في العديد من مواد الدستور العراقي نصوص تؤكد مسؤولية الدولة عن توفير الخدمات الضرورية لمواطنيها، دون استثناء او تمييز بسبب الدين او الطائفة او العشيرة او المكانة الاجتماعية. ومن بين هذه الخدمات توفير السكن اللائق لهم، سواء ببناء مساكن واطئة الكلفة وتوزيعها على المحتاجين فعلاً، او بتوزيع اراضٍ بمساحات ملائمة، وتقديم قروض ميسرة تساعدهم على بناء بيوت تؤويهم وتجنبهم الضياع او الوقوع تحت رحمة المؤجرين وجشعهم.
بيد ان الدولة تكاد تكون عاجزة عن القيام بهذه المهمة والواجب الوطني، بسبب عدم وجود رؤية واضحة، او استراتيجية قادرة على النهوض بهذا القطاع المهم جداً، كما هو الحال في بقية القطاعات الانتاجية والخدمية، بالاضافة الى الفساد المستشري في هذا القطاع وغيره، ما ادى الى تلكؤ العمل فيه، بحيث لا يمكن مقارنته حتى بسير السلحفاة.
كل المسؤولين والمواطنين العاديين، يعرفون جيداً، ان ازمة السكن في العراق خانقة، والحاجة الآنية تقدر بمليوني وحدة سكنية وربما اكثر في وقت يتمتع فيه المتنفذون بالمئات، بل الآلاف من الفلل والبيوت الراقية التي كانت مغتصبة في ايام النظام السابق، فأعادوا اغتصابها، ولم يعيدوها للدولة او للشعب الذي هو لا غيره صاحب الحق فيها.
كما اشترى الكثير منهم بسعر التراب عمارات وعقارات ضخمة، مستغلين مواقعهم الوظيفية والسياسية والاجتماعية، وتقاسموا الاراضي ذات المساحات الواسعة في ما بينهم، وفي أرقى مناطق العاصمة والمحافظات الاخرى. بل ان بعضهم استولوا على اراضٍ شاسعة في مناطق حيوية لا علاقة لهم بها، ولا يمتلكون أية صفة او وثيقة قانونية تثبت عائديتها لهم. ثم باعوها بأسعار باهظة، وصاروا بفضلها من اصحاب الملايين، دع عنك الاستيلاء على املاك المسيحيين والصابئة وغيرهم من اقليات شعبنا الاصيلة، بالتزوير تارة، وبالتهديد تارة اخرى.
وقد استُغلت حاجة الناس الملحة للسكن والاستقرار في الانتخابات ايضاً، فوزعت سندات ملكية اراضٍ اتضح فيما بعد انها غير موجودة اصلاً، مقابل التصويت لصالح احد رؤوساء الكتل، فاستحق موزعها لقب الدجال، وأبي مُرة العصر.
لهذه الاسباب مجتمعة، انتشرت العشوائيات انتشار الفطر، مشكّلة حزام البؤس والفقر المدقع، واحياء الصفيح التي لا تصلح لسكنى البشر.
وبدلاً من معالجة هذه المشكلة الخطيرة، والبحث عن حلول واقعية، تعطي لكل ذي حق حقه، وخاصة للمسحوقين والمعدمين من سكنة هذه الجحور، تلجأ السلطات البلدية والجهات الرسمية الى الحل "الاسهل" وهو هدمها، وتشريد سكانها، او توجه لهم انذارات لاتكفيهم لجمع اثاثهم الفقير، كما حصل في مرات كثيرة، وآخرها في بعض مناطق الدورة، وفي احدى العمارات السكنية في كرادة حارج، دون اية اعتبارات انسانية، او شعور بالمسؤولية ودون تعويضات مالية، او قطع اراضٍ صغيرة يستطيعون تشييد سقف عليها. فضلا عن وجود الآلاف من البيوت والعمارات المهجورة التي يمكن اصلاحها بسهولة وتوزيعها وتأجيرها او بيعها اليهم بأسعار مناسبة، مما يعمق الهوة بين المواطن والدولة، في وقت يحتاج العراق الى ردمها بأسرع ما يمكن، لئلا تكون العواقب وخيمة وكارثية.

عرض مقالات: