مضى أسبوع على تشكيل حكومة السيد مصطفى الكاظمي المؤقتة، وخلال هذه المدة القصيرة من عمرها أقدمت على خطوات وإجراءات عديدة، تتجاوب مع ما سبق ان طالبت به الحركات الاحتجاجية والمنتفضون وغالبية أبناء الشعب والعديد من القوى الوطنية والديمقراطية.

ولا شك ان الكثير من تلك الإجراءات يتسم بالوضوح، ويعطي إشارات الى كون هذه الحكومة تحاول ان ترسم منحى جديدا في التوجه والاداء، يختلف عما درجت عليه الحكومات السابقة. وذلك رغم ان تشكيلتها لم تفلت كليًا من المحاصصة ورغم سعى قوى متنفذة الى فرض إراداتها عليها، وكونها جاءت في وقت يعيش فيه البلد أزمات متراكمة، بعضها مستجد يرتبط بانخفاض أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا ومعاودة داعش لنشاطه الاٍرهابي الإجرامي.

ان قراءة متمعنة في قرارات مجلس الوزراء في جلستيه الأولى والثانية، وفي ما يعلنه رئيس مجلس الوزراء، وما تضمنه المنهاج الوزاري، تؤشر ما ذهبنا اليه. حيث جرى الإعلان عن السعي الى تحقيق تطلعات المتظاهرين وحمايتهم، وإطلاق سراح المعتقلين منهم، كذلك الحديث عن استكمال مستلزمات اجراء الانتخابات المبكرة، وإطلاق رواتب المتقاعدين بعد قرار الحكومة المستقيلة التعسفي بوقفها، والعمل على إعادة هيبة الدولة والمؤسسة العسكرية والأمنية، وحصر السلاح بيد الدولة، وتشكيل خلية أزمة للإصلاح المالي، وتفعيل إجراءات مكافحة الفساد، وتقليص وترشيد الهياكل الإدارية للدولة، والسعي الى توسيع دائرة التشاور. 

ومن المؤكد ان النوايا الطيبة لوحدها لا تكفي، خصوصا وان ما أعلن عنه من توجهات وإجراءات حتى الان، سيضر بمصالح أفراد وقوى اعتادت ان تعيش على السحت الحرام، وتتصرف وكأن الدولة ومؤسساتها ملك صرف لها ولحاشياتها ومريديها. وهذه القوى ستدافع عن مصالحها وستعمل على عرقلة اية إجراءات سليمة تصب لصالح غالبية أبناء الشعب، وقد تلجأ الى افتعال الأزمات الواحدة تلو الأخرى، او حتى السعي الى تحميل الحكومة الحالية تبعات ما اقترفته هي من خطايا جسيمة بحق هذا الشعب والوطن، عبر سياساتها الفاشلة ومنهجها المبني على الاحتكار والإقصاء والاستئثار، وما نهبت وسرقت من المال العام.

ان مواجهة هذا كله والسير على طريق تنفيذ المنهاج الوزاري والقرارات المقرّة، يتطلب المضي قدما في اتخاذ الاجراءات والخطوات العملية، التي تترجم التعهدات التي قدمها رئيس الوزراء، والتي تستجيب لمصالح الناس والمطالب المشروعة للمنتفضين وتطلعاتهم بعزم وثبات ومن دون مجاملات.  وحين يتحقق ذلك سيكونون هم من يدافع عن تلك الإجراءات، ويحميها ويسعى الى تعميقها وصولًا الى التغيير المطلوب الذي طال انتظاره، وسيساعد ذلك في تقليص الفجوة وتبديد أجواء عدم الثقة بين المواطنين والحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى. 

وإذ تتجدد التظاهرات والحراك المطلبي في هذه الساحة او تلك، وإذ نشدد من جديد على أهمية وضرورة سلميتها، وتجنبها إلحاق اَي ضرر بالممتلكات العامة والخاصة، والتصادم مع القوات الأمنية التي هي الأخرى عليها حماية المنتفضين وعدم  إلحاق اأي اذى بهم ، فان ذلك يشكل هو الآخر اختبارا للحكومة الجديدة، في مدى انحيازها للمنتفضين السلميين وحمايتهم، وتطمينهم بكونها ذات موقف مختلف عن مواقف السابقين من الحكام، الذين أوغلوا في دماء أبناء الشعب، وتتوجب ملاحقاتهم قضائيا على ما فعلوه واقترفوه من جرائم، في اسرع وقت ممكن .

وان من المطلوب أيضا مراعاة عامل الزمن، وإعادة ترتيب الأولويات، والاهتمام بقوت الناس واسباب معيشتهم وتوفير الخدمات لهم، وتقديم قتلة المتظاهرين الى القضاء، والتصدي الحازم للفساد وفتح ملفاته كافة.    

ان جَسر فجوة الثقة مع الشعب والحصول على دعمه، يظل مرتبطا بجدية وصدقية الحكومة، وتنفيذها الملموس لما تتخذ من قرارات وإجراءات وما تعلن من مواقف.