كم هي المواقف التي صنعتها أجهزة المخابرات الاجنبية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ضد الأحزاب الشيوعية، وللأحزاب الشيوعية في البلدان العربية العربية بالذات من أن الشيوعيين ضد القضية الفلسطينية، وأنهم يتبعون الاتحاد السوفيتي الذي وافق على قرار التقسيم الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وظل انذاك القوميون والبعثيون ومن بعدهم جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم  يطبلون ويكيلون التهم المدفوعة الثمن من قبل المخابرات الاجنبية وخاصة جهاز ال أم أي 6، ( جهاز المخابرات البريطاني) ضد توجه الأحزاب الشيوعية العقلاني القائم آنذاك على ضرورة الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية، بموجب البند أولا من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي جاء تحت عنوان دستور فلسطين وحكومتها المستقلة، وحسبما ورد في الفقرة الثالثة منه تنشأ في فلسطين دولتان؛ دولة فلسطين ودولة إسرائيل.

 وقد كان الاتحاد السوفيتي آنذاك يعمل على إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي العربية خشية منه على مصالح العرب الفلسطينيين من أن تكون تحت رحمة إسرائيل وصانعيها من الدول الامبريالية، وقد كانت توقعات السوفييت مبنية على معلومات تؤكد ان هموم الصهاينة هي الاستيلاء على كامل الأراضي الفلسطينية، وأن اقامة الدولة الفلسطينية واستحصال الاعتراف الدولي بها وادخالها في عضوية المنظمة الدولية (الامم المتحدة) سيعمل على توقف المشاريع الصهيونية من جهة كون الأراضي الفلسطينية تعود إلى دولة مستقلة لها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وأن الاتحاد السوفيتي كان مستعدا لبناء الأسس التحتية لدولة فلسطين الوليدة ، غير ان الفلسطينيين ومن وراءهم أغلب الدول العربية رفضوا إقامة الدولة وأصروا على المقاومة فكانت حرب  1948 بين العرب وإسرائيل التي خسرها العرب “بمساعدة بريطانيا”،  ومن بعدها حرب 1967، والتي خسر أيضا فيها العرب بمساعدة الولايات المتحدة، وفي كل هذه الصراعات والحروب كانت الأحزاب الشيوعية  في البلدان العربية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي تقف إلى جانب العرب الفلسطينيين من أجل إقامة دولتهم المستقلة وفق بعد نظر استراتيجي مفاده أقم الدولة وتحصن بداخلها وكافح  بدلا من ان تكون مفتوحا أمام إسرائيل وهي تحتويك كجزء منها وتجعلك “ إرهابيا” متمردا عليها.

 واليوم وبعد أن تحققت توقعات تلك الاحزاب تنكرت إسرائيل لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية وأخذت تقضم الأراضي الفلسطينية جزءا بعد جزء، وإنها لم تعد تعترف بدولة فلسطين على الأراضي المحتلة في الخامس من  حزيران عام 1967 أو بالقدس الشرقية عاصمة لها وفق قرارات الشرعية الدولية، وقد شجعت إدارة الرئيس ترامب إسرائيل على ضم القدس لها ونقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى هذه المدينة العربية، وشجعت الغير أيضا على نقل سفارته اليها، وإنها تنكرت حتى لمقررات اتفاقات  أوسلو لعام 1993، أو 1995أو مباحثات كامب ديفيد وغيرها من جولات التباحث بشأن مستقبل هذه القضية ومراحل إقامة الدولة الفلسطينية، وقد كان لموقف الدول العربية وتطبيع كل من مصر والأردن وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أن تمادت هذه الدولة بالعدوان على الفلسطينيين والعرب حتى قامت دون وجه حق بضم الجولان الى كيانها بتأييد امريكي وقح، عندما أعلنت ان هضبة الجولان هي جزء من اراضي دولة يهودا، ورغم كل ما تقدم، نجد اليوم الدبلوماسية العربية تلهث بالمجان للتطبيع مع اسرائيل دون ان تضع مكسبا واحدا يخدم القضية الفلسطينية، وهكذا بادرت دولة الإمارات للتطبيع متحججة بانها استحصلت موافقة إسرائيل بعدم ضم المزيد من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغور الاردن، وقد نفى نتنياهو هذا التوجه، ولحقت بركب التطبيع كذلك البحرين دون أي مكسب لعرب الضفة الغربية أو قطاع غزة، وآخرها جنرالات السودان راحوا راكضين نحو إسرائيل مقابل فتات من المكاسب وتحت الضغوط الأمريكية، وقد وقف الحزب الشيوعي السوداني الموقف المبدئي إزاء حق الشعب الفلسطيني، وكان معبرا بحق عن تطلعات الشعب السوداني نحو دولة تضمن حق الشعب الفلسطيني المظلوم، ووقف الحزب الشيوعي العراقي موقفا مبدئيا تجاه القضية أمام تراجع العرب في بيان  لمكتبه السياسي تحت عنوان اتفاق تطبيع مذل مع اسرائيل، وكذا جاءت إدانة الحزب الشيوعي المصري، وكذا فعل الكثير من الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط والعالم. 

إن الأحزاب الشيوعية من خلال إيمانها المطلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها إنما تنطلق من افكارها القائمة على الصراع مع قوى الرأسمال العالمي ودولها التي باتت دولا امبريالية تسيطر على حركتها ورساميلها الصهيونية العالمية، وأن هذه الاحزاب منذ نشأتها الأولى كانت تقود شعوبها بوعي وعقل متفتح، وهذا  ما لم  تدركه الاحزاب القومية أو التي تتخذ من الدين غطاء لتحركها السياسي،  لأن الاحزاب الشيوعية هي احزاب تؤمن بالوطن الواحد المتعالي على الجزئيات المفرقة، وأنها وفق هذا المنطق تنظر إلى الشعب الفلسطيني  كونه ضحية من ضحايا الصهيونية العالمية المعادية لحق الفلسطينيين، وأن اللهاث العربي وراء التطبيع سوف لن يضيع فقط حق الشعب الفلسطيني وانما حق العرب في هضبة الجولان وربما أراض عربية أخرى تراها إسرائيل أنها تقع ضمن أراضي دولتها الكبرى .