تتسابق القنوات التلفزيونية لكسب فرس الرهان في حلبات التنافس الاعلامي لاستدراج المتابعين عبر تجنيد الطاقات الانتاجية او التوظيفية لصناعة برامج حوارية يومية او شبه يومية تمنح المؤسسة الاعلامية هويتها الترويجية التي ستأتي لاحقا على منافع متعددة خفية كانت او معلنة !! وبالرغم من تشابه افكار عرض وتقديم هذه الحواريات الملاحقة للحدث السياسي والأمني والخدمي الا انها مازالت محط اهتمام شرائح واسعة تسعى لإدامة صلتها مع الراهن ولتغذي ايضا فضولها او اشباع رغبتها في الكشف والتحري, لكن بغض النظر عن صحة او دقة المطروح من معلومة او حوار او تحليل, اذ تكون الاهمية عند متلقي اغلب برامج حوار المنطقة العربية عند جدة الاحداث واستنطاق المخفي لتثبيت قناعات راسخة مزروعة سلفا بل ومتجذرة نتيجة معطيات وخيبات اجتماعية, لذا فان اللعب سيكون من طرف مروجي هذه البرامج على تسطيح الوعي ليكون شعبويا اقرب للفضيحة والاستخفاف من الجدل العميق والرؤية الموضوعية باحثين عن ابطال تقليديين يؤدون ادوار التهريج الرائجة في سوق الظهور اليومي من سياسيين ومحللين اتقنوا لعبة التشويق الكاذبة في اداء ادوار معدة دون اتفاق مسبق مباشر وإنما ضمن سيناريو غير معلن بل ومبطن الغايات والاهداف. اللافت في معظم البرامج ان مقدميها يستقون محتوى مواضيعهم من تعليقات الناس بغياب المصدر الاصلي, متناسين دورهم في البحث المهني والمتابعة الحريصة وينطلق ذلك من مغازلة الاكثرية على حساب الهدف الاسمى والموضوعية, والأكثر غرابة هو التجاهل المقصود لمبتغى وغاية البرنامج الحواري او وظيفة المقدم والمعد فيبدو ان مطلب اكثر منتجي هذه الحواريات هي صناعة الصدام وخلق بيئة خلافية لترويج ثنائيات واقطاب خلاف مجتمعية او سياسية او طائفية ومنها تتصاعد ابخرة الكراهية ضمن سياق التجهيل والتسطيح , ويبدو ان اولويات العديد من تلك البرامج تقترب الى آليات التشهير والتدافع من اجل كسب ود المتلقي الكسول الذي يفغر فاه للمعلومة الفضائحية التي تتناقلها وسائل التواصل ومقاهي الشباب لتأتي تلك البرامج لتكون ساندة وداعمة لهذا التوجه بعد ان تفقد بوصلة توجهاتنا التنويرية او تطلعاتها المهنية التي تتطلب قراءة المشكلة برؤيا مستقلة والابتعاد عن الحكم الجاهز او السخرية الممجوجة التي اخذت تهيمن في خطابات مقدمي تلك البرامج الساعين الى نجومية الظهور على حساب عمق المحتوى وصدقيته وتناوله العابر للذاتية او الاهداف التسويقية التي بدورها تتنافى مع حيازة الضمير المهني او اساليب الاقناع المتجهة للفعل التثقيفي المجتمعي . انها اللعنة التي اخذت تستفحل في نفوس متعاطي مهنة الاعلام ألا وهي اللهاث خلف النجومية الزائفة المقتصرة على متابعة الجماعات البشرية لصراخات السياسيين ومهاتراتهم دون الوصول الى معلومة نافعة او تحليل معمق يشحذ الاذهان ويفعل فعله الايجابي في القناعات, حتى ان اغلب تلك البرامج باتت تشكل اداة لتعميق الاحساس بالجزع والمرارة والكآبة واللاجدوى, وهي تمنح شرعية التجهيل من قبل نجوم تمت صناعتهم من السياسيين المدمنين على تقزيم المشاكل عبر تجاهل البحث عن جذورها او التصدي لآليات عملية في ايجاد الحلول لها، وما ان تنتهي تلك البرامج بعد فصول من تبادل التهم المجانية والشتائم اللاذعة حتى يجد المتابع نفسه امام متاهة خبرية وعزلة نفسية وشعورطاغ من الاحباط نتيجة غياب بوصلة وتوجهات تلك البرامج التي فقدت نكهة المعرفة الحقيقية المؤسسة على صناعة وعي تفاعلي يخدم المجتمع ويفتح افق التغيير الايجابي .
خارج النسق... البرامج الحوارية أزمة هوية أم أزمة ضمير!؟
- التفاصيل
- عماد جاسم
- آعمدة طریق الشعب
- 1874