جاءت انتفاضة تشرين على خلفية  واقع  سياسي واقتصادي واجتماعي متدهور،   وتناقضات  احتدمت وتراكمت،  وهوة ساحقة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع،  وتفشٍ للفساد وغياب للعدالة الاجتماعية.

وقد أضيفت عوامل جديدة إثر التردي في الأوضاع الاقتصادية، وانهيار أسعار النفط، وتعمق الركود الاقتصادي عالميًا وتداعياته على بلادنا، وأزمة وباء كورونا، وحالة الاستعصاء السياسي  والمماطلة والتسويف من جانب القوى المتنفذة في بلادنا.

ولا شك ان أوضاعنا الراهنة تلح على الإسراع في تشكيل الحكومة المؤقتة، التي تنتظرها    مهمات عدة تتقدمها الاستجابة لمطالب المنتفضين والشعب.  

 وبات واضحا من خلال إصرار القوى الحاكمة على مواقفها، وتمسكها بنهج المحاصصة وتقاسم المناصب واستحواذها عليها، ان هذه القوى غير مكترثة بما يجري ، وليس في وارد حسابها ان تسأل عن دوافع بقاء المنتفضين في خيمهم وساحات الاحتجاج والاعتصام طوال هذه الفترة، وهم يواجهون كل الصعوبات والمخاطر الناجمة عن تفشي وباء كورونا، وحماية ساحات الاعتصام .

بل ان المتنفذين لم يترددوا ولا يبدو انهم سيترددون في استخدام كل الوسائل والأساليب، للخلاص من الحراك الجماهيري الاحتجاجي، الذي هو اقرب الى كابوس جاثم على صدورهم. ومن تلك الاساليب اثارة الفتن بين المجاميع المحتجة، وتأليبها ضد بعضها وافتعال الخلافات والنزاعات بينها. كذلك التحريض ضد المنتفضين ومحاولة اثارة المواطنين ضدهم، والعودة بجرائم "الطرف الثالث " المجهول المعلوم ومجاميع "البلطجة " تحت مسميات مختلفة، وعدم التردد في استخدام العنف والقوة والقتل العمد والاختطاف والتغييب القسري والاغتيالات، التي لم تتوقف منذ اندلاع النسخة الجديدة من الاحتجاجات بعد الأول من تشرين الأول ٢٠١٩، رغم ان كل هذه الأساليب القذرة والمدانة قد فشلت، بفضل صمود المنتفضين وتضحياتهم الكبيرة وعدالة قضيتهم والتعاطف  والدعم الشعبي الكبير لهم .

والتجربة تقول ان القوى المتنفذة تتشدد في مواقفها وتصرّ عليها، مثلما تفعل الآن، كلما تراخى الضغط الشعبي. ويبدو أنها تتوهم أن تراجع زخم الانتفاضة في الأسابيع الأخيرة ينبئ بضمورها وتلاشي الحراك الاحتجاجي الشعبي. ولعلها لا تدرك ان في مواقفها السافرة في التمسك بالمحاصصة الطائفية والأثنية ووضع مصالحها فوق مصالح الشعب والوطن، والتي تسببت في تعطيل تشكيل الحكومة خمسة أشهر رغم  شدة الأزمات التي تواجه البلاد وتفاقم معاناة فئات واسعة من الشعب .. ان في ذلك ما يزيد من مشاعر الرفض والسخط الشعبيين. كما أن  الآثار الوخيمة  المتوقعة للأزمة المالية والاقتصادية، على الأوضاع المعيشية لذوي الدخل المحدود من موظفي الدولة والعاملين في القطاع الخاص والحرفيين  والكسبة، ستدفع بشرائح اجتماعية واسعة لم تشترك سابقا في الحراك الشعبي، إلى التململ والاحتجاج. فأسباب اندلاع انتفاضة تشرين لا تزال قائمة،  بل وأضيفت اليها عوامل أخرى زادت من مساحة الفئات الاجتماعية المتضررة والساخطة.

ان المؤشرات جميعا تدلل على استمرار الحراك الاحتجاجي وتصاعده  بأشكال وأساليب متنوعة، الأمر الذي يفرض التشديد على سلميته وحمايته وتأمين سلامة المشاركين فيه. ولم يعد موضع شك او جدل أن الضغط الشعبي، حتى بعد تشكيل الحكومة المؤقتة، ضروري لتحقيق إرادة  الشعب  في الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، وللسير على طريق التغيير المطلوب .