العنوان لمؤلف صدر للكاتب والباحث الأستاذ عبد الأمير شمخي الشاه، وهو اضافة نوعية لما صدر للباحث من مؤلفات أغنت المشهد الثقافي والمعرفي في بلادنا.
والعولمة أكدها كارل ماركس في كتابه المشهور» رأس المال «: أن الرأسمالية تحاول عولمة العالم في سوق تجاري واحد يتسابق فيه القوي والضعيف. / 1/ مقدمة الكتاب
وهذا أكده ماركس قبل أكثر من 150 عام تقريبا، ولذلك فان العولمة ذكرت منذ وقت بعيد وقبل ان يذكرها عالم الاجتماع والاتصالات عام 1960.
ويذكر الباحث في هامش رقم «1» أن (أول استخدام لهذه الكلمة تم من قبل مارشال ماك لوهان عالم الاجتماع والاتصالات في جامعة تورنتو بكندا، وكان ذلك عام 1960 اذ تنبأ في كتابه « استكشافات في عوالم الاتصال « الذي نشر في ذلك العام بتوجه العالم الى الاندماج وخرق الحدود نتيجة تطور وسائل الإعلام والاتصالات، فيؤدي ذلك الى تحول العالم الى قرية كونية (GLOBAL Village).
ويؤكد الباحث أن (العالم الجليل عبد الرحمن ابن خلدون مؤسس المنهج العلمي الحديث في مقدمته الشهيرة، كان قد استنبط «أن أحوال العالم والأمم والأشخاص والأقطار تتبدل من حال الى حال وفق قوانين ثابتة، وأنه لا جدال أعظم لمفهوم التطور التدريجي في الحياة ألاجتماعية، ان أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال الى حال، كما سيكون في الأشخاص والأوقات والأمصار، كذلك في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول «) 2/ من المقدمة.
جاء الإهداء (الى مناهضي العولمة الرأسمالية الطامحين لقيام عولمة إنسانية يتكافأ في ظلها الجميع ويجني ثمارها الجميع)، وهو تعبير واضح عن المآرب التي تتبناها العولمة والتي تتعدى الجوانب الاقتصادية والسياسية والمالية لتشمل جمهرة واسعة من المثقفين والفلاسفة والإعلاميين والفنانين ايضا.
يتناول الكاتب جملة المآرب التي تسعى العولمة لتحقيقها من خلال (تحول العالم الى رهينة في قبضة حفنة من كبار المضاربين الذين يتاجرون بالعملات والاوراق المالية مستخدمين في ذلك مليارات الدولارات التي توفرها البنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار الدولية وصناديق التأمين والمعاشات). 3/ للعولمة مآرب اخرى.
وهكذا يتأكد تماما أن العولمة هي الاسم الحركي للأمركة، فهي السلاح الذي تتبعه الرأسمالية في حربها التي تستهدف (اقتصادات الدول لإفقارها وتجويع شعوبها وتجريدها من قوتها المالية ومن ثم العسكرية وتجعلها غير قادرة على شراء طلقة واحدة وعدم تمكنها من تسديد رواتب موظفيها ومنهم العسكريين وقوى الامن، لتظهر قوى مسلحة خارج اطار الدولة تنتهك القانون وتسلب الناس وتثير الفوضى وتأخذ الاتاوات). /4/ كريستين لاغارد / مدير عام صندوق النقد الدولي / عن كتاب للعولمة مآرب اخرى.
او كما يقول جاكوب روتشيلد، وهو يؤكد الدور الذي تؤديه العولمة من خلال الدور القذر الذي تلعبه العولمة الرأسمالية المتوحشة (سنجعلهم يسرقون أموال شعوبهم ليودعوها ببنوكنا ثم نعيد اقراض شعوبهم من أموالهم، ولا يقتضي الأمر سوى وزير مال من جنودنا).
نقرأ في دفتي الكتاب ستة فصول، الفصل الاول (ماهية العولمة)، الفصل الثاني (العولمة والثقافة)، الفصل الثالث (الاستثمار الاجنبي والشركات عبر الوطنية)، الفصل الرابع (المركز.. والاطراف) ، الفصل الخامس (العولمة والنظام الدولي الجديد )، والفصل السادس والاخير يتحدث عن ( الخصخصة واقتصاد السوق) .
وفي الفصل الرابع، بحث عن ما سمي ب (فخ العولمة)، وهو يتحدث عن العناوين والارقام المذهلة التي احتواها هذا الكتاب، حيث يؤكد جملة من الامور التي تدعو للذهول فعلا، مثل تقسيم العالم الى (اربعة أخماس فقراء و21% فقط من يسيطر على العالم بثرائه وممتلكاته ومصادره المالية).
وفي مجال (العولمة .. والمرأة) فان الباحث يتابع حقيقة تكاد تكون غائبة على البعض، وهي (أن ثلثي مجموع العمل المبذول على نطاق العالم يقوم به النساء، أما الثلث الآخر فبقوم به الرجال)، وهذا كانت قد أكدته الكاتبة الالمانية (ماريا ميز) في مؤلفها المعنون « ألأبوية والتراكم على نطاق العالم «، والذي تحدثت فيه عن « المؤتمر النسائي العالمي لمنظمة هيئة الامم المتحدة « الذي انعقد في كوبنهاجن سنة 1980.
والحديث عن المرأة في (مجتمع الشركات المتعددة الجنسية..) حديث ذو شجون، فهي أداة (للعمل الرخيص في بلاد آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وأيضا في البلاد الصناعية الغنية). والمرأة في المجتمع العربي تعاني من (استغلال مزدوج من الفقر والاستغلال الطبقي، ومن القهر الابوي، فالمرأة الفقيرة ترزح عند أسفل السلم المجتمعي).
أما عن (العولمة.. والديمقراطية) ، فان العلاقة بينهما علاقة غير متكافئة ابدا ، فالعولمة تسعى للانحياز بشكل مطلق الى أصحاب رؤوس الاموال وألأثرياء وهي « مسؤولة عن كثير من مظاهر التوترات الاجتماعية المتصاعدة في مختلف بقاع المعمورة « .
اما عن حديث « الثقافة المعولمة « فيذكر الباحث الشلاه، أن كتابا عربا قد تطرقوا لهذا الجانب مثل « محمد عابد الجابري «، في مؤلفه « العولمة والهوية الثقافية « و وسالم يفوت (هويتنا الثقافية والعولمة « وعبد ألآله بلقريز « العولمة والهوية الثقافية « .
ويناقش الشلاه هذه الاشكالية (والحق ..أن وعي الثقافة لا يستقيم دون رؤية ذلك التوتر فيها بين خاص ينتمي الى المجتمع ، وعام ينتمي الى الانسانية ) ص96.
و (هكذا يبدو واضحا أن الثقافة تقع بين حدين يطبعانها: المجال الاجتماعي، والتجربة الانسانية المشتركة، انها حصيلة فعل بالغ التميز، هذه الثنائية هي ما يشيع الانطباع بوجود التباس في شخصيتها). نفس الصفحة.
اما الكاتب محمد عابد الجابري فيؤكد (أننا في العالم العربي نعيش، حالة اللانسق، فلا سبيل الى مقاومة سلبيات العولمة الا من داخل العولمة نفسها بأدواتها بإخراجها من قيمتها وتجاوزاتها) ص100
لكن عبد الآله بلقريز، يعتبر العولمة الثقافية (اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات، انها رديف الاختراق الذي يهدد بالعنف السيادة في سائر المجتمعات التي تطالها تلك العولمة).
ولابد ان نذكر ان الباحث والكاتب والناشط الاجتماعي والثقافي، الاستاذ عبد ألأمير الشلاه، قدم للمشهد الثقافي كتابا رصينا في مخاطر العولمة على المستوى الثقافي والاقتصادي والمجتمعي ايضا. وهو المعروف باسلوبه العلمي في مناقشة الامور الثقافية والاجتماعية والادبية، ويمتاز بنظرته الثاقبة في استشراف عوالم الموضوع الذي يختاره، اضافة الى لمحات الذكاء الملازمة لنشاطه البحثي باذخ الجمال والرصانة والتميز.
ولذلك فهو يتناول في هذا المؤلف العولمة الرأسمالية في بعدها السياسي، ثم في بعدها الاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي، ويذكر في المقدمة أنه (في ظل العولمة يزداد تركز الثروة وتتسع الفروق بين البشر والدول اتساعا لا مثيل له، ففي احصائية مثيرة نشرت في كتاب « فخ العولمة «: أن (358) مليلردير في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه « 2,5 « مليار من سكان المعمورة.
أن هذا يوضح تماما أن « العولمة « جاءت استجابة لحاجة الرأسمالية، لتصدير أزماتها، ولزيادة تمركزها، ولتفويت الفرصة على كل ما يخالفها.
ويناقش الكاتب موقع المرأة في ظل العولمة، فهو يؤكد (أن احدى الحقائق التي تغيب عن أذهان الكثيرين من الباحثين والدارسين هو أن ثلثي مجموع العمل المبذول على نطاق العالم يقوم به النساء، أما الثلث ألأخير فيقوم به الرجال)، وهو يستند الى كتاب «الأبوية والتراكم على نطاق العالم» للكاتبة الألمانية ماريا ميز» والذي تتحدث فيه عن المؤتمر النسائي لمنظمة هيئة الامم المتحدة المنعقد في كوبنهاجن سنة 1980).
ولا يخفى على الكاتب جملة الاعمال التي تمارسها المرأة (ودون ان تتقاضى عنها أجرا، وهذه الاعمال يسقطها الاقتصاديون ورجال الاحصاء من الحساب، ولا يعتبرونها عملا فهي تقوم بمختلف أعمال البيت، بكل المهام التي تتعلق بسيرورة الحياة لأفراد الاسرة التي تنتمي اليها)، كما أن المرأة تمارس نشاطا شاقا في الكثير من الاعمال في الزراعة او تساعد زوجها او اخاها او اباها، وتعمل في الحقول وحظائر الحيوانات، وأعمال البيت المختلة، وهي عادة اعمال شاقة تمارسها المرأة دون أن تتلقى عليها أجرا. فهي أداة للعمل الرخيص في بلدان كثيرة ومنها آسيا، وأفريقيا، وامريكا اللاتينية، ولا يستثنى من ذلك الدول الصناعية الكبرى، (أنها ركن أساسي في التركيب الطبقي ألأبوي للمجتمع الرأسمالي، ركن أساسي في التراكم المتزايد المبني على عولمة السوق لصالح أقلية ضئيلة من المليارديرات على حساب آلاف الملايين الذين يزدادون فقرا مع الايام).
وفي خاتمة كتابه الرصين يؤكد الباحث الشاه، (أن المسألة ستكون في المستقبل « (اما أن تأكل او تؤكل – To have Lunch or be Lunch).