يؤكد مسؤولون وعاملون في شركة الحفر العراقية، أن عقود الحفر التي تبرمها وزارة النفط، تذهب غالبيتها إلى الشركات الأجنبية، على حساب الخبرة والقدرة المحلية ذات النتائج المميزة.
الجدل بهذا الشأن تجدد مؤخرا بعدما أعلن أحد أعضاء البرلمان وجود محاولات لتدمير هذه الشركة العراقية وإفلاسها وتفضيل الشركات الأجنبية عليها في العقود. إضافة إلى ما يرويه عاملين في هذه الشركة من تجاهل واضح، ويكشفون عن تفاصيل كثيرة.
تعامل مجحف
مصدر مسؤول في شركة الحفر العراقية رفض كشف هويته يقول انه "بسبب قرار تخفيض الصادرات النفطية بسبب انهيار اسعار النفط، قامت شركات جولات التراخيص بتقليص اعمالها وايقاف التعامل مع شركتنا، في الوقت الذي استمرت في التعامل مع شركات الحفر الاجنبية"، لافتا الى ان "شركة نفط البصرة والتي تمثل الجهد الوطني قامت بتقليص العمل معنا ايضا وحددت الشركة ببرج واحد لكل حقل، قبل ان تتراجع عن ذلك بحجة عدم الحاجة الى هذا البرج".
ويضيف المصدر "الشركات الاجنبية استمرت بالعمل، بينما توقفت اعمال الشركة العراقية بعد تهميشها، حيث اثر ذلك بشكل مباشر على العاملون فيها الذين استقطعت جزء من رواتبهم نتيجة عدم الوصول الى خط الشروع المحدد بـ٣٠ برج، في حين ان الابراج العاملة في الوقت الحالي هي ١٣ برج وسيتم تقليصها في الاشهر المقبلة الى ٨ ابراج"، داعيا الى "تطوير عمل الشركة ودعمها من خلال تحديد حصة ثابتة من بيع كل برميل نفط تساهم في حفره الشركة، او تحديد حصة ثابتة من اعمال الحفر لشركات جولات التراخيص".
عضو لجنة النفط والطاقة النيابية، عدي عواد، يرفض وفق بيان له "تعامل الحكومة ووزارة النفط المجحف مع شركة الحفر العراقية ومحاولة تدميرها وإفلاسها من خلال إيقاف ابراجها عن العمل".
ويرى عواد، أن "وزار النفط تتعامل مقابل هذا الاجحاف بمرونة مع شركات جولات التراخيص (سيئة الصيت) وتتجاهل الشركة العراقية، رغم ما يتعرض العاملين فيها لمخاطر كبيرة تتمثل بدرجات الحراة العالية في المناطق الصحراوية، وطبيعة العمل والمواد المستخدمة فيه".
مشكلة العلاقة
تشخيص النائب وحديثه قد يكون من ناحية الرأي الرقابي لمجلس النواب، ولكن التفاصيل التي يوضحها العاملين في الشركة لها ابعاد أخرى.
الموظف الفني في شركة الحفر العراقية، أحمد طه، يقول أن "المشكلة أساسا، تكمن في علاقة الشركة مع وزارة النفط، فالأخيرة تعطي عقودا لحفر الآبار واستصلاحها إلى الشركات الأجنبية رغم وجود شركة وطنية كفؤة. علما أن كثيرين يعتبرون إحالة العقود إلى الشركات الاجنبية تقف خلفها رغبة الحصول على الكومشنات".
ويوضح أن "هذا الاجحاف أثّر بقوة على قوت العاملين والموظفين ورواتبهم التي تم استقطاع مبالغ كبيرة منها، فيما تم تسريح عدد ليس بالقليل من اصحاب العقود، وتأثر الجميع بالإجراءات المتخذة وأصبح مستقبل الشركة مهددا".
طه لا يكتفي عند هذا الحد ويضيف قائلا: "حسب كلام المدير العام للشركة والمسؤولين فيها، فأن الفترة القادمة قد تكون سوداوية، لأن وزارة النفط تتحدث عن عدم وجود عقود للحفر، ومقابل هذه المعطيات، فأن خطتنا للعام المقبل ستتضمن حفر بئر واحد فقط، والموقف سيكون صعبا لأن الشركة تعتمد على التمويل الذاتي لتوفير رواتب الموظفين".
جهود مهمشة وعقود مشبوهة
ويشدد الموظف على أن "المصالح الحزبية، والصفقات المشبوهة، تقف خلف محاولات التأثير على عمل الشركة بغية تحقيق المكاسب من خلال إبرام العقود مع الأجنبي التي تحوم الشبهات حولها". ويؤكد أن "شركة الحفر العراقية، هي الوحيدة التي استمرت بالعمل بقدرة 100 في المائة منذ بداية أزمة الوباء، ورغم جهود منتسبيها تم استقطاع جزء من رواتبهم بذريعة أن الشركة أصبحت خاسرة لعدم حصولها على عقود جديدة للحفر"، لافتا إلى أن "العاملين في الشركة يحاولون منذ مدة اللقاء برئيس لجنة النفط والطاقة النيابية، أو وزير النفط أو المسؤولين في الوزارة ولكن دون جدوى".
افضلية محلية واضحة
لشركة الحفر العراقية ثلاثة فروع، أولها في بغداد وهو الرئيسي، أما الثاني فيقع في برجسية البصرة، بينما الثالث في عرفة كركوك، وكانت قبل عام 2003 تستفيد من كافة عقود حفر الآبار النفطية والمائية، ولكن بعد تغيير النظام، تعاقدت وزارة النفط مع شركات نفط الجنوب والشمال والوسط ووزعت خلال ذلك عقود الحفر إلى الشركات الأجنبية، وأصبحت الشركة العراقية جزء بسيط من العملية وتم تهميشها.
يقول ذلك الموظف في الشركة، كاظم راضي، ويؤكد "تفوق امكانيات الشركة العراقية على المنافس الأجنبي باستثناء الأبراج، فللشركة خبرات كبيرة وجميع الآبار التي عملت عليها سلمتها لوزارة النفط بنسبة انجاز 100 في المائة، بينما يشهد عمل الشركات الأجنبية الحوادث والتعثر في الانجاز ومشاكل فنية أخرى".
ويضيف راضي، أن "شركتنا تضع نسبة مئوية متحركة على استخراج البرميل. فلو كان سعر البرميل 100 دولار مثلا، فأن الشركة تأخذ نسبة 10 في المائة، أي 10 دولارات، وتنخفض النسبة مع أي انخفاض، خلافا للشركات الأجنبية. فلو فرضنا أنها تأخذ 5 دولارات على البرميل الذي يهبط سعره إلى 5 دولار، فأنها ستأخذ المبلغ كله ككلفة استخراج".
وينوه الموظف راضي، إلى "وجود عقود في دول الخارج تنص على مشاركة شركات الحفر الكلفة خلال الظروف القاهرة، ولكن الشركات الأجنبية حاليا تأخذ كلفتها الكاملة خلال الأزمة الاقتصادية"، مبينا أن "كلفة البرج الأجنبي يعادل كلفة أربعة أبراج عراقية جيدة، فمسؤول الموقع للبرج الأجنبي يتقاضى 10 الاف دولار، بينما العراقي أقل من 3000 الاف، والحفار الأجنبي يتقاضى 8000 دولار، بينما العراقي 2000 دولار، وهذه الأرقام دقيقة ومعروفة".
شركة ناجحة
وبشأن الحديث عن كفاءة الشركة وقدرتها على المنافسة الأجنبية، يؤكد الخبير النفطي، حمزة الجواهري، أن الحديث الذي يجري حاليا بشأن وضع شركة الحفر العراقية، ناتج عن سوء الإدارة العامة لمؤسسات البلد وعدم تكامليتها بالشكل الصحيح.
الجواهري يعتبر أن "الشركة العراقية قد تكون أضعف من غيرها من بعض النواحي، لكنها قادرة على القيام بأعمالها بشكل مقبول وبدرجة جيدة جدا وتنجر المهام المطلوبة منها، وهي تمتلك معدات وأبراج جيدة، ولديها كادر كبير يعمل بجهود عالية"، مشيرا إلى أن "كادر الشركة يعمل دون تعقيدات وينتج فوق مستوى الوسط من ناحية الأداء، وبأسعار أفضل من الاستخراج الأجنبي وهذا هو المطلوب".