بعد سقوط النظام السابق تمت سرقة مخازن عتاد الجيش العراقي، ووقع السلاح بايدي المواطنين بشكل مخيف، وكان سوق " مريدي" مرتعا لبيع انواع مختلفة من الاسلحة الخفيفة والمتوسطة. كانت الخشية من ذلك واضحة للجميع ولهذا تم تثبيت فقرة جلية في الدستور، وهي الفقرة " ب" من المادة التاسعة وهي تقول:
" يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة"!
وراحت الحكومات المتعاقبة، منذ 2005 تتحدث عن نزع السلاح من الافراد والمجاميع تحت شعار " يدا بيد ولا سلاح باليد"! ولكن كان هذا الشعار للاسف مجرد كلام ولذر الرماد في العيون!
فبدلا من حصر السلاح بيد الدولة راحت الاحزاب المتنفذة تزيد من قدرة اذرعها المسلحة وبذرائع ومسميات ما انزل الله بها من سلطان. ناهيك عن تشكيلات شبه عسكرية ساهمت دول الجوار بدعمها لوجستيا وماليا، حتى وصل الامر حد تصنيع طائرات مسيرة محلية الصنع!
وبجانب هذا وذاك راحت العشائر في مختلف المدن تزيد من قدراتها التسليحية حتى اصبحت نزاعاتها المسلحة عصية على الدولة والحكومات المتعاقبة.
وجاءت انتفاضة الأول من تشرين السلمية لتكشف المستور عن نظام المحاصصة سيء الصيت، الذي كان وما زال السبب الرئيسي في انتشار الفساد في كل مفاصل الدولة وضياع استقلال قرار العراق السياسي!
جاءت هذه الانتفاضة لتقيل كل الحكومات السابقة من خلال اسقاط الحكومة الحالية، ودفعت هيئة النزاهة الى النظر بشكل سريع في العديد من ملفات الفساد، وبذلك اسقطت ورقة التوت عمن حاول ان يختفي خلف حجج وشعارات وطنية او دينية لم تكن سوى محاولات واهية لتغطية فسادهم، الذي زكم الانوف في كل مجالات الحياة، من صحة وتعليم ونقل واقتصاد وزراعة وخدمات وبنى تحتية!
ولم تعد مشكلة المواطن - المنتفض مع هذا الاسم او ذاك من المسؤولين، ولا مع هذا المنصب او ذاك في الدولة، بل اصبحت المشكلة مع العملية السياسية برمتها، التي لم تستطع ان تقدم انجازا واحدا يخدم المواطن، مما جعل الانتفاضة تصعّد من سقفها المطلبي بتغيير جذري لاسس العملية السياسية من خلال اعادة صياغة وثائقها الاساسية، من قانون انتخابات وقانون احزاب ودستور، بما ينسجم مع مصالح المواطن وليس مصالح القوى المتنفذة، التي افقدت الوطن سيادته، وسمحت لمن هب ودب بالتدخل في قراره السياسي!
الوعي الذي يمتلكه المواطن المنتفض اليوم يدفعه لرفض تدوير "نفايات" العملية السياسية! ويطالب باعلى صوته بحكومة جديدة ذات مشروع وطني عراقي خالص، يعتمد بشكل اساسي على مواطنين يتحلّون بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية، على ان يكون مرجعهم الوحيد هو العراق.. والعراق فقط!