كانت لي محاولة سابقة في التعرّف على موقف كارل ماركس من التأمين ضمن دراسة مكانة مؤسسة التأمين لدى بعض الاقتصاديين السياسيين الكلاسيكيين.   تمرُّ هذه السنة الذكرى المائتين لميلاد فردريك إنجلز (18 تشرين الثاني 1820-5 آب 1895)، رفيق ماركس، ووجدتها فرصة مناسبة للبحث عن مدى حضور التأمين في كتاباته، واستعنت بهذا الشأن بما هو متوفر في الإنترنت.

قد يثار السؤال لماذا هذا الاهتمام إن كان إنجلز قد كتب أو لم يكتب عن التأمين؟  لأن رفيقه ماركس كتب عن التأمين، ولأنه كان على اطلاع بكتابات ماركس لا بل أنه حرر وأعد للنشر الجزئين الثاني والثالث من رأس المال، ولأنه لم يكن بعيدًا عن عالم الصناعة والتجارة والمال.

عمل أنجلز لفترات متقطعة في مصنع للغزل والنسيج في مانشستر يعود لوالده وشريكه Ermen & Engels، ولكن بحثي المحدود لم يدلني على معلومات تفيد بأن إنجلز أشار إلى تأمين هذا المصنع من عدمه.  كما أن كتابه حالة الطبقة العاملة في انجلترا The Condition of the Working Class in England الذي كتبه سنة 1844 (نشرت ترجمته الإنجليزية سنة 1892) لم يضم إشارة للتأمين، كذلك كتبه الأخرى، ولم يتسنَ لي الاطلاع على رسائله التي ربما تأتي على ذكر التأمين.  وليس هذا مستغربًا في زمن لم يكن يعرف بعد تحديدًا لساعات العمل، والحق في الإضراب، وأي تأمين من إصابات العمل والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي والتقاعد والسكن اللائق، والمنافع الأخرى المرتبطة بدولة الرفاه الحديثة.

أفترض بأن إنجلز كان على علم بمؤسسة التأمين إلا أنه لم يعرها اهتمامًا في كتاباته.  هذا الافتراض يجد تأييدًا له في رسالة له مرسلة من لندن تحمل تاريخ 2-3 تشرين الثاني 1882 إلى إدوارد برنشتين (1850-1932) حيث كتب

[استلمت] من [أوغست] بيبل [1840-1913] مشروع قانون الحوادث والتأمين الصحي لسنة 1882، ولكن ليس القانون السابق الذي يمثل اشتراكية بسماركية حقيقية، الخالية من الانقسامات البرلمانية.  أود جدًا الحصول عليه، ربما، إلى جانب أمور أخرى تتعلق ببنك التأمين من الحوادث؛ فبدونه لا أستطيع فعل شيء.

يدلّ هذا المقتطف من رسالته أنه كان متابعًا للتشريعات الألمانية في مجال الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وتعويض إصابات العمل.  وقد كتبت في سياق آخر أن الأمير أوتو فون بسمارك (1815-1898) مستشار ألمانيا قد دشن إدخال الأشكال الأولى للضمان الاجتماعي سنة 1884.  وكان ذلك بعد انتخاب عدد من أعضاء الحزب الاجتماعي الديمقراطي كنواب في الرايخشتاغ الألماني وشيوع الأفكار الاشتراكية والتزايد المستمر في عضوية الحزب.  كانت سياسة الإصلاح الاجتماعي الذي تبعه بسمارك، بعد فترة قمع قانوني شرس للحركة الاشتراكية سنة 1878، محاولة ناجحة لإرضاء بعض مطالب الطبقة العاملة وكبح تطور الفكر والحركة الاشتراكية.  وما ساعده في ذلك وجود مدرسة "اشتراكية الدولة" التي كانت تنادي بدور اجتماعي موسع للدولة وخاصة تجاه الطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمحتاجة ومن مفكريها الاقتصادي يوهان كارل رودبيرتس (1805-1875).  وقد شمل نظام التأمين الاجتماعي الألماني التأمين ضد المرض والتأمين ضد حوادث العمل، والتأمين ضد العجز والشيخوخة.  وأدخلت تشريعات لاحقة للتأمين الطبي الخاص بالأمومة، والتأمين ضد البطالة (1929).

وتجد معرفة إنجلز بالتأمين ما يؤيدها من خلال مساعداته المالية لماركس وعائلته.  نقرأ في سيرة إنجلز أنه كان يساعد في إطفاء ما كان يقترضه ماركس من شركات التأمين.  ففي سنة 1867 اقترض ماركس مبلغ 167 جنيه استرليني من شركة تأمين وقام إنجلز بإطفاء هذا الدين.   ونقرأ في كتاب حول سيرة ماركس أن إنجلز اقترح على ماركس للخروج من ضائقته المالية أخذ قرض من شركة تأمين.   ونقرأ في نفس الكتاب أن إنجلز كان أشبه ما يكون بعميل سري يعمل وراء خطوط العدو، ويرسل لماركس ما أسماها الكاتب بتفاصيل سرية حول تجارة القطن، وملاحظات حول حالة الأسواق الدولية من موقف الخبير العالم.

إن سكوت إنجلز مقارنة بغزارة ما كتبه رفيقه ماركس عن التأمين يبدو مستغربًا فقد كان إنجلز صاحب اهتمامات مختلفة وفي مجالات عديدة، وعلى معرفة وثيقة بالصناعة، والتجارة الدولية، والاستثمار في الأوراق المالية.

آمل أن تفتح هذه المقالة القصيرة شهية المهتمين لبحث الموضوع، وأتمنى على من هم أعرف بكتابات إنجلز تنبيهي إلى ما يرد فيها من إشارات إلى التأمين لإكمال النقص في هذه المقالة.

12 تشرين الثاني 2020

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   1نشرت الدراسة أصلًا تحت عنوان "استخدام التأمين في الكتابات الاقتصادية الكلاسيكية: آدم سميث وكارل ماركس" الثقافة الجديدة، العدد 340-341، 2010، ص26-37.  وقمت بعد ذلك بتوسيعها لتكون فصلًا بعنوان "كارل ماركس والتأمين" في كتابي المعروض الآن للنشر تحت عنوان التأمين في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وهو عنوان مفرط في الطموح.

2https://marxists.catbull.com/archive/marx/works/1882/letters/82_11_02.htm

3مصباح كمال، الاحزاب العراقية والتأمين: قراءة أولية في موضوعة حضور وغياب التأمين: الحزب الشيوعي العراقي نموذجاً (مكتبة التأمين العراقي، 2016)، ص 22.

الكتاب متوفر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/09/Iraqi-Political-Parties-and-Insurance-The-Communist-Party-as-a-Model.pdf

4 William Otto Henderson, The Life of Fredrich Engels, Volume 1, (London: Routledge 1976), p224

https://books.google.co.uk/books?id=4eYXc1B1vPoC&pg=PA224&lpg=PA224&dq=friedrich+engels+and+insurance&source=bl&ots=DG7Gglb7IJ&sig=ACfU3U1aFaHPl097IYLJc8wE75H2L5dlpw&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiS0JH1y_bsAhVFyxoKHeu8BUE4KBDoATAGegQIAhAC#v=onepage&q=friedrich%20engels%20and%20insurance&f=false

5 Francis Wheen, Karl Marx (London: Fourth Estate, 1999), p 185.

لا يذكر المؤلف تفاصيل ترتيب هذا القرض من A People’s Provident Assurance Society

6Wheen, op. cit., p 160.

7https://www.independent.co.uk/news/world/when-marx-played-in-a-capital-venture-1550195.html

عرض مقالات: