كثر الحديث مؤخرا، عن المنافذ الحدودية وضرورة تحريرها من سطوة العصابات المسلحة والجهات الخارجة عن القانون. الجهات الإجرامية هذه سيطرت على غالبية الواردات المالية للمنافذ والتي تقدر بمليارات الدولارات وبقيت تحصل عليها طيلة السنوات الماضية دون أي رادع. ولكن ما أعلنه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل أيام، أثار تفاعلا واسعا وتأييدا لخطابه، بعدما وعد بالسيطرة على هذه المنافذ وحمايتها من المجرمين.
منحى جديد

بحاجة إلى نتائج ملموسة

الكاظمي وأثناء محاولاته معالجة الأخطاء التي ورثها، وترميم ما خربه الهدر المالي الذي أشرفت عليه الحكومات السابقة، وبحثا في ذات الوقت عن مصادر مالية جديدة، تعين الدولة في أزمتها، تعهد خلال كلمة له مع مجموعة من الإعلاميين والصحفيين، أنه سيطلق حملة تهدف إلى إعادة السيطرة على المنافذ الحدودية. وكشف عن خسائر يتكبدها العراق في كل منفذ تقدر ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار بسبب سطوة المجاميع المسلحة وقطاع الطرق.
الحديث الحكومي هذا الذي جعل المواطنين يتوقعون خيرا من الالتفات إلى هذا الملف المغيب، جاء بعد أن قدمت مؤخرا هيئة المنافذ الحكومية مقترحا إلى رئيس الوزراء لإرسال قوات أمنية معززة لأن المنافذ وحماية ملاكاتها من أي تدخل خارجي تفرضه العصابات، وهذا ما أكده رئيس الهيئة، عمر الوائلي، في تصريحات صحفية.

مظهر فساد جاء وقت إنهائه

الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري، يقول أن "أحد مظاهر الفساد المالي والإداري وأبرز سمات ضياع هيبة الدولة، هو ملف المنافذ الحدودية غير المسيطر عليها"، مبينا أن "محاربة العصابات والجهات المسلحة التي تبتز المنافذ، أكثر أهمية حتى من محاربة الإرهاب، لأن الفساد كفيل بالقضاء على إمكانيات الدولة وتنميتها المستدامة".
وبنظر الصوري، فأن "إحدى الجهات الكبرى المتعلقة بالتنمية هي المنافذ الحدودية. كما إن تطبيق قانون التعرفة الكَمركَية فيها يؤدي إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، وخلافا لذلك فنحن نكون أمام فوضى"، معتقدا إن "التدخل العسكري مهم لمحاربة الفساد في المنافذ ويجب التعامل معه كإرهاب صريح".
ويضيف الخبير، إن "الشفافية بالنسبة إلى الاستيراد والكمارك غير واضحة، فالتقديرات الحكومية وغيرها تقول أن العراق يستورد سنويا بمقدار 60 – 70 مليار دولار، ولو طبقنا معدل الضريبة عليها والبالغ نسبته 20 في المائة، باستثناء استيراد القطاع الخاص، فيجب أن تدخل إلى خزينة الدولة من هذه العملية 8 مليار دولار، ولكن لم يحدث ذلك، وتحصل خزينة الدولة على 800 أو 850 مليون دولار فقط، كأعلى رقم، أي أن النسبة الأعظم من الواردات تذهب إلى جيوب الفاسدين والعصابات التي تدار بإمرتهم".
ويتابع الخبير "المشكلة ليست في الكمارك وحدها، فهنالك مشاكل في الضرائب والتهرب من دفعها، والحاجة الماسة إلى معالجة السياسة الضريبية والمنافذ الحدودية بشكل عام، وإنفاذ قانون التعرفة الكمركية الذي تم تشريعه وإقراره عام 2010 وإبقائه معطلا إلى الآن"، لافتا إلى إن "الوقت حان لترك الفوضى الاقتصادية التي طبقت لتشويه اقتصاد البلد، والتعطيل للمواد الدستورية وقوانين مجلس النواب والتوجه بشكل وطني يراعي المصلحة العامة".

كل أنواع الفساد في المنافذ

أما عضو مجلس مكافحة الفساد، سعيد ياسين، فيرى إن "المنافذ الحدودية تشهد كل أنواع الفساد التي يمكن للمرء تخيلها، مثل التهرب من الرسوم، وتهريب السلع بلا دفع رسومها، وتغيير جنس البضائع المستوردة لتقليل رسومها أيضا، إضافة إلى أشكال أخرى كثيرة من الفساد".
ياسين يقول أنه "وفق المؤشر الدولي، فأن 80 في المائة من إيرادات الكمارك لا تذهب إلى خزينة الدولة العامة، بينما المؤشر السياسي، ونقلا عن اللجنة المالية النيابية، فيقول أن نسبة 90 في المائة ما يتم نهبه على يد الفساد"، منوها إلى "وجود حرمين في هذه العملية، هما حرم المنافذ الحدودية، وحرم الكمارك، وكلاهما يتضمن عملا ومشاكل كبيرة".
ويضيف قائلا: "الأخبار تتوارد باستمرار بشأن خرق القانون من خلال التلاعب بنوع السلع التي يستوردها العراق، إضافة إلى التهرب الضريبي وعدم استحصال الموافقات وتزويرها وتجارة المواد المخدرة وإدخال الأجهزة والسلع الفاسدة رغم أن المنافذ خاضعة لمؤسسات حكومية كثيرة مثل الزراعة والصناعة والصحة والأمن الوطني وغيرها".

مقترح لإيقاف الفساد

ويدعو عضو مجلس مكافحة الفساد إلى إن "ترجع إدارة المنافذ الحدودية إلى مؤسسة تكون تحت إدارة رئيس مجلس الوزراء، أو إلحاق المنافذ بوزارة الداخلية كما كانت سابقا وتشديد الرقابة عليها. أما الكمارك، فيجب أن تتعرض لمراقبة ومساءلة شديدة لضمان عدم عبور السلع وتهريبها والقيام بإجراءات حسم إيرادات الكمارك".
ويؤكد أن "الأفضل هو أن يتم دفع كمارك السلع المستوردة ورسومها وضريبتها وشهادة جودتها عند عملية التعاقد، حتى تصل هذه السلع إلى الحرم الكمركي وهي مستوفية كافة شروطها، والدولة تكون ضامنة حقوقها كاملة وبعيدا عن يد الفاسدين، فهذا يتلاءم مع معايير منظمة الكمارك العالمية، وهو ذات نتائج ايجابية".

شروط مكملة أخرى

الخبير الأمني، عماد علو، يلفت إلى إن الإجراءات الأمنية وحدها ليست كافية للسيطرة على المنافذ.
ويعتقد علو، إن "الحاجة ماسة إلى تشديد دور الأجهزة الرقابية، وأتمتة عمليات الجباية ودخول البضائع وتنظيم إجازات الاستيراد ومطابقتها مع البضائع الواردة"، داعيا لـ"النظر إلى التجارب العالمية في هذا الموضوع ومواكبة التطور في عمل المنافذ والكمارك".