العوق الفسيولوجي ينجم أما عن تشوه بالولادة او نتيجة حادث في فترة عمرية معينة. هذا العوق، وفي احيان كثيرة، لا يشكل مانعا من أن يصبح الشخص المعوق مجتهدا وصاحب إنجازات مرموقة، وربما يكون مؤثرا في حالات سياسية معينة، وهناك عدد كبير من الامثلة، أسرد هنا مثالا من الجزائر في نهاية سبعينيات القرن الماضي حيث كان هناك طبيب مقعد على كرسي متحرك نتيجة حادث مروري، وكان يشغل هذا الطبيب منصب مدير صحة المدينة التي كنت اعمل فيها. أثناء زيارته أحد المستوصفات الصحية شاهد اهمالا واضحا في المستلزمات الواجب توفيرها للمراجعين الذين كانوا مكتظين في قاعة الانتظار، وصرخ بهم، واقسم باغلظ الايمان، " لو كان عندي ساقان يساعداني على الوقوف لخرجت في تظاهرة ضد هذه المهزلة"، وفعلا خرجت تظاهرة صاخبة في المدينة كان لها الفضل في ايقاد شرارتها!
وفي الدول المتقدمة والتي يشكل فيها الإنسان رأسمالا ثمينا، يمنع فيها السخرية من ذوي الحاجات الخاصة، والقانون لا يتسامح بتجاوزات كهذه. ويعد هذا التجاوز على الإنسان المعوق مثل اي فعل عنصري يحاسب عليه القانون، كما حدث مرة مع وزير فرنسي كان يشحن حقائبه للصعود الى الطائرة، وكان أكثر العاملين من أصول افريقية، فقال الوزير (مع ابتسامة لم تشفع له): "اشعر وكأني في أفريقيا". واحيل بسببها إلى القضاء ونال الجزاء العادل!
بعض العراقيين، للأسف، لا يتورع عن التندر على هذا البصير او هذا القصير أو ذاك الذي فيه عاهة كأن يكون كريم العين أو إحدى يديه أقصر من الأخرى، أو في مشيته بعض من اعوجاج! دون أن ننظر الى مؤهلات، هؤلاء، العلمية أو الأدبية أو الفنية.
لي صديق شاعر من مدينة البرتقال، حيث بساتينها تغفو على نهر ديالى، بينما نهر " خريسان" يرافق أهل المدينة من شرقها إلى بهرزها، كان شاعرا متألقا، وما يزال يشار إليه بالبنان، وكان جنديا خلال الحرب العراقية -الايرانية في احدى الجبهات المتقدمة. يقول صديقي الشاعر: "لم اكن خائفا من الحرب أو من الموت ولكني كنت قلقا من أن تصيبني شظية في إحدى عيني، وهنا سينسون اسمي وبدل من أن يقولوا هذا بيت الشاعر فلان فتراهم يقولون هنا بيت الأعور!
ليس العيب في عاهة جسمانية، بل العيب في طريقة التفكير، فمن يتربى في أحضان الفاشية أو الدكتاتورية، فإنه سيصاب بعاهة فكرية وهذه هي أخطر أنواع العاهات، ولا يمكن الشفاء منها بفترة قياسية. لذلك نحتاج إلى قانون يحمي الإنسان من السخرية والتندر، كحاجتنا لقانون يمنع أية أفكار تشيع الكراهية او تشجع على العنصرية والتطرف القومي او الديني او المذهبي!