بكين 15 يوليو 2024 (شينخوا) يطرح الزعيم الصيني شي جين بينغ مجموعة من الإصلاحات الجديدة التي ستحدد مسار النمو لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وذلك خلال اجتماع يستمر لمدة أربعة أيام واستهلته قيادة الحزب الشيوعي الصيني صباح يوم الاثنين.

وعند افتتاح الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، قدم شي، بصفته الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، تقرير عمل بالنيابة عن المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني واستعرض مسودة قرار للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن مواصلة تعميق الإصلاح بشكل شامل ودفع التحديث الصيني النمط.

هذا وتعتبر الجلسة الجارية للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني على ذات القدر من الأهمية مع "الجلسات الكاملة الثالثة" الأخرى التي ترفع شعار الإصلاح، بما فيها الجلسة التي عقدت في عام 1978، عندما أطلق دنغ شياو بينغ عملية الإصلاح والانفتاح.

وخلال الفترة السابقة لعقد الجلسة، ظل شي يدعو إلى الإصلاح، بهدف " تعزيز تحرير العقل، وتحرير وتطوير القوى الإنتاجية الاجتماعية وإطلاق العنان للحيوية الاجتماعية وتعزيزها"، و"توفير زخم قوي وضمانات مؤسسية للتحديث الصيني النمط".

وذلك ما أدى إلى زيادة التوقعات بإصلاحات جديدة، وتبديد المخاوف بشأن ما إذا كان الإصلاح في الصين "راكدا"، أو ما إذا كان اقتصادها "يفقد زخمه".

ومنذ تولي شي مقاليد السلطة قبل أكثر من عقد من الزمان، ولجت الصين إلى "عصر جديد"، حيث نمت القوة الاقتصادية للبلاد، واستمر نفوذها الدولي في الصعود، فيما يعد الإصلاح السمة المميزة لهذا العصر.

ومع ذلك، في مواجهة عدد لا يحصى من التحديات الجديدة، تمر الصين الآن بفترة حرجة لتسريع الإصلاح.

-- الإصلاح لن يتوقف، والانفتاح لن ينتهي

يعتبر شي رائدا بارزا آخر للإصلاح في الصين بعد سلفه الراحل دنغ شياو بينغ.

واجه القائدان نفس المهمة -- تحديث الصين، لكن في ضوء خلفيات متباينة على نحو هائل.

عندما أطلق دنغ عملية الإصلاح والانفتاح في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، كان معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين أقل من 200 دولار أمريكي فقط. وبدأت جهوده للإصلاح والانفتاح من الصفر تقريبا.

وفي عام 2012، عندما انتخب شي لشغل منصب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، كانت الصين قد أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع تجاوز معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 6000 دولار أمريكي. غير أن نموها كان يغير محركاته، فضلا عن أن العديد من المزايا، بما في ذلك تكاليف العمالة التي كانت منخفضة، كانت قد بدأت في التضاؤل.

وبدلا من الاعتماد على أمجاد أسلافه، ظل شي ملتزما بمواصلة الإصلاح، وكان يدرك مدى صعوبة المهمة.

وقال: "لقد تم إنجاز الجزء السهل من المهمة إلى الحد الذي يرضي الجميع. وما تبقى هي عظام صلبة يصعب مضغها".

على مدى العقد الماضي، تم تنفيذ أكثر من 2000 إجراء للإصلاح، مما مكن البلاد من القضاء على الفقر المدقع وتعزيز التنمية الحضرية والريفية المتكاملة ومكافحة الفساد ودعم الأعمال وتعزيز الابتكار ودفع "الثورة الخضراء" إلى الأمام.

وبفضل هذه الإجراءات، لم يحافظ الاقتصاد الصيني على نمو قوي فحسب، بل زاد أيضا بأكثر من الضعف منذ عام 2012، مما عزز مكانة الصين العالمية كمساهم رئيسي في النمو.

بيد أنه لا تزال هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود، حيث تواجه الصين الآن احتياجات الناس المتزايدة لحياة أفضل، فضلا عن تحديات كبيرة بما فيها الضغط النزولي للاقتصاد في أعقاب جائحة كوفيد-19، والمخاطر المرتبطة بقطاع العقارات وديون الحكومات المحلية وبعض المؤسسات المالية الصغيرة والمتوسطة الحجم.

ومع سعيه لبناء مستقبل أفضل لبلاده وشعبه، أشاد شي بعملية الإصلاح والانفتاح واصفا إياها بأنها وسيلة مهمة لتحقيق التحديث الصيني النمط ومواصلة معجزة التنمية في البلاد.

وأكد شي مجددا على أهمية الإصلاح في جلسة دراسة جماعية للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في يناير هذا العام. وبعد أسابيع، شدد شي في "الدورتين السنويتين" على ضرورة تعميق الإصلاح في مختلف القطاعات.

وخلال جولة تفقدية قام بها في مقاطعة شاندونغ شرقي الصين في شهر مايو الماضي قال شي "إن الإصلاح هو القوة الدافعة للتنمية"، حيث عقد هناك ندوة للاطلاع على آراء رجال الأعمال والأكاديميين بشأن كيفية تعميق الإصلاح بشكل أكبر.

وقال هوانغ هان تشيوان، رئيس الأكاديمية الصينية لبحوث الاقتصاد الكلي وأحد الضيوف المتحدثين في الندوة "من الواضح تماما أن الإصلاح له وزن كبير في ذهن شي، وأعتقد أن لديه فهما جيدا لجميع القضايا ذات الصلة بالإصلاح".

وقال شي في وقت سابق لممثلين من الأوساط التجارية والاستراتيجية والأكاديمية الأمريكية خلال زيارتهم لبكين في ربيع هذا العام، إن الصين تعكف على تخطيط وتنفيذ "سلسلة من الخطوات الرئيسية لتعميق الإصلاح بشكل شامل"، وتعمل بثبات لخلق بيئة تجارية موجهة نحو السوق وقائمة على القانون وذات طابع دولي، ما سيوفر فضاء تنمية أرحب للشركات الأمريكية وغيرها من الشركات الأجنبية.

وعند استعراض السنوات الماضية، نجد أن التزام شي بالإصلاح ظل نهجا ثابتا على الدوام.

فعندما لم يبلغ حتى الـ16 عاما من العمر في عام 1969، تم إرساله إلى قرية ليانغجياخه في مقاطعة شنشي بشمال غربي البلاد للقيام بأعمال زراعية. عانى من الجوع هناك. وكان هدف شي في ذلك الوقت هو ضمان حصول زملائه القرويين على ما يكفي من الطعام.

تنبع إرادة شي القوية للإصلاح أيضا من تطلع الشعب إلى حياة أفضل. وهدفت تدابير الإصلاح التي نفذها كأمين لفرع الحزب في ليانغجياخه، بما في ذلك إدخال الغاز الحيوي، وإنشاء متجر للحدادة وفتح متجر لبيع الضروريات اليومية، إلى تحسين معيشة القرويين.

ويأتي التزام شي بالإصلاح تأثرا بوالده، شي تشونغ شيون، أحد الثوريين القدامى وأحد رواد الإصلاح والانفتاح أيضا. ففي عام 1978، تم إرسال شي الأب إلى مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين كمسؤول رئيسي، وساعد لاحقا في بناء الدفعة الأولى من المناطق الاقتصادية الخاصة في البلاد بما في ذلك شنتشن وتشوهاي وشانتو.

وفي عام 1978 أيضا، كلف شي تشونغ شيون ولده شي، الذي كان يدرس في جامعة تسينغهوا، بإجراء بحث ميداني حول نظام المسؤولية التعاقدية الأسرية في مقاطعة آنهوي شرقي الصين، حيث ملأ دفترا كاملا بالملاحظات، وظل محتفظا به حتى الآن.

وتعززت سمعة شي كرائد للإصلاح مع تقدم حياته السياسية.

وفي أوائل ثمانينيات القرن العشرين، أطلق شي تجارب للإصلاح في محافظة تشنغدينغ الفقيرة بمقاطعة خبي في شمالي الصين، والتي بدأها بتجربة عقود الأراضي الريفية، وهو ما جعل تشنغدينغ أول مكان في تلك المقاطعة يتبنى هذه الممارسة.

ووصف مقال نشر في مجلة "شباب الصين" في عام 1985 ذلك التحول في المحافظة، لافتا إلى قول أمين للجنة الحزب بمحافظة في مقاطعة مجاورة، كان قد زار تشنغدينغ: "هنا، لا تسمع الناس يتغنون بالإصلاح، لكنك ترى الإصلاح يتحقق في كل مكان".

وعند تأمله الإصلاحات التي قادها في تشنغدينغ، قال شي "بالنظر إلى تلك السنوات، فإن أحد الإنجازات التي حققناها هو تحرير فكرنا".

وبعد عمله في تشنغدينغ، تم تكليف شي بالعمل في شيامن، وهي منطقة اقتصادية خاصة في مقاطعة فوجيان، حيث قاد شي جهود تأسيس أول بنك بتمويل مشترك في الصين، بنك شيامن الدولي. وبعد توليه منصب حاكم فوجيان، قاد شي مبادرة إصلاحات الحيازة الجماعية للغابات، والتي تم تعميمها لاحقا على مستوى البلاد. وتُعرف هذه المبادرة بأنها خطوة ثورية أخرى للمناطق الريفية في الصين بعد نظام المسؤولية التعاقدية الأسرية.

وخلال الفترة التي قضاها كأمين للجنة الحزب في مقاطعة تشجيانغ شرقي الصين، اقترح شي مبادرة لتعزيز التنمية من خلال التحديث الصناعي. ودعم بنشاط الشركات الخاصة، وشجع رجال الأعمال على "القدوم مباشرة" إلى مكتبه من أجل الأمور المهمة. كما وسع نطاق الإصلاحات في تشجيانغ إلى ما وراء المجالين الاقتصادي والسياسي، لتشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية والإيكولوجية.

وتركت صورة شي الإصلاحية انطباعا عميقا لدى الشخصيات الدولية البارزة. وفي سبتمبر 2006، قام هنري بولسون، وزير الخزانة الأمريكي آنذاك، بزيارة إلى الصين واختار هانغتشو، حاضرة مقاطعة تشجيانغ، كمحطة أولى لزيارته. واعتبر شي "الخيار الأمثل" لاجتماعه الأول في الصين، واصفا إياه بأنه "من النوع الذي يعرف كيف يحقق الأهداف".

وروى بولسون في وقت لاحق أنه خلال اجتماع آخر مع شي في عام 2014، صرح الزعيم الصيني قائلا: "ينصب اهتمامي بشكل أساسي على الإصلاح والقضايا ذات الصلة".

في عام 2007، وبصفته أمين لجنة الحزب ببلدية شانغهاي، ارتأى شي الحاجة إلى إصلاحات لتوجيه اقتصاد البلدية نحو التنمية المدفوعة بالابتكار، وتقوية قدرتها التنافسية كمركز مالي دولي، وتعزيز دورها كمدينة رائدة في عملية الإصلاح والانفتاح في البلاد.

وبعد توليه أعلى منصب في الحزب في عام 2012، ذهب شي في أول جولة تفقدية داخلية له إلى شنتشن، مقتفيا بذلك خطى والده. وهناك، وضع إكليلا من الزهور أمام التمثال البرونزي لدنغ شياو بينغ في حديقة ليانهواشان، معلنا التزامه الراسخ بالإصلاح، وقال "الإصلاح لن يتوقف، والانفتاح لن ينتهي!"

وتعتبر الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، التي عقدت في عام 2013 تحت قيادة شي، علامة فارقة، على غرار الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ11 للحزب الشيوعي الصيني في عام 1978 تحت قيادة دنغ، والتي استهلت عصر الإصلاح. ومثل حدث عام 2013 فجر عصر جديد من الإصلاح.

 وخلال الجلسة المذكورة، عدد شي سلسلة من التحديات التي تواجه تنمية الصين، بما في ذلك الفساد والتنمية غير المستدامة والقضايا البيئية. وشدد على أن "مفتاح معالجة هذه المشاكل يكمن في تعميق الإصلاح".

ووافقت الجلسة على قرار بشأن "القضايا الرئيسية المتعلقة بتعميق الإصلاحات بشكل شامل". وعلقت صحيفة إسبانية بأن شي بدأ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية الأكثر عمقا في الصين على مدى 30 عاما.

وبعد أكثر من شهر، أعلنت الصين قرار إنشاء المجموعة القيادية المركزية لتعميق الإصلاح الشامل، التي ترأسها شي. وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ الحزب التي يتم فيها إنشاء هيئة قيادية مكرسة حصريا للإصلاح على المستوى المركزي. وفي وقت لاحق، تطورت هذه المجموعة إلى اللجنة المركزية لتعميق الإصلاح الشامل، والتي يترأسها شي.

وقال أحد القريبين من عملية صنع القرار إنه "فيما يتعلق بالإصلاحات الصعبة والهامة، اتخذ شي القرارات النهائية". وكشف ذلك المسؤول أيضا أن شي راجع بدقة كل مسودة لخطط الإصلاح الرئيسية، حيث قام بتعديلها كلمة بكلمة.

-- المغامرة في الجبل على الرغم من معرفة وجود نمور

 استندت الإصلاحات التي قادها شي إلى اعتبارات مدروسة مستمدة من ممارسته على مدار سنوات عديدة، وكذلك مجموعة كاملة من التصاميم رفيعة المستوى.

لقد استحضر شي المثل الصيني القديم القائل: "نبذ ما عفا عليه الزمن لصالح الجديد" للدعوة إلى العمل"، مؤمنا بأن الإصلاح والابتكار من الجينات الثقافية المتأصلة لدى الأمة الصينية.

وكان لدى شي رؤية واضحة فيما يتعلق باتجاه الإصلاح. وقد حذر من استنساخ الأنظمة السياسية لبلدان أخرى، وقال ذات مرة إن الإصلاح الذي ينكر التوجه الاشتراكي لن يؤدي إلا إلى "طريق مسدود".

وقال: "ما لا يمكن تغييره يجب أن يبقى دون تغيير بحزم"، مؤكدا على ضرورة التمسك بالقيادة الشاملة للحزب في تعزيز الإصلاحات.

وبالنسبة إلى ما يجب تغييره، طالب شي باتخاذ إجراءات حازمة، وحث على تهيئة الظروف للإصلاح حتى وإن لم تكن موجودة بعد. وتضمنت المهام التي يجب القيام بها، القضاء على جميع العراقيل التي تقيد حيوية كيانات الأعمال وتعيق تأدية السوق لدوره الكامل.

وعلى نحو غير مسبوق من النطاق والحجم والكثافة، غطت إصلاحات شي مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع والبيئة الإيكولوجية وبناء الحزب والدفاع الوطني والجيش وغير ذلك.

وطور شي منهجية للإصلاح في العصر الجديد: التعامل بشكل صحيح مع العلاقات بين تحرير العقل والبحث عن الحقيقة من الوقائع؛ والتقدم الشامل وتحقيق اختراقات في المجالات الرئيسية؛ والتصميم عالي المستوى وعبور النهر من خلال تحسس الحجارة؛ والجرأة والحفاظ على وتيرة ثابتة؛ وكذلك الموازنة بين الإصلاح والتنمية والاستقرار.

وشدد على متابعة الإصلاح بطريقة منهجية وشاملة ومنسقة واحترام الروح الرائدة للشعب. كما طلب من المسؤولين "إنشاء الجديد قبل التخلص من القديم" وضمان التوقيت المناسب للإصلاح ووتيرته لتحقيق نتائج جيدة.

وقال مسؤول من شنشي "لقد صحح شي عقلية قياس نجاح التنمية من مجرد اعتبارها تعتمد ببساطة على نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومكن الإصلاح من تقليص المصالح الخاصة لبعض الناس".

وأشار المسؤول إلى أن شي طالب بإجراء تحقيقات متعددة لوقف البناء غير القانوني للفيلات من قبل مطورين بالتواطؤ مع مسؤولين محليين في المحميات الطبيعية لجبال تشينلينغ. ما عكس المقاومة المحلية التي واجهها الإصلاح في المجال الإيكولوجي في ذلك الوقت.

وظل شي يدفع بالإصلاح وسط الظروف المعاكسة وكان عليه تحطيم أسوار المصالح الذاتية. وقال: "نحن بحاجة إلى الشجاعة للمغامرة في الجبل على الرغم من معرفتنا الجيدة بوجود نمور والمضي قدما في الإصلاح باستمرار".

وبعد أقل من 20 يوما من توليه المنصب الأعلى، أشرف شي على صياغة "قاعدة النقاط الثماني" بشأن تحسين سلوك عمل مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني والحكومة لمعالجة المشاكل المزمنة للبيروقراطية مثل الامتيازات الرسمية والمآدب الرسمية الباهظة والمظاهر الأخرى لإهدار أموال دافعي الضرائب. وفي وقت لاحق حظيت هذه الحملة بالإشادة باعتبارها "مغيرة لقواعد اللعبة" بالنسبة للحوكمة في الصين.

على أساس ذلك، أطلق شي "عاصفة" غير مسبوقة لمكافحة الفساد. وتفيد مكافحة الفساد في تنقية "البيئة السياسية" وكذلك "البيئة الاقتصادية" وتفضي إلى تقويم نظام السوق وإعادة السوق إلى ما ينبغي أن يكون عليه، حسبما قال المسؤول المحلي.

وتتواصل حملة "عدم التسامح مطلقا" لمكافحة الفساد. وعلى مدى العام الماضي، كان لتلك الحملة أصداء في مختلف القطاعات، بما فيها المالية وإمداد الحبوب والرعاية الصحية وتطوير وتصنيع أشباه الموصلات وحتى الرياضة.

وتم التحقيق مع أو توجيه الاتهام إلى المئات من كبار المسؤولين الحكوميين والمسؤولين التنفيذيين للبنوك ومديري المستشفيات، وحتى شخصيات مثل رئيس الاتحاد الصيني لكرة القدم والمدرب السابق للفريق الوطني لكرة القدم للرجال.

وقد أكد شي على ضرورة إصلاح الحزب، داعيا إلى "الثورة الذاتية الأكثر شمولا".

وتحت قيادته، تم بناء نظام حوكمة ذاتية كامل وصارم للحزب، وتبلور نظام سليم للوائح الحزب. وقام شي بتحسين نظام التفتيش وإنشاء نظام الرقابة الوطنية، لـ"حصر السلطة في القفص المؤسسي".

كما أطلق شي إصلاحا غير مسبوق لمؤسسات الحزب والدولة.

وذكر لي جيون رو، النائب السابق لرئيس مدرسة الحزب باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إن هذا الإصلاح كان الجزء الأكثر إثارة للانتباه في عملية الإصلاح الشاملة في البلاد، قائلا "إن شي يستخدم الإصلاح لمعالجة التحديات الفريدة التي تواجه الحزب ولبناء حزب سياسي ماركسي أقوى وأشد تأثيرا".

وأدى هذا الإصلاح إلى تفكيك المصالح الذاتية بشكل أكبر. ودعا شي إلى "إغضاب بضعة آلاف بدلا من خذلان 1.4 مليار صيني".

ودفع شي الثورة الذاتية للحزب لتوجيه التغييرات الاجتماعية. وأخذ الحزب زمام المبادرة للقضاء على أوجه القصور المؤسسي في التنمية الاجتماعية لإطلاق العنان للقوى الإنتاجية، كما أوضح ليو بينغ شيانغ، الأستاذ في مدرسة الحزب التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

وفي هذا الصدد، دعا شي إلى المضي قدما بشكل كامل في الحوكمة القائمة على القانون، بغية السعي إلى حل المشاكل التي طال أمدها وتتمثل في أن تفوق السلطة القانون وتفوق العلاقات الشخصية المبادئ القانونية.

وانتقد ذات مرة ظاهرة أنه "يمكن للمال أن يشتري الإعفاء من العقوبة بل ويشتري الحياة". وفي مناسبة أخرى، قال: "اقتصاد السوق الاشتراكي هو اقتصاد قائم على الائتمان وسيادة القانون".

وأصدر تعليمات بصياغة وتنقيح سلسلة من القوانين، بما فيها قانون مكافحة الاحتكار الذي يوفر الأساس القانوني لنظام مراجعة المنافسة العادلة.

كما تم تحسين النظام القانوني لحقوق الملكية الفكرية. وفي قضية نموذجية، فاز أسطورة كرة السلة الأمريكية مايكل جوردان بدعوى قضائية في عام 2020 في شانغهاي، حيث أمرت محكمة صينية شركة صينية بالتوقف عن استخدام "تشياو دان"، الترجمة الصينية لـ"جوردان"، باسمها وعلاماتها التجارية للمنتجات.

لم تؤد إصلاحات شي إلى التحول الاقتصادي فقط، حيث أكد أن جوهر التحديث يكمن في تحديث الناس. وأصبح تعزيز "الثقة الذاتية بالثقافة والفخر الوطني" بين الشعب الصيني هدفا رئيسيا للإصلاح.

وفي عام 2012، أدرج شي "الثقة الذاتية بالثقافة" في التقرير الرئيسي المقدم إلى المؤتمر الوطني الـ 18 للحزب الشيوعي الصيني. ودمج لاحقا هذا المفهوم في "الثقة الذاتية في أربعة جوانب" للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، واصفا الثقة الذاتية بالثقافة بأنها "قوة أكثر جوهرية وأعمق وأكثر ديمومة".

وتمثل إصلاحات شي أيضا إعادة صياغة للماركسية للتكيف مع العصر الجديد، ودمج مبادئها الأساسية مع الحقائق الخاصة والثقافة التقليدية الرائعة للصين. ونتيجة لهذا، اكتسبت الإصلاحات في الصين أهمية فلسفية جديدة.

وفي رسالته بمناسبة العام الجديد لعام 2017، ذكر شي أن "الإطار الرئيسي للإصلاح الذي يشبه العوارض الأربعة والأعمدة الثمانية للمنزل، قد تأسس بشكل أساسي في مختلف المجالات". وبالنسبة لأولئك المطلعين على العمارة الصينية التقليدية، فإن هذا يدل على أن المنزل قد تشكل ويمكن تحسينه بشكل أكبر.

ووجه شي الإصلاحات نحو هدف شامل: التمسك بنظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتحسينه وتحديث نظام الصين وقدرتها على الحوكمة.

وبلا شك، يتطلب تحقيق هذا عملية طويلة ومليئة بالتحديات.

-- فقط الإصلاحيون قادرون على التقدم، وفقط المبتكرون قادرون على الازدهار

وفي العام الذي تولى فيه شي أعلى منصب، انخفض معدل النمو الاقتصادي السنوي في الصين إلى أقل من 8 بالمائة للمرة الأولى منذ عام 1999.

وألحقت أزمة الديون في أوروبا أضرارا بالغة بالتجارة الخارجية للصين وأدى التنظيم العقاري إلى انخفاض الطلب المحلي. وادعى محلل مصرفي أجنبي أن "الاقتصاد الصيني يواجه أكثر لحظاته حرجا منذ ما يقرب من 30 عاما".

وقام شي، دون تردد، بتحديد بوصلة الإصلاح. وكان على قناعة بأن التنمية لا تزال المفتاح الرئيسي لحل كافة المشاكل، ومن ثم جعل تعزيز التنمية هو الأولوية القصوى في أجندته الإصلاحية.

وأشار شي إلى أن الاقتصاد الصيني دخل مرحلة تنمية جديدة واقترح الفكر التنموي الجديد الذي يتميز بنمو مبتكر ومنسق وأخضر ومفتوح ومشترك. وأطلق الإصلاح الهيكلي لجانب العرض، ما دفع الاقتصاد نحو التنمية العالية الجودة، وانتقل إلى بناء النمط التنموي الجديد.

وفي حديثه للمسؤولين حول أهمية الإصلاح لتحسين هيكل العرض، استشهد شي بقصة السائحين الصينيين الذين يشترون مقاعد المراحيض الذكية وأجهزة طهي الأرز من الخارج كمثال، إذ كانوا لا يجدون منتجات مبتكرة أو عالية الجودة مثلها في السوق المحلية. وفي الوقت نفسه، كان بعض المنتجين المحليين يكافحون للعثور على مشترين.

وبعد سنوات من الإصلاح الهيكلي لجانب العرض تحت إشراف شي، يتمتع جيل جديد من المنتجات الصينية الصنع بشعبية متزايدة في داخل وخارج البلاد، ويشمل الأجهزة المنزلية الموفرة للطاقة والإلكترونيات الذكية والمعدات الرياضية المصنوعة من مواد جديدة وطائرات الركاب الكبيرة.

تمت معالجة القدرة الإنتاجية الفائضة في بعض القطاعات بشكل فعال. فعلى سبيل المثال، حتى نهاية عام 2022، كانت صناعة الصلب قد تخلصت من القدرات الإنتاجية القديمة والمفرطة بنحو 300 مليون طن، وهو ما يتجاوز ضعفي حجم إنتاج الصلب الخام بأكمله في الهند في ذلك العام.

وسعيا لدفع الإصلاح الهيكلي لجانب العرض، اهتم شي بالممارسة مع التمسك بنظرة ثاقبة عظيمة. وقبل عقد من الزمن، كانت أغلب السيارات التي تسير على طرق الصين مركبات عاملة بالبنزين. وفي عام 2014، وأثناء جولة تفقدية في شركة "سايك موتور"، إحدى كبرى شركات صناعة السيارات الصينية، أكد شي على أهمية تطوير المنتجات التي تلبي الاحتياجات المتنوعة وسلط الضوء على أهمية مركبات الطاقة الجديدة في تعزيز مكانة الصين في قطاع المركبات.

وفي العقد التالي، أصبح شي شديد الإعجاب بالسيارات الكهربائية، وقام بزيارة شركات السيارات والمختبرات، وأظهر اهتماما كبيرا بتجربة الطرز الجديدة المطورة محليا. وشجع شركات صناعة السيارات على التركيز على جودة المنتجات وخلق قدرة تنافسية في السوق.

وفي الحقيقة، تشكل صناعة الطاقة الجديدة جزءا من رؤية شي جين بينغ للقوى الإنتاجية الحديثة النوعية. وأصبحت عبارة "القوى الإنتاجية الحديثة النوعية" كلمة جديدة متكررة بعد أن تحدث عنها شي خلال جولات تفقدية في العام الماضي، لكنه كان قد دفع بالفعل بهذه الرؤية قبل ذلك بكثير.

في السبعينيات من القرن الماضي، في قرية ليانغجياخه بمقاطعة شنشي، بادر شي بإدخال مرافق توليد الغاز الحيوي إلى المقاطعة، مما سمح للقرويين باستخدام الغاز الحيوي للإضاءة والطهي، ليحل محل الطريقة التقليدية لحرق الأخشاب. ويمكن اعتبار هذه المبادرة المبكرة مثالا على الاستفادة من "القوى الإنتاجية الحديثة النوعية" خلال تلك الفترة، لمنح القرويين بديلا أنظف من الخشب والكيروسين اللذين كانا يستخدمان للطبخ والإضاءة.

يؤمن شي إيمانا راسخا بالماركسية. ويعتبر أن مفهوم القوى الإنتاجية هو "المحرك الرئيسي لجميع التغيرات الاجتماعية والسياسية".

إن تطوير القوى الإنتاجية الحديثة النوعية، التي تتميز بالإبداع والجودة العالية، يشكل دعوة للعمل من جانب صناع السياسات في الصين لركوب الموجة الجديدة من الثورة التكنولوجية التي تتكشف في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا التركيبية وتكنولوجيا النانو والمعلومات الكمومية من خلال الإصلاح. كما أنها تتوافق مع استراتيجية التنمية القائمة على الابتكار التي اقترحها شي.

وشبه شي افتقار الصين إلى القدرة الابتكارية القوية بـ "كعب أخيل" لعملاق اقتصادي. وتتوافق القوى الإنتاجية الحديثة النوعية مع رؤية شي السابقة لاستراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار. وقال شي: "الإصلاحيون وحدهم من يستطيعون التقدم، والمبتكرون وحدهم من يستطيعون الازدهار، ولن ينتصر إلا من يصلح ويبتكر".

وتحت توجيهاته، تم إحراز تقدم في الإصلاح في مجال العلوم والتكنولوجيا بكثافة غير مسبوقة. وبفضل سلسلة من التدابير الداعمة للابتكار، تمت الاستفادة من نظام جديد لتعبئة الموارد على الصعيد الوطني لتحقيق اختراقات تكنولوجية رئيسية، وتم إنشاء أول مجموعة من المختبرات الوطنية في البلاد، في حين تم تعزيز الدور الرئيسي للشركات في الإبداع، وذلك من بين عدد كبير من التدابير الداعمة للابتكار.

وكانت التأثيرات واضحة، حيث قفز ترتيب الصين في مؤشر الابتكار العالمي، الذي تنشره المنظمة العالمية للملكية الفكرية، من المركز الـ34 في عام 2012 إلى المركز الـ12 في العام الماضي.

وأظهرت البيانات الصادرة في عام 2023 أن الصين تفوقت في عام 2022 على الولايات المتحدة لأول مرة باعتبارها الدولة أو الإقليم المصنف رقم واحد من حيث المساهمات في المقالات البحثية المنشورة في مجموعة مؤشر نيتشر لمجلات العلوم الطبيعية عالية الجودة.

على الرغم من سنوات من القمع والعقوبات الأمريكية على الرقائق، تمكنت شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي من إطلاق هواتفها الذكية الجديدة المتطورة في عام 2023. ورأى الكثيرون ذلك دليلا على أن احتواء قطاع التكنولوجيا الصيني من قبل بعض الدول الغربية لن ينجح.

ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. وقد حذر شي من أن "البحوث الأساسية هي مصدر الابتكار العلمي والتكنولوجي. وعلى الرغم من أن الصين حققت تقدما كبيرا في البحوث الأساسية، إلا أن المسافة بيننا وبين المستوى الدولي المتقدم لا تزال واضحة".

ودعا إلى المزيد من الإصلاحات المؤسسية لتعزيز البحوث الأساسية، فضلا عن دعم الابتكار الأصلي وتطوير أسرع للتكنولوجيا الاستراتيجية والرائدة والإحلالية.

-- إطلاق العنان لقوة السوق

وعند بدء تولي شي أعلى منصب في الحزب، كان قد مر عقدان من الزمان منذ طرح مفهوم بناء اقتصاد السوق الاشتراكي.

ولكن ممارسة الأعمال التجارية ظلت أمرا صعبا. وفي عام 2014، كشف أحد المشرعين الذين حضروا "الدورتين السنويتين" المحليتين، أنه بدءا من الحصول على الأرض وحتى استكمال جميع إجراءات الموافقة الإدارية لمشروع استثماري واحد، تطلب الأمر أكثر من 30 موافقة حكومية وأكثر من مائة من الأختام. وتستغرق العملية برمتها ما لا يقل عن 272 يوم عمل.

ويعارض شي بشدة الموافقات الحكومية المرهقة. وأثناء عمله في مدينة فوتشو بمقاطعة فوجيان، بادر بطرح آلية مكنت من استكمال جميع إجراءات الموافقة على المشروع الاستثماري في مبنى واحد.

وباعتباره القائد الأعلى للبلاد، دعا شي إلى أن "تلعب السوق الدور الحاسم في تخصيص الموارد وأن تضطلع الحكومة بدورها بشكل أفضل".

وعلى مر السنين، ألغى مجلس الدولة (مجلس الوزراء الصيني) أو فوض إلى جهات ذات مستوى أدنى سلطة الموافقة الإدارية على أكثر من 1000 بند وخفض عدد البنود الاستثمارية الخاضعة لموافقة الحكومة المركزية بأكثر من 90 في المائة.

وقال شي: "فلتتفجر الحيوية التي تخلق الثروة، ولنطلق العنان لقوة السوق بالكامل".

وكانت نتائج الإصلاحات بارزة، حيث تم تصنيف الصين من قبل البنك الدولي كواحدة من أفضل 10 اقتصادات حققت أبرز تحسن في بيئة الأعمال لعامين متتاليين.

وفي يناير عام 2019، بدأ بناء مصنع تسلا "جيجافاكتوري" في شانغهاي، وفي ديسمبر من ذات العام بدأ صانع السيارات في تسليم الدفعة الأولى من السيارات الكهربائية صينية الصنع من طراز "موديل 3" التي تم إنتاجها في المصنع، وهو ما مثل تطورا سريعا أشاد به الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك. وفي مايو من العام الجاري 2024، تم وضع حجر الأساس لمصنع "ميجاباك" لبطاريات تخزين الطاقة في شانغهاي، وهو الأول من نوعه لشركة تسلا الأمريكية خارج الولايات المتحدة، ويعد مرة أخرى دليلا قويا على "سرعة الصين".

ويدرك شي جيدا الوضع الصعب الذي تواجهه شركات القطاع الخاص. ووجه بإنشاء إدارة لتنمية الاقتصاد الخاص تابعة للجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، أعلى هيئة للتخطيط الاقتصادي في البلاد، لتقديم المساعدة لشركات القطاع الخاص التي تواجه صعوبات.

وشدد شي أيضا على ضرورة تعزيز الإصلاحات المالية لتسهيل تمويل شركات القطاع الخاص. كما أكد على أهمية تشجيع رأس المال الخاص على الدخول إلى الصناعات والقطاعات التي لا تحظر القوانين واللوائح الدخول إليها صراحة.

وبموجب توجيهات شي، تم بشكل شامل تنفيذ نظام القائمة السلبية للوصول إلى الأسواق، مما سمح بالدخول إلى المجالات التي لم تحظرها القائمة صراحة. وحتى نهاية عام 2023، وصل عدد الكيانات التجارية المسجلة في جميع أنحاء البلاد إلى 184 مليونا، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في عام 2012.

ومن عام 2012 إلى عام 2023، تضاعف عدد شركات القطاع الخاص في الصين أكثر من أربعة أضعاف، وزادت نسبة شركات القطاع الخاص إلى إجمالي عدد الشركات من أقل من 80 في المائة إلى أكثر من 92 في المائة.

وخلال تلك الفترة، تمت الموافقة على إنشاء البنوك المملوكة للقطاع الخاص، وبدأ تشغيل خط سكة حديد فائق السرعة يسيطر عليه رأس المال الخاص، وتم السماح للاستثمار الخاص بدخول قطاع التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، وحققت شركة صواريخ خاصة النجاح في إطلاق صاروخ من البحر.

بدأ شي أيضا إصلاحات موجهة نحو السوق للشركات المملوكة للدولة. وفي عام 2017، جذبت شركة تشاينا يونيكوم، باعتبارها أول شركة مملوكة للدولة مدارة مركزيا في صناعة الاتصالات تنفتح أمام رأس المال الخاص، 14 مستثمرا إستراتيجيا، بما في ذلك عمالقة الإنترنت تينسنت وبايدو وجي دي.كوم وعلي بابا في إطار "إصلاح الملكية المختلطة".

وعلى نحو أكبر أدت خطة عمل مدتها ثلاث سنوات لإصلاح الشركات المملوكة للدولة إلى تحويل تلك الشركات إلى شركات ذات مسؤولية محدودة أو شركات محدودة بالأسهم. وأنشأت حوالي 38 ألف شركة مملوكة للدولة مجالس إدارة.

ولاحظت وسائل الإعلام الدولية أن الإصلاح في الصين يتقدم بما يتماشى مع التغيرات في الوضع. لقد أدت الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة والجائحة العالمية والتوترات الجيوسياسية المتزايدة، إلى اختبار مرونة الاقتصاد الصيني. وتقوم البلاد أيضا بتحويل نمط التنمية الاقتصادية الخاص بها.

وقاد شي الصين إلى تسريع بناء نمط التنمية الجديد، الذي يتخذ من السوق المحلية دعامة أساسية ويشجع السوقين المحلية والأجنبية على تكملة ودعم بعضهما البعض.

والدعم الرئيسي لهذه الإستراتيجية هو إنشاء سوق وطنية موحدة. ومن أجل تحقيق ذلك، يجري تنفيذ سلسلة من الإصلاحات للقضاء على الحمائية المحلية وإزالة الحواجز الإقليمية.

وقال لي جيون رو، المنظر المخضرم للحزب، إن شي رسم "نقاطا" و"دوائر" و"أحزمة" جديدة على خريطة الصين خلال عمله على دفع التنسيق بين الأقاليم وتعزيز تنمية منطقة شيونغآن الجديدة ودلتا نهر اليانغتسي ومنطقة خليج قوانغدونغ-هونغ كونغ-ماكاو الكبرى، من بين مناطق أخرى.

وقد ضاعف شي جهود الانفتاح لدفع الإصلاح قدما، وجعل "الانفتاح المؤسسي" أولوية. وفي أحد هذه التحركات، رفعت الصين حدود الملكية الأجنبية لشركات الأوراق المالية، وشركات إدارة صناديق الاستثمار في الأوراق المالية، وشركات العقود الآجلة، وشركات التأمين على الحياة.

وتعمل الصين على المضي قدما للانضمام إلى الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ، بينما تسعى الحكومة الصينية جاهدة للوفاء بالمعايير العالية التي يتطلبها الاتفاق، وتلتزم بممارسات تتجاوز سياساتها الحالية فيما يتعلق بالوصول إلى السوق.

وفي عام 2013، أنشأ شي أول منطقة تجريبية للتجارة الحرة للصين في شانغهاي. وحتى الآن، وصل عدد مناطق التجارة الحرة من هذا النوع إلى 22 منطقة، كما أصبحت مقاطعة هاينان الجزرية الاستوائية ميناء للتجارة الحرة.

ومن بين الخطوات الإصلاحية البارزة الآخرى التي أطلقها شي إنشاء معرض الصين الدولي للاستيراد، وهو أول معرض على المستوى الوطني في العالم يركز على توسيع الواردات.

وبادر شي بإنشاء معرض لتسهيل تجارة الخدمات وآخر للمنتجات الاستهلاكية من حول العالم، ما عكس رؤيته إزاء تحرير التجارة والعولمة الاقتصادية.

تعدّ الصين شريكا تجاريا رئيسيا لأكثر من 140 دولة ومنطقة حول العالم، وقد حافظت على مكانتها باعتبارها ثاني أكبر وجهة للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم.

وفي الوقت نفسه، حذر شي من التوسع غير المنظم لرأس المال والتلاعب بالسوق والسعي لتحقيق أرباح باهظة في مجالات معينة، وذلك للحماية من مخاطر على غرار أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة.

واقترح شي وضع "إشارات مرور" لتدفقات رأس المال، للتأكد من أن "أقطاب المال" لا يتصرفون دون وازع من ضمير، مع السماح لرأس المال بالعمل بشكل صحيح كعامل إنتاج.

ويشير هذا إلى أن الإصلاح في الصين لم يعد يركز على النمو فحسب، بل ينظر إلى نهج أكثر توازنا.

وفي حملة شي، يبرز التنسيق بين التنمية والأمن لتعميق الإصلاح في كافة الجوانب. ولا تزال الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد في العالم الذي لم يعان من أي أزمة مالية خلال العقود الأربعة الماضية.

-- اعتبار أولويات الشعب كأولويات خاصة به

شدد شي على أن الهدف النهائي للإصلاح هو رفاهية الشعب. وتعهد باعتبار أولويات الشعب كأولويات خاصة به والعمل وفقا لرغبات الشعب. وهو نهج يختلف عن موقف "رأس المال أولا"، وهو نهج غالبا ما يتم أخذه بعين الاعتبار في الاقتصاد الرأسمالي.

وأدرك شي أنه بعد نحو 40 عاما من الإصلاح والانفتاح، شهدت التناقضات الرئيسية التي يواجهها المجتمع الصيني تغيرات كبيرة. وقال شي في عام 2017: "ما نواجهه الآن هو التناقض بين التنمية غير المتوازنة وغير الكافية واحتياجات الشعب المتزايدة باستمرار من أجل حياة أفضل".

وللاستجابة لهذا التغيير، يدعو شي إلى التنمية المنسقة والمشتركة، ويلتزم بتحقيق رؤية دنغ شياو بينغ المتمثلة في "الرخاء المشترك".

وعند بدء تولي شي أعلى منصب في الحزب، كانت هناك فوارق كبيرة بين المناطق الشرقية والغربية في الصين، وكان التفاوت في الثروة شديدا.

لقد حول استراتيجية التخفيف من حدة الفقر، ونفذ نهجا جديدا يسمى "القضاء المستهدف على الفقر".

وتم تسجيل الأفراد والقرى الذين تأكدت معاناتهم من الفقر، وتم إنشاء ملف في النظام الوطني لمعلومات التخفيف من حدة الفقر. وفي الوقت نفسه، تم نقل المعوزين من المناطق غير الملائمة للعيش وإعادة توطينهم. وقامت الحكومات بتطوير صناعات مناسبة لظروفها المحلية وتنظيم دورات تدريبية خاصة بالفقراء لمساعدتهم على رفع الدخول. وتم إرسال أكثر من 3 ملايين موظف حكومي للتمركز في قرى معينة لضمان تنفيذ إجراءات التخفيف من حدة الفقر.

وتحت قيادة شي، قضت الصين على الفقر المدقع في المناطق الريفية، وهي المشكلة التي استمرت لآلاف السنين في البلاد.

بدأت إصلاحات الصين في المناطق الريفية في أواخر سبعينات القرن الماضي، وشملت إصلاحات شي على صعيد الزراعة والمناطق الريفية والفلاحين نطاقا أوسع من التغييرات.

وأسس شي آلية سليمة لإنتاج الحبوب المستقر لضمان أن "الصين تتمسك بثبات بإمداداتها الغذائية في أيديها"، كما طوّر البيئة التجارية الريفية ودفع عملية النهوض الريفي في أنحاء البلاد.

وفي أوائل القرن الجاري، طرح شي في ورقة أكاديمية إصلاحات جريئة في نظام التسجيل الأسري للقضاء على الفوارق الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، والفجوة في أسواق العمل بين المناطق الحضرية والريفية الناتجة عن ذلك النظام. وفي ذلك الوقت، كان هناك جدل كبير حول ما إذا كان يجب التخلي عن نظام التسجيل الأسري.

وفي عام 2016، أصدرت الحكومة المركزية خطة لمنح الإقامة الحضرية لنحو 100 مليون شخص من المناطق الريفية ولغيرهم من المقيمين الدائمين دون التسجيل الأسري المحلي، وأُنجزت هذه الخطة قبل الموعد المحدد لها.

وخلال زيارته التفقدية لشانغهاي في عام 2023، زار شي الشقق السكنية التي يعيش فيها العمال المهاجرون. وأسعدته معرفة أن المهاجرين استقروا في المدينة.

وقال شي "عظيم! ابقَ، استقر، واِسْعَ جاهدا من أجل حياة أفضل".

وتحت قيادة شي، ألغت الصين نظام إعادة التعليم من خلال العمل، والذي ظل قائما لأكثر من نصف قرن من الزمان، ورفعت الصين الحد الأدنى للإعفاء من ضريبة الدخل الفردي من 3500 يوان إلى 5000 يوان في الشهر، ووضعت المبدأ المتمحور حول الشعب لتطوير قطاع العقارات والمتمثل في "المنازل للسكن وليست للمضاربة" لتلبية احتياجات الأسر العادية للإسكان.

واستجابة للتغيرات الديموغرافية، عدلت الصين سياساتها المتعلقة بالسكان وتنظيم الأسرة. ونُفذت إصلاحات لضمان تعليم أفضل وأكثر إنصافا. وبالإضافة إلى ذلك، قاد شي جهود إنشاء أكبر نظام للضمان الاجتماعي في العالم وأدخل إصلاحات على خدمات رعاية المسنين الأساسية. واليوم تجاوز عدد الأشخاص المشمولين بالتأمين الأساسي للشيخوخة والتأمين الطبي الأساسي في الصين مليار شخص و1.3 مليار شخص على التوالي.

وإيمانا منه بأن "صحة الشعب هي المؤشر الأساسي للتحديث"، دعا شي إلى دراسة وتعزيز الممارسة في مدينة سانمينغ بفوجيان لدفع إصلاح الرعاية الصحية.

ودعا شي إلى القضاء الشامل على هوامش الربح على الأدوية والمواد الطبية الاستهلاكية، والتي ظلت موجودة منذ أكثر من 60 عاما، مما خفض تكاليف الرعاية الصحية للمرضى. وقد تصرفت الإدارات الحكومية بناء على طلبه وشكلت فريق عمل للتفاوض مع شركات الأدوية بشأن أسعار الأدوية والمواد الاستهلاكية.

وفي مقطع فيديو واسع الانتشار على الإنترنت للتفاوض حول الأسعار في عام 2021، أصر ممثلون عن الهيئة الوطنية  لضمان الرعاية الصحية على أنه "لا ينبغي التخلي عن أي مريض من المجموعات الإثنية"، وتمكنوا من خفض سعر دواء منقذ للحياة من مرض نادر من حوالي 700 ألف يوان لكل جرعة إلى 33 ألف يوان لكل جرعة بعد ثماني جولات من المفاوضات المكثفة.

وتم إدراج هذا الدواء في قائمة التأمين الطبي في الصين، مما أشعل جذوة الأمل في نفوس أكثر من 30 ألف مريض في جميع أنحاء البلاد. وأدى خفض أسعار مئات الأدوية على نحو مماثل في عدة سنوات إلى توفير نحو 500 مليار يوان من النفقات الطبية لعامة الشعب.

دفع شي إصلاحات في نظام الرعاية الصحية في المناطق الريفية لضمان تمكن الناس في تلك المناطق من الوصول إلى العلاج الطبي. وقللت هذه الحملات بشكل ملحوظ من حالات الفقر الناتج عن الأمراض. وبات كل محدودي الدخل تقريبا الذين تم انتشالهم من براثن الفقر في المناطق الريفية يتمتعون الآن بالتأمين الطبي.

ويؤكد إصلاح شي في القطاع الثقافي على إثراء "العالم الروحي" للشعب كمطلب أساسي للتحديث الصيني النمط. وينطوي ذلك على صقل تخطيط الصناعة الثقافية وسياساتها، ورعاية أشكال تجارية ثقافية جديدة وأنماط مستحدثة للاستهلاك الثقافي.

ونتيجة لذلك، شهدت صناعة السينما تطورا سريعا في السنوات الأخيرة، إذ ارتفع عدد شاشات السينما في الصين من حوالي 13 ألفا في عام 2012 إلى أكثر من 86 ألفا بنهاية عام 2023، وهو الرقم الأعلى على مستوى العالم. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من هذا العام أن صناعة السينما في الصين تنتج المزيد من الأفلام عالية الجودة والتي تلقى إقبالا لدى الجماهير المحلية.

كما عمل شي على تجديد النظام التعليمي نظرا لارتباطه المباشر بتوسيع مجموعة المواهب ودفع التقدم العلمي والتكنولوجي.

وعمل شي على دفع التنمية المتوازنة للتعليم الإلزامي، وتقليل عبء الواجبات المنزلية المفرطة على الطلاب لضمان تنميتهم على نحو شامل، وبناء نظام حديث للتعليم المهني ونظام حديث للجامعات.

وقد ظلت نسبة الإنفاق المالي الوطني المخصص للتعليم فوق 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لأعوام متتالية، وهو ما يجعلها الحصة الأكبر في إنفاق الميزانية العامة في الصين.

وكان ثمة إصلاح آخر غير مسبوق بقيادة شي في المجال الإيكولوجي.

عندما تولى شي منصب الأمين العام للحزب في عام 2012، كان التلوث البيئي واحدا من أكثر الشكاوى انتشارا بين الجمهور. وفي بداية ذلك العام، تم الإبلاغ عن تلوث بعنصر الكادميوم في نهر بمنطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية تشوانغ، مما عرّض سلامة مياه الشرب لأكثر من مليون شخص للخطر. ووقعت في نفس العام عدة حوادث بارزة في العديد من أنحاء البلاد عارض خلالها الناس بدء مشاريع صناعية خوفا من تدمير البيئة.

وأنشأ شي، المعروف بإطلاق مبادرات بيئية في شيامن لتنظيف بحيرة يوندانغ وفي هانغتشو لحماية البحيرة الغربية، وزارة الإيكولوجيا والبيئة، وحدد الحماية الإيكولوجية والبيئية كـ"خط أحمر" لا يمكن تجاوزه، واستحدث عمليات التفتيش على الحماية الإيكولوجية والبيئية من قبل السلطات المركزية، وطلب من المسؤولين المحليين أن يكونوا مسؤولين عن حماية الأنهار والبحيرات والغابات بوصفهم "رؤساءها الإداريين".

 وتحت قيادة شي، أصبحت الصين الدولة التي شهدت أسرع تحسن في جودة الهواء، وأكبر زيادة في موارد الغابات، وأكبر مساحة للتشجير على مستوى العالم. وتتمتع البلاد أيضا بمكانة ثابتة كدولة رائدة عالميا في القدرات المركبة لتوليد الطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الكتلة الحيوية.

كما طورت الصين أكبر سوق للكربون في العالم وتعهدت بالوصول إلى ذروة انبعاثاتها من الكربون وتحقيق الحياد الكربوني في وقت أقصر بكثير من الدول المتقدمة. وقال شي "إن التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون هي اتجاه العصر، وأولئك الذين يتبعونها سوف ينعمون بالازدهار".

ويعتقد شي أن تصحيح أساليب النمو غير المستدامة أمر ضروري للتنمية المستدامة للأمة الصينية ولحماية أمن الأرض، التي يعتبرها "وطننا الوحيد والأوحد".

-- المضي قدما بشجاعة

وقال تقرير أوردته صحيفة ((ليانخه تساوباو)) السنغافورية: "لا يمكن لأي دولة أخرى في جميع أنحاء العالم أن تدفع الإصلاح بشكل شامل بنفس الطريقة كما تفعل الصين الحالية، مع الالتزام بتعهداتها والشعور بإلحاح الأمر".

ووفقا لمقياس إيدلمان للثقة لعام 2023، وهو استطلاع رأي أجرته شركة إيدلمان الاستشارية، بلغ مستوى الثقة الإجمالي بالصين 83، لتحتل البلاد المرتبة الأولى بين جميع الدول التي شملها الاستطلاع.

وكانت الصين الدولة الوحيدة، من بين الدول التي شملها الاستطلاع، التي أعربت عن تفاؤلها بشأن الآفاق الاقتصادية، وفقا لنتائج الاستطلاع.

وعزا المراقبون استمرار وازدهار اقتصاد السوق الاشتراكي الذي استهله دنغ شياو بينغ، إلى أن شي نفسه هو قائد الإصلاح في العصر الجديد. وقد أدار شي المحرك الذي دفع الصين في رحلة لا رجعة فيها نحو التحديث.

أدت إصلاحات دنغ وإعلانه أن "التنمية هي المبدأ المطلق" إلى تحرير وتطوير القوى الإنتاجية الاجتماعية في الصين، مما دفع البلاد إلى وضع قوة اقتصادية عالمية.

ومع تأكيده على أن التنمية العالية الجودة هي المبدأ الثابت للعصر الجديد، أطلق شي تحولا شاملا ومنهجيا في الصين، مما ساهم بشكل كبير في إعادة توازن الاقتصاد العالمي.

وفي العام الماضي، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2 في المائة، ليساهم بثلث النمو العالمي، وتظل البلاد محركا قويا للنمو العالمي.

وفي الاجتماعات مع قادة حكوميين ورجال أعمال أجانب بارزين هذا العام، ظلت رسالة شي ثابتة ومتمثلة في أن: الصين ملتزمة بمواصلة الإصلاح، وهو ما من شأنه أن يجلب الفرص للعالم.

وخلال زيارته لفرنسا في مايو الماضي، أطلع شي الشركات هناك على أن الإصلاح الصيني سيوفر مساحة سوقية أوسع لجميع البلدان. وفي صربيا، زار مصنع سميديريفو للصلب، الذي ساعد في إنقاذه باستثمارات صينية قبل نحو ثماني سنوات، وحافظ بالتبعية على وظائف أكثر من خمسة آلاف عامل محلي.

ويعد المصنع مشروعا رئيسيا ضمن مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس شي. وبإلهام من طريق الحرير القديم، اقترح شي المبادرة في عام 2013 لإصلاح وتعزيز التعاون الإنمائي العالمي. فصمم مبادرة "الحزام والطريق" كشبكة حديثة تربط بين الدول من خلال تعزيز التجارة وتطوير البنية التحتية ودفع برامج التبادلات الشعبية.

وخلال عقد من الزمن، حظيت هذه المبادرة بمشاركة ثلاثة أرباع دول العالم، بينما ساعدت على خلق 420 ألف فرصة عمل وانتشال عشرات ملايين الأشخاص من براثن الفقر.

منذ العام الماضي، يتنامى الترقب للجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني. ويعكف الناس في الصين والعالم بأسره على المتابعة الحثيثة لإجراءات الإصلاح الرئيسية التي سيتم الكشف عنها وتقييم الآثار التي قد تتمخض عن هذه الإجراءات.

وقبل الجلسة الكاملة، وعد شي بسلسلة من "الإصلاحات الإستراتيجية والمبتكرة والرائدة"، لأجل تحقيق اختراقات جديدة في مجالات مهمة وقطاعات رئيسية.

وثمة أسباب للتفاؤل. ولا يعتمد هذا التفاؤل على الحجم الاقتصادي والسوقي الهائل للصين فحسب، بل يرتكز أيضا على القيادة الموحدة للحزب، ونواتها شي. ويتحلى الحزب الشيوعي الصيني بالشجاعة اللازمة للإصلاح الذاتي، وهو قادر على تحويل الخطط إلى إجراءات ملموسة.

وردا على بعض حالات سوء الفهم أو الشواغل الخارجية بشأن الإصلاح والتنمية في الصين وآثارهما، قال شي في كثير من الأحيان إن الصين ليس لديها نية لتغيير أو تحدي النظام العالمي الراهن. وهي تقوم بدور أكثر نشاطا في الحوكمة العالمية، وتدفع نحو نظام عالمي أكثر عدلا وإنصافا.

وقال خوسيه ريكاردو دوس سانتوس لوز جونيور، وهو الرئيس التنفيذي لشركة مقرها ساو باولو تربط بين رواد الأعمال الصينيين والبرازيليين، إن التحديث الصيني النمط قدم خيارا جديدا وله آثار بعيدة المدى على الدول النامية.

وفي الأيام الأولى من عصر دنغ شياو بينغ للإصلاح، صرح ذلك الزعيم الصيني الراحل بأن هدف الإصلاح والانفتاح في الصين هو "اللحاق بالعصر".

اليوم وبعد نصف قرن من التقدم، أشار شي إلى أن سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين لم تعزز تنميتها فحسب، بل قدمت أيضا إسهامات كبيرة للسلام والتقدم العالميين.

ومع مضيه قدما بإرث دنغ، وتحليه بحس قوي بالمسؤولية، يقود شي الصين على طريق التحديث الذي لا يخلق المعجزات الاقتصادية والفرص التنموية فحسب، بل يكتشف كذلك شكلا جديدا من أشكال الحضارة الإنسانية.

وقال شي "إن تحديثنا هو الأكثر تحديا والأعظم في نفس الوقت"، مضيفا: "هذا طريق غير مسبوق، لكننا سنواصل استكشافه والمضي فيه قدما بشجاعة". /نهاية الخبر/

 

عرض مقالات: