عادت اعداد الإصابات بجائحة كورونا لترتفع في الأيام القليلة الماضية وتثير القلق من جديد، بعد هبوط معين استُقبل بتفاؤل حذر وتطلع الى عودة تدريجية للحياة الطبيعية .
ومع تعدد الأسباب التي يوردها المتخصصون وخلية الازمة في بلادنا لتفسير هذه الظاهرة، فان الامر الذي يكاد يتفق عليه الجميع، هو ان الانتقال من الحظر الشامل الى الجزئي، وعودة بعض النشاطات الاقتصادية وحركة وسائل النقل، صاحبهما نوع من التراخي وعدم تقيد المواطنين والمؤسسات باجراءات الوقاية وتطبيق التباعد الاجتماعي، بجانب إصرار البعض على إقامة تجمعات لدواع مختلفة، وعودة اعداد كبيرة نسبيا من العراقيين الى البلاد من دول موبوءة دون تهياة كافية لمستلزمات الوقاية الضرورية، بما فيها تأمين الحجرالصحي للايام المطلوبة. وان هذا كله قاد الى تصاعد اعداد المصابين، خاصة في بغداد.
وفيما تبرز الحاجة الى التطبيق الفاعل للإجراءات الصحية المطلوبة والى تقيد المواطنين بها، وهي التي وضعت أولا وأخيرا لحمايتهم والحفاظ على صحتهم وتجنيبهم خطر الإصابة بالوباء الفتاك، فان نجاح الخطط المهيئة يرتبط أيضا وعلى نحو وثيق بتوفير متطلبات الحياة والعيش لملايين العراقيين، الذين تتقطع بهم السبل عند فرض الحظر سواء كان جزئيا او شاملا. وهذا ما لم يتحقق حتى الان.
فرغم الوعود المتكررة التي تطلق منذ شهرين، لم تصل الى ملايين المواطنين المحتاجين حتى منحة الطوارئ البائسة في مبلغها (30 ألف دينار للفرد و150 ألفا للاسرة)، وبقيت حملات التكافل المجتمعي المغيث الوحيد لهم عمليا، وقد قامت فعلا بدور لا يستهان به في سد جزء من هذا الفراغ الذي تركته الحكومة، الامر الذي يستحق التقدير والثناء .
ولا بد من القول هنا بوضوح، ان من الخطا الجسيم بل والخطيئة، ان تضع الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية الاخرى المواطنين بين خيارين: إما الإصابة بالوباء القاتل او الموت البطيء جوعا!
وهنا ايضا تمس الحاجة الى إجراءات متكاملة ومتوازنة تشمل الجوانب الصحية والمعيشية والخدمية، وبضمنها خصوصا تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية، والكف عن وضع المستفيدين منها تحت ضغط نفسي في كل شهر، مثلما يحصل حتى الان .
ان من واجب ومسؤولية الحكومة والجهات الصحية ومجلس النواب والمواطنين، تأمين تطبيق خطة التصدي للوباء، والمزيد من الشفافية في التعامل معه ومن حملات التوعية بمخاطره وكيفية درئها، وتجنب المغامرة بحياة الناس وسلامتهم، والدراسة المتأنية للخطوات المتكاملة اللازمة لإنقاذ شعبنا من هذا الزائر الثقيل والخطير، بما في ذلك الحد من فتح الحدود، وان لا يخضع ذلك لأي اعتبار غير مصلحة الناس وسلامتهم .
وقد اصبح مطلوبا الآن تنفيذ حملات مسح شاملة للكشف عن بؤر الوباء والمصابين به، وان يتم ذلك خصوصا في المناطق التي تظهر فيها إصابات عالية. فما زالت الفحوصات والاختبارات الطبية عندنا محدودة، قياسا بما تقوم به دول اخرى عديدة وبما تفرضه الحاجة ، وان يصار حالا الى انشاء مراكز صحية ومستشفيات جديدة تمس الحاجة اليها .
من جانب آخر كشف تفشي جائحة كورونا نواحي القصور والخلل الواضحة في نظامنا الصحي، سواء على صعيد التخصيصات المالية المطلوبة او في ما يخص ضعف البنى التحتية وهشاشتها، وهو ما انعكس بوضوح في شحة الادوية وقلة المستشفيات والمراكز الصحية، كذلك أماكن الحجز التي تحدث العديد ممن زاروها ومكثوا فيها عن عدم انطباق شروط الحجز الصحي عليها. ولعل هذا واحد من أسباب تهرب المواطنين من الإفصاح عن اصابتهم المحتملة بهذا المرض اللعين.
ان هذا كله لا بد ان يكون في صلب اهتمام الحكومة ووزارة الصحة والبيئة ومجلس النواب ، فلم يعد مقبولا بقاء هذا الضعف الواضح في النظام الصحي أيا كانت الذرائع، ومن الواجب ان تأخذ الدولة ومؤسساتها الدور الريادي والمسؤول في توفير الرعاية الصحية المجانية لجميع المواطنين .
وأخيرا وإذ يتوجب التعبير عن الشكر والتقدير لكوادر القطاع الصحي وعموم العاملين فيه وكذلك القوى الأمنية ، الذين يعطون ما بوسعهم في ظروف صعبة وضاغطة، فان الواجب يقتضي ايضا تقديم كل الدعم والاسناد لهم، وتمكينهم من أداء واجبهم الوطني والإنساني، وضمان الرعاية الكافية لهم ولعوائلهم.