بعد مرور ستة وخمسين عاما يقع الثامن من شباط في نفس اليوم، الجمعة، التي نفذ فيها البعثيون - الفاشيون انقلابهم الاسود ليحولوا العراق إلى بركة دم يسبح فيها خيرة أبنائه من كتاب وصحفيين ومثقفين وسياسيين، لا ذنب لهم سوى حلمهم بعراق مستقل متطور يعيش مواطنوه بكرامة وسعادة!
تكالبت الدوائر الاستعمارية آنذاك بالتحالف مع القوى الرجعية في المنطقة على إفشال التجربة الوطنية الوليدة الممثلة بثورة الرابع عشر من تموز 1958, وقيادييها الميامين. وقد وجدت تلك الدوائر ضالتها بفصيل سياسي، لا يختلف كثيرا عن تلك التي اقترفت جرائمها في المانيا النازية أو ايطاليا الفاشية، واضعين خرقاً، على سواعدهم بحرفين: ح.ق اختصارا للحرس القومي، سيئ الصيت، الذي عاث فسادا في طول البلاد وعرضها، طيلة الأشهر المعدودة التي أمسكوا فيها بزمام السلطة، وليفتحوا بذلك باب الاغتيالات والانقلابات المتتالية، حتى استتب لهم الأمر ثانية بعد خمس سنوات ليجلسوا جاثمين على صدر أهل العراق لعقود متواصلة، لم تنجُ فيها عائلة من موت أو جوع أو عوز!
لقد قاد هؤلاء الفاشست العراق من كارثة إلى أخرى فتدهورت في زمنهم كل الأحوال ورأى العراقيون الأهوال!
الأب يسلم ابنه للموت حبا بالوطن! الزوجة تشي بزوجها فيقتل على مذبح حب القائد! فدائيو رأس النظام ينكلون بالنساء دفاعا عن شرف الأمة! والامة تتفرج على وطن يحترق بالكامل عند البوابة الشرقية!
كان انقلاب الثامن من شباط أشبه بفوهة بركان قذف بحممه من نيران هائلة امتدت حرائقها لعقود عديدة. من أية طينة خلق هؤلاء الفاشست؟! ومن جاء بهم ليحكموا العراق طيلة تلك السنين بالحديد والنار؟!
كان سقوط نظامهم المدوي في 2003، ايذانا بطي صفحة لا عودة فيها لنظام الحزب الواحد، سيئ الصيت، أو حكم نظام دكتاتوري يقود القطيع كما يشاء!
وليس غريبا أن يتفق المشرعون في ظل النظام الجديد على منع حزب البعث من العمل وتثبيت ذلك في الدستور. وهذه ليست المرة الأولى في التاريخ التي يمنع فيها حزب من المساهمة في الحياة السياسية أو غيرها من النشاطات. لقد سبقتنا المانيا فمنعت منعا باتا الحزب النازي الذي كان يقوده هتلر. كذلك فعلت ايطاليا حين منعت العمل للحزب الفاشي الذي حكم ايطاليا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ووفقا للدستور العراقي الجديد فانه يجب أن يعاقب بأشد العقوبات كل من يعمل على إعادة تنظيم "البعث" أو يروج لافكاره العنصرية، لانه ببساطة داء خبيث، وما من طريقة للخلاص من هذا الداء إلا الكي!

عرض مقالات: