لعبت الارستقراطية في بداية الدولة العراقية دورا رئيسا في تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، وكانت القوى الاجتماعية الأكثر وعيا سياسيا بفعل عملها الاداري وارتباطاتها السياسية مع الوالي العثماني، وفيما بعد مع الاستعمار البريطاني وسلطة الانتداب، وتنحدر غالبيتهم من الأصول التركية، وقد منحتهم الخلافة العثمانية أملاكا وأراضي لخدماتهم وإخلاصهم للوالي والخليفة العثماني.                                

إن أول قانون للأحزاب السياسية صدر في عام 1922 بعد عامين من تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وكان أول الأحزاب هو حزب الحرية الذي أسسه عودة النقيب وحزب الأمة الذي أسسه ياسين ألهاشمي، وعندما بدأت الحياة البرلمانية في عام 1924، تشكلت أحزاب عديدة ممثلة الأغلبية الحاكمة وأحزاب اخرى معارضة، أمثال حزب الشعب (ياسين الهاشمي) وحزب التقدم (عبد المحسن السعدون)، وحزب العهد (نوري السعيد) وحزب الاخاء (رشيد عالي الكيلاني). ومع التغييرات الفارقة التي أحدثها الاستعمار في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تأسست فيما بعد أحزاب للبرجوازية الوطنية ذات نزعة ليبرالية مثل الحزب الوطني برئاسة جعفر ابو التمن كما أسس الحزب الشيوعي في عام ١٩٣٤، وأحزاب يسارية أخرى، ومنها   حزب الشعب والاتحاد الوطني والتحرر الوطني في الاربعينات، وفيما بعد تأسست الاحزاب القومية والأحزاب الإسلامية.

واصدرت الجمهورية العراقية قانون الجمعيات العراقية رقم (١) لعام 1960، وكذلك صدر قانون الاحزاب لعام 1991 رقم (30)، وأمر سلطة الائتلاف رقم (97) لعام 2004، ومن ثم قانون الاحزاب رقم 39 لعام 2015، وقد أعتمد المشرعون في صياغته على، المادة 61، البند اولا، والمادة 73، البند الثالث، والمادة 39 أولا من الدستور العراقي النافذ.

 وقد حدد المشرعون الهدف من القانون في المادة 3، وجاءت فيها ثلاث قضايا وهي،

1- تنظيم الأحكام والإجراءات المتعلقة بتأسيس الأحزاب أو التنظيمات السياسية وأنشطتها.

2- تحقيق مبدأ التعددية السياسية، والحزب أو التنظيم السياسي القائم على الشرعية الدستورية.  

3-: ضمان حرية المواطنين في تأسيس الاحزاب أو التنظيمات السياسية والانضمام إليها أو الانسحاب منها.

مفهوم الحزب السياسي:

وتناول القانون تعريف الحزب في الفصل الأول، تحت عنوان السريان والتعريف والأهداف، في المادة 2، أولا: (هو مجموعة من المواطنين منظمة تحت أي مسمى على أساس مبادئ وأهداف ورؤى مشتركة تسعى للوصول الى السلطة لتحقيق أهدافها بطرق ديمقراطية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين النافذة)، وجاء في المادة (١) من قانون 30 لسنة 1991 أن (الحزب تنظيم سياسي يتكون من اشخاص تجمعهم مبادئ وأهداف مشتركة ومنهاج معلن ومحدد، ويعمل الحزب بوسائل مشروعة وسلمية وديمقراطية في إطار النظام الجمهوري طبقا للدستور والقانون).

يختلف تعريف الحزب باختلاف الأيديولوجية والافكار الفلسفية التي ينتمي اليها، ففي تعريف الحزب في المفهوم البرجوازي الليبرالي، والذي تناوله العديد من المفكرين والباحثين، فنجد أن دزرائلي يرى أن الحزب السياسي "مجموعة من الأفراد يجمعهم الإيمان والالتزام بفكر".

أما هارولد لاسويل فيرى أن الحزب تنظيم يقدم مرشحين باسمه في الانتخابات. وقريباً من هذا التعريف نرى شلزنجر يحدد مفهوم الحزب في مظهر واحد من مظاهره وهو هدف الوصول الى السلطة ويعتبره تنظيماً يسعى للوصول إلى السلطة في الأنظمة ألديمقراطية. ويرى جيمس كولمان أن الحزب له صفة التنظيم الرسمي هدفه الصريح والمعلن هو الوصول إلى الحكم إما منفرداً أو مؤتلفاً مع أحزاب أخرى.

 اما ماكس فيبر فيقول إن: اصطلاح الحزب يستخدم للدلالة على علاقات اجتماعية تنظيمية تقوم على أساس من الانتماء الحر، والهدف هو إعطاء رؤساء الأحزاب سلطة داخل الجماعة التنظيمية من أجل تحقيق هدف معين أو الحصول على مزايا عادية للأعضاء.

وينظر صاموئيل هنتجنتون الى الحزب باعتباره مؤسسة سياسية تملك اربعة معاير هي المرونة أو القدرة على التكيف، الاستقلالية، التعقيد التنظيمي الوظيفي، والتماسك الداخلي.

والحزب من وجهة النظر الماركسية هو تنظيم سياسي اجتماعي طبقي، وهو طليعة الطبقة العاملة وحلفائها من الفلاحين والشغيلة والكادحين والمثقفين الثوريين، ولا وجود لحزب سياسي من دون أساس طبقي.

ويورد الحزب الشيوعي العراقي في المادة (1): من النظام الداخلي (الحزب الشيوعي العراقي اتحاد طوعي لمواطنات ومواطنين يجمعهم الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين والجماهير الكادحة وعن الحقوق والمطالب الوطنية لسائر فئات الشعب، والكفاح من أجل تأمين التطور الديمقراطي الحر والمستقل للبلاد، ولتحقيق التحولات الاجتماعية وصولاً إلى بناء الاشتراكية فيها).

يرد في قانون الأحزاب رقم 39 في المادة 6- يعتمد الحزب الآليات الديمقراطية لاختيار القيادات الحزبية. دون الدخول في تفاصيل هذه الآلية، ولكننا نحاول هنا ان نبين ماهي مفردات هذه الآلية والتي يقف في مقدمتها:

1-عقد مؤتمر للحزب يتم فيه اقرار الوثيقة البرنامجية، والقانون الداخلي للحزب، وانتخاب قيادته بشكل ديمقراطي.

2- انتخاب اللجنة المنظمة لشؤون الحزب المالية وجهاز الرقابة الحزبية.

ان آلية الديمقراطية في العمل الحزبي تساهم في تكوين رؤية سياسية ذات ابعاد فكرية فلسفية تتجسد في الوثيقة البرنامجية للحزب، ولا يمكن أن ينفذ الحزب خططه وبرامجه من دون تنظيم محلي ووطني مبني على اساس المواطنة، وأن يتمتع الحزب في التأييد الشعبي والجماهيري للوصول الى السلطة السياسية عبر التداول السلمي للسلطة بصورة منفردة أو عبر إقامة التحالفات السياسية.

حينما نطالع هذه المادة وما يترتب عليها نرى أن الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية الموجودة على الساحة السياسية هي بعيدة كل البعد عن تطبيق ذلك في حياتها الداخلية ونسبة غير قليلة منها لم تعقد مؤتمراتها ولم تنتخب قياداتها ولم تقم تنظيماتها على أساس المواطنة، ويتعارض البعض منها مع المادة الخامسة، (ثانيا: لا يجوز تأسيس الحزب على أساس العنصرية والإرهاب والتكفير والتعصب الطائفي أو العرقي أو القومي).

وجاء في الفصل الثالث من القانون في المادة 8 /ثالثاً: ألا يكون تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية أو شبه ألعسكرية كما لا يجوز الارتباط بأية قوة مسلحة. هذه المادة لم يجر الالتزام بها في الواقع العملي، فهناك العديد من الجهات والاحزاب السياسية تعلن بشكل علني امتلاكها او ارتباطها وعلاقاتها مع المليشيات المسلحة او التنظيمات العسكرية والشبه عسكرية.

 أما في رابعاً من المادة ٨ فجاء ما يلي: أن لا يكون من بين مؤسسي الحزب أو قياداته أو أعضائه من ثبت بحكم بات قيامه بالدعوة أو المشاركة للترويج بأية طريقة من طرق العلانية لأفكار تتعارض مع احكام الدستور. وهنا تتعارض هذه المادة من قانون الاحزاب مع الدستور العراقي الذي يضمن حرية الرأي والمعتقد، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو كان سكرتير الحزب المعين لا يؤمن بالنظام البرلماني ويناضل لاستبداله بالنظام الرئاسي، هل يجري تجريمه؟!

- المادة 12/ ثانيا، تعتبر اثقالا لكاهل الاحزاب الجديدة برسوم باهظة يراد منها منع قيام أحزاب جديدة منافسة لأحزاب المحاصصة الطائفية وتنص (ثانياً: تستحصل دائرة الاحزاب او تنظيمات سياسية رسـم تسجيل قدره (25000000) خمسة وعشرون مليون دينار).

- المادة -17- أولاً: تستحدث دائرة تسـمى (دائرة شؤون الأحزاب أو تنظيمات سياسية) ضمن الهيكل التنظيمي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وترتبط بمجلس المفوضين.. ولكن الاجدى ان ترتبط في البرلمان مباشرة.

- المادة -22-: ثانياً: يكون رئيس تحرير صحيفة أو مجلة الحزب هو المسؤول عما ينشر فيهما. هنا يقع القانون في تقاطع مع حرية التعبير وتحميل صاحب المقال والدراسة والبحث مسئولية آرائه وأفكاره.

في الفصل السابع /المادة 32، رابعاً: تفصل محكمة الموضوع في الطلب المقدم وفقا للفقرات أعلاه من هذه المادة خلال (30) ثلاثين يوماً من تأريخ تقديمه ويكون قرار محكمة الموضوع قابلا للطعن أمام المحكمة الاتحادية. إن الطعن امام المحكمة الاتحادية غير ممكن لأنها غير محكمة اختصاص ولا يوجد في قانونها مادة قانونية تسمح بذلك. ويتناقض مع قانون المفوضية رقم 11 لسنة 2007 والذي يعتبر قرارات مجلس المفوضين قطعية ونهائية وغير قابلة للطعن، وورد في المادة 8 (رابعا: لا يجوز استئناف قرارات المجلس النهائية الا امام الهيئة القضائية للانتخابات. وسابعا: قرارات الهيئة القضائية للانتخابات نهائية وغير قابلة للطعن بأي شكل من الاشكال.

تناول القانون في المادة - 33- مصادر تمويل الحزب والتي تعتمد على: اشتراكات أعضائه، التبرعات والمنح الداخلية، عوائد استثمار أمواله وفقا لهذا القانون، الإعانات المالية من الموازنة العامة للدولة بموجب المعايير الواردة في هذا القانون. ولكن الذي يدرس واقع الساحة السياسية العراقية يرى أن القوى المتنفذة تملك مليارات الدولارات، والشركات والعقارات والمؤسسات التجارية والمصرفية، ولم تخضع للرقابة المالية ولقانون الضرائب وغير معلومة المصدر، وهذا يتناقض مع المادة 33.

كما جاء في الفصل السابع، المادة 44 (تتولى دائرة الاحزاب توزيع المبلغ الكلي للإعانة المالية على الاحزاب وفقاً للنسب الآتية:

أولاً: (20 في المائة) عشرون بالمائة بالتساوي على الاحزاب المسجلة وفق أحكام هذا القانون.

ثانياً: (80 في المائة) ثمانون بالمائة على الاحزاب الممثلة في مجلس النواب وفقاً لعدد المقاعد التي حاز عليها مرشحها في الانتخابات النيابية.

وكان على القانون الاستفادة من التجربة الالمانية التي منحت الاعانة وفق نسبة الاصوات التي تم الحصول عليها على الصعيد المحلي والوطني.

كما ان الاحكام الجزائية الواردة في القانون من المادة 46 حتى المادة 55، تطرح تساؤلات عديدة حول كيفت تطبيقها على احزاب ومنظمات تعلن دون لبس تبعيتها وولائها لجهات أجنبية وترتبط نشاطاتها وأعمالها مع الدوائر الاجنبية، وتتلقى وترسل وتدعم اعمالا عسكرية وشبه عسكرية، بينما هذه القوى والأحزاب لها حضورها السياسي العلني وتمثيلها البرلماني!

عرض مقالات: