تتجه الانظار للاستثمار ليكون رافدا مهما في تعظيم موارد البلاد بعد ما حصل من تذبذب في اسعار النفط وما رافقه من انخفاض في ايرادات الدولة ادى الى حالة التقشف المعلن عنها منذ اربع سنوات. وقبل عامين منح مجلس الوزراء فرصة الاستثمار للوزارات ومؤسسات الدولة بعد الضعف في التخصيصات المالية.
ومن هذا المنطلق شكلت بعض الوزارات لجاناً للاستفادة من توجيهات الحكومة لكن الضوابط بدت عصية على الفهم! اذ تطوع بعض المسؤولين لعرض املاك الوزارة التي يعمل بها لتكون ضمن خطة الاستثمار بعيدة الامد , وبدأت الكواليس تشهد تقاطر واجتماع المتنفذين من المقربين لأصحاب القرار، ليكسبوا فرصة الاستثمار الثمينة وسط ذهول الناس من هذه الخطوة!
وكست وجوه البغداديين المحبين لهوية مدينتهم حالة من الحيرة المصاحبة للخيبة، نتيجة تحويل الكثير من المتنزهات والاراضي الشاسعة الى مولات ومراكز تسوق ومجمعات صناعية! دون اي مخططات مدروسة. والأدهى من ذلك بل والاشد رعبا هو بيع حدائق وساحات بعض المدارس العريقة او تحويلها الى مخازن ودكاكين تجارية، في رغبة غير معلنة من دائرة استثمار بغداد التي تعمل بادارة يهيمن عليها مزاج مديرها الذي تم تجديد ولايته بصمت او بصفقة علاقات بين اعضاء مجلس محافظة بغداد، الذين كانوا من الرافضين لتوجهاته في البدء، لكنهم بقدرة قادر عاودوا التصويت له!
وزير التربية ودائرة استثمار بغداد , تريد منح فرص الاستثمار لأصحاب الاموال والمقاولين عن طريق استئجار الساحات المدرسية، التي باتت من اهم مطالب التربويين العارفين بضرورة منح الاطفال فرصة اللعب وممارسة الرياضة في الاماكن المفتوحة.
وبعيدا عن الاتهام المسبق لهكذا نوع من الصفقات ليس لنا الا التنبيه من مخاطر هذه التوجهات المتسرعة. ويبدو ان الموضوع لم يقتصر على وزارة التربية. فقضية الاستثمار المنفلت اغرى مؤسسات اخرى تطمح الى الاستفادة .. حيث توجه الوقفان السني والشيعي لتأجير حدائق بعض المساجد لتتحول بقدرة قادر الى تجمعات تسويقية تدر على المؤسسة ومسؤوليها مبالغ خيالية، لانها تتوسط شوارع تجارية مهمة.
ولعل الصراع الذي حصل مؤخرا بين الوقفين على استملاك جامع الربيعي الذي يتوسط منطقة زيونة، خير دليل على حجم الارباح المعلنة والسرية.
هذه العدوى وصلت الى وزارة الثقافة التي تتجه على ما يبدو الى تأجير بناية دار الازياء العراقية , وهي من اجمل الاعمال المعمارية في الشكل والتصميم , وما من زائر لبغداد الا ويرى فيها خصوصية تصميمية تقارب الطرز المعمارية في عواصم العالم المتطور.
وهنا لابد لنا ان نتوقف عند اهمة الحفاظ على الهوية المعمارية للعاصمة، وتدارك خطورة هذا الانفلات غير المقنن للاستثمار الذي تديره ايادي لا تضع ضمن اولوياتها المصلحة الجمعية، لكنها تعمل وفق مزاجها الفردي ومكاسبها الذاتية على حساب ما يحصل من تدنٍ للذوق العام , وتشويه فضاءات بغداد ببنايات تسويقية عملاقة تخدم شريحة محددة فقط!