منذ اسابيع تشهد ساحة التحرير احتجاجات شعبية، بدأت بشعار مبدأي حمل عنوان (نازل اخذ حقي) تعبيرا عن وعي وطني شبابي متقدم ومختلف عن شعارات سبقته , ويبدو انه نتاج تراكمات من الخيبة وانسداد افق الحلول لنخب سياسية فشلت في ادارة البلاد او الوصول الى ما يسمى بالحكم الرشيد على مدى ستة عشر عاما. زمن تمخض عن صرخات استغاثة تجاوزت المطالب التقليدية بمحاكمة المفسدين او تغيرات وزارية شكلية اعتاد عليها العراقيون !!
هذا الشعار للشباب الثوري يدفعنا للتأمل في مضمونه الثقافي والدلالي فهو مبتعد عن اي وصاية ايديولوجية او اشارة دينية او طائفية , هو شعار نابع من وجع الخسارات المتعددة , وأولها خسارة فكرة العدالة او لنقل غياب فكرة الوطن. فهاهم الشباب يصرخون في ميادين التحرير بصوت موحد: نريد وطن .. أيّ بلاغة في هذا المطلب؟ وكم يحمل من عمق نابع من مرارة الفجيعة ؟!
انه عنوان يحمل مضمون خطاب اعلامي بالغ الثأتير شكل انعطافة دفعت مختلف الشرائح الى الالتفاف حوله وتثبيته ليكون ايقونة الثورة , وهو بالتالي رفع من مناسيب الهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية. هو اعلان عن اصحاب حامليه , وهو مبادرة حسن سيرة وسلوك لشباب ابدع في صياغة شعاراته من رحم معاناته , فسجل حضورا مؤثرا لفهم متقدم وواع لمعنى الاعلان الموجه بعناية عن ركيزة المطالب وجوهرها.
وكان رفع رايات العلم العراقي واحداً من الايقونات الاعلامية للتنبيه الى الهدف الاسمى في ضرورة وحدة الوطن بعيدا عن الغايات الفئوية والفردية .
في ساحات الاحتجاج اليوم مدارس جديدة للاعلام الوطني الذي تترجمه يافطات تلقائية واخرى تخمرت بتجربة الحزن على فقدان مبدأ المساواة والعدالة بين فئات المجتمع، الذي لازال يبحث عن جدية اصحاب القرار لاتخاذ تدابير الاصلاح المزعومة. تصوير عبر الهاتف لمفردات انسانية ومشاهد ابداعية تدلل على ان هناك شباباً يبتكرون فلسفتهم الاعلامية والاقناعية لمخاطبة الناس وتوجيه عنايتهم نحو ضرورة التواجد في تحرير الغضب. وكانت الاستجابة في تجمعات مليونية دليلا على صحة وبراعة الاليات المتبعة عبر سخرية مؤلمة في تعليقات تندد بسارقي احلامهم من احزاب السلطة .وعبر صور فوتوغرافية بلمسات مبدعين أيقنوا ان اعلامهم اليوم لابد ان يكون مبتكرا وجريئا ومختلفا يحاكي ثورتهم ومطالبهم وتضحياتهم !!
ايقونة التك تك سجلت حضورها في التشكيل برمزية ملفتة بعد ان وضعت في لوحات دلالية لتكون ضمن ايقونات نصب الحرية. ومقاطع غنائية يرددها الثائرون بروح من الوجع الجماعي ومعها تتعدد منصات الخطابة التي شهدت القاء دعوات الى اللحمة الوطنية، والاهم تلك الهاشتكات الموحية لضرورة التضامن واعلان العصيان والتي سجلت تقدما ارعب الدولة، فسارعت الى قطع خدمة الانترنت خوفا من هذا الاعلام الصادم.

عرض مقالات: