية للأقوام البدائية المؤمنة بوجود زعامات ( سياسية او دينية او عشائرية ) تؤمّن لها دوام العيش الامن او تفكر وتقرر بالنيابة عنها ! لذا فهي تستسلم لإرادتها وسطوتها. ووفق هذا السياق نقرأ في كتاب تقديس الزعامة لـ(ثامر عباس) اسئلة جوهرية يحاول طرحها في اطار البحث عن اليات التقديس وشخصية المقدس بقوله: ما القوى الغامضة التي بحوزة الزعيم بحيث تنظر له الرعية بذلك الوله من الهيبة والخنوع ، في الوقت الذي لم تبرح تئن من فرط قسوته وشدة بطشه ؟! ما هي الدوافع العميقة التي تدفع بتلك الحشود المعبأة باوهام اليوتيبيا في الوقت الذي تساق فيه كما القطيع الى مسالخ الذبح ومحارق الموت ، تحت راية وطن مسخت هويته وشعب اخصيت ارادته ، وتاريخ شوهت وقائعه ؟!

هي اسئلة جديرة بان نتوقف عندها في هذا المنعطف التأريخي الذي يصدح فيه شباب تشرين منددين بالثوابت الشعبوية والثقافية المتعارف عليها  ، مكتنزين بغضب الخروج من وهم القداسة التي كبلت احلامهم وجعلتهم منساقين الى خدر الصبر واثم الانتظار المذل. وقد ادركوا سبب التراجع في بلادهم وادركوا غياب العدالة التي جرحت كبرياءهم وكرامتهم ، فبدأ العتاب بملامسة المقدس ملمحين الى ان الحلول تدور في فلك من وضعوا انفسهم على منصة التقديس في وطن تستباح فيه المحرمات وتعيش الرعية حالات اذلال يومية تحت انظار المرتبطين بفكرة القداسة!

ولعل ثورة تشرين كانت بداية تأسيس لخطاب محمل بالجزع والمرارة، يكفر بالهويات الفرعية متجها بقوة نحو الارتباط بفكرة الانتماء الى الهوية الوطنية الجامعة. وربما كان هذا التجمع في ساحات التحرير  قد حفز على ولادة وانبثاق احساس جمعي منحدر من القهر المجتمعي الممارس من قبل زعامات الاسلام السياسي، التي غلفت غاياتها بوشاح التقديس المزيف لاستدامة سلطانها الاستبدادي! 

وها هي مطالب وأناشيد وشعارات شباب ثورة تشرين تستعيد عافية العقل المنزه من خرافة الاستعباد مع احترام متعقل لفكرة الدين والإيمان بتعاليمه السمحاء، بعيدا عن وصاية الادعياء الذين استثمروا الدين لتعظيم مواردهم وتخدير المجتمع.

ويبدو انه جيل النهوض من كبوة التشرذم الطائفي ،،، جيل يحتفل بمهرجان الاطاحة باصنام الجاهلية التي كرست الزعامة لتكون معاول تتدرج في قتل الذوات المتضامنة والفاعلة عبر سياسة تحنيط المساءلة واكتساب شرعية المطالبة التي تؤمن العدالة الاجتماعية.

عرض مقالات: