ليس من السهل الحديث عن الكاتب والصحفي والإنسان والمناضل ابو ڱاطع الذي أثار جدلا حول اسلوبه وطريقته في الكتابة والتي تمثل امتدادا للكتابة الشعبية الساخرة والواعية لمغزى معالجاتها السياسية والاجتماعية من خلال استخدام اللغة الشعبية الدارجة والحسجة الجنوبية المدعمة بالأمثال والحكم والأشعار والحكايات، و الذي يحاول الربط فيها بين الماضي والحاضر والبوح عن المستقبل من خلال طلاسم الماضي عبر مفاتيح اللغة الشعبية الجميلة.
لم تكن عصية على ابو گاطع تلك الاستخدامات اللغوية الغزيرة بالمعاني والتي جعل منها لغته السردية في رباعيته التي تحمل مفاتن الريف بكل ما تعنيه الكلمات والصور السردية من معنى، كيف ان لا يكون ذلك وشمران محسن يوسف الياسري، المكنى ابو گاطع وهو المولود عام 1926 في قرية محريجه في غرب الكوت من اسرة فلاحية متوسطة الحال و تحتل مكانة دينية واجتماعية في القرية وفي منطقة البتراء غرب الكوت، عموما وبفعل الانتماء العائلي تعلم القراءة والكتابة في الكتاب (الملا)، وسهل له التعليم وحبه للإطلاع والمتابعة الاحتكاك بالمعلمين والمثقفين من ابناء المدينة، و تأثر بهم وبثقافتهم والذي أسهم في انتمائه الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي الذي كان نشطا في الفرات الاوسط ، وكان عام 1953، هو عام التجربة الأولى للعمل الصحفي للفلاح المثقف ابو ڱاطع بإصداره جريدة (صوت الفلاح ) بخط اليد، ومن ثم انتقاله الى بغداد بعد ثورة تموز 1958 للعمل في الاذاعة وتقديم برنامجه الاذاعي (أحجيها بصراحة يابو گاطع ) وعمله في جريدة اتحاد الشعب لسان حال الحزب الشيوعي العراقي وكتابة عمود بصراحة ابو گاطع، كما عمل في جريدة البلاد وصوت الأحرار والحضارة في عام 1958 .
وقد تم سجنه لمدة عام لتوقيعه عريضة تطالب بالسلم في كوردستان، 1962 ولم يتم اطلاق سراحه إلا قبل عدة اسابيع من انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963، وقد نجا من الموت بأعجوبة و تخفى عدة شهور في بيت أحد أعمامه في بغداد، ليلتحق فيما بعد برفاقه في الفرات الاوسط ويعمل مع رفاقه لإعادة التنظيم الحزبي رغم ﺍلإﻧﻘﻼﺏ ﺍﻟﺪموي الذي راح ضحيته آلاف الشيوعيين والديمقراطيين وأنصارهم وأصدقائهم وفي مقدمتهم قيادة الحزب (سلام عادل ، جمال الحيدري والعبلي )، وظل يعمل متخفيا ﻓﻲ ﺭﻳﻒ ﺍﻟﻜﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻲ ﻭﺍﻟﻨﺎﺻﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ ﻣﻊ العديد من رفاقه الشجعان من امثال ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﺍﻟﺒﻄﻞ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻴﺴﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺍﺣﻤﺪ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪﻱ ﻭﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻋﺒﺎﺱ ﺳﺎﺟﺖ ﺍﺑﻮ ﻣﺎﺟﺪﺓ ﻭ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﺻﺎﻓﻲ ﻣﺠﻠﻲ ﺍﺑﻮ ﻓﻬﺪ ﻭﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﺳﻴﺪ ﺧﻀﺮ ﺍﻟﺰﺍﻣﻠﻲ ﺍﺑﻮ ﺟﻼﻝ والرفيق ﻛﺮﻳﻢ ﻏﻮﻳﻠﻲ ﺍﺑﻮ ﻋﺰﻳﺰ .
وساهم ايضا بإصدار جريدة الحقائق السرية الصادرة في منطقة الفرات الأوسط في اواسط الستينات، حيث ساهمت تلك التجربة في سد الفراغ الذي خلفه تعذر اصدار جريدة الحزب المركزية طريق الشعب نتيجة الظروف القاسية التي خلفها انقلاب شباط الفاشي.
عمل شمران الياسري في الثقافة الجديدة والفكر الجديد والتآخي وطريق الشعب في السبعينات، وكان له في طريق الشعب عموده الثابت (بصراحة ابو ڱاطع)، الذي أرعب البعثيين وجعلهم يطالبون الحزب بإبعاده ومن ثم تدبير له تهم تهريب السلاح وتنظيم خلايا شيوعية في الجيش والتي تعني الحكم بالإعدام، مما أضطر لمغادرة العراق والبقاء خارج الوطن الى حين استشهاده في حادث مدبر في 17 اب 1981 في وهو في طريقه لزيارة ابنه جبران في هنغاريا، ليودعه للالتحاق في كوردستان العراق.
كتب شمران الياسري رباعيته (الزناد، غنم الشيوخ، بلابوش دنيا، افلوس أحميد) على ضوء الفانوس في فترة اختفائه في ارياف منطقة الفرات الاوسط اواسط الستينات، وقدمها الى وزارة الاعلام العراقية التي رفضت عبر لجنة التعضيد في الوزارة واعتذرت عن طبعها بحجة عدم صلاحيتها للنشر، مما اضطره على طبعها في مطابع الثقافة الجديدة عام 1972 وعلى حسابه الخاص عبر الشراء والاكتتاب المسبق، وكانت هذه التجربة من اوائل التجارب في بيع كتاب قبل ان يطبع وينشر.
لم يمنح الكاتب شمران الياسري مساحة واسعة وحيزا وافرا في ميدان النقد الادبي، ولم تحظ تجربته الصحفية والأدبية باهتمام النقاد والأوساط الادبية، بالرغم من ان ابو گاطع يعتبر امتدادا أصيلا لرواد الكتابة الشعبية الساخرة والفكاهية في العراق، ويعتبر واحدا من أبرع كتابها وأدبائها في السبعينات.
يذهب بعض النقاد الى اعتبار رباعية ابو گاطع غير مستوفية لشروط السرد الروائي من جوانب جمالية اللغة والحبكة والتسلسل الزمني المتوالي والمتقاطع، ويغلب عليها الطابع الصحفي، ولكن الذي يقرأ الرباعية بأجزائها الأربعة يرى أن الكاتب قد جسد التسلسل الزمني للرواية عبر السرد الروائي، فكانت رواية الزناد تتحدث عن فشل ثورة العشرين من خلال تذكر احداثها من قبل الشاعر حسين والذي تذكر ابن مهلهل الذي عقل ركبته مع شباب القرية وهم يقاومون الانكليز، لينشد الشاعر حسين احدى اهزوجات ثورة العشرين وهو يعيد شريط ذكرياته في مضيف الشيخ سعدون ابن مهلهل .
اگلن ݪڇ يجامعة الحسن عيناڇ
فن كوكز وديلي بعسكره يدناڇ
كون اهلڇ جفوڇ احنا بطرب جيناڇ
خل يمن گلبچ يرععه
اما في الجزء الثاني من الرباعية (بلا بوش دنيا) فكتب شمران الياسري عن المعركة بين الجيش الانكليزي والجيش العراقي في1 أيار 1941 بعد انقلاب بكر صدقي، حيث نقل الشيخ فالح ابن مهلهل الراديو الى المضيف ليشبع فضول الفلاحين لسماع الاخبار، ولسماع برقية فالح ابن مهلهل الى رئيس الوزراء متوعدا حصد الانكليز بالمناجل.
وفي ص41 من رواية بلا بوش دنيا تحدث خلف الدواح عن مخاوفه بقتل ولده فرهود في حرب فلسطين 1948، وكذلك الرسالة الواردة الى ملا نعمة ابن حسين من صديقه مهدي المعلم في 4ايلول 1953 والتي تناول فيها مذبحة سجن بغداد وإضراب السجناء في سجن الكوت.
وكذلك أشارة ابو گاطع في رواية غنم الشيوخ الى تراتبية التسلسل الزمني للسرد الروائي من خلال اذاعة بيانات الثورة، وقول خلف الدواح (...يافرحتك يافرهود ...اليوم يومك يافرهود ...هاي الجمهورية الردتها ) ص12 ، اما في رواية فلوس أحميد وهي الجزء الرابع من رباعية ابو گاطع، فكان مسرح الرواية السردية يتحدث عن نشاطات الثورة المضادة ومساندة الاقطاعيين لحركة الشواف وتحضيرهم للسلاح في بيت الشيخ ضاري ابن فالح ابن سعدون مهلهل، وتراجع الثورة وطرد ملا نعمة وابن سويلم من قيادة الجمعيات الفلاحية، وتباهي سيد علي الكربلائي والشيخ رضا وسرورهم في تخريب العلاقة بين قاسم والشيوعيين وتنظيف الجمعيات الفلاحية من الشيوعيين، كانت تلك الاحداث مقدمة لانقلاب شباط الاسود والتي جسد احداثها ابو گاطع فيما بعد في رواية حمزة الخلف التي نشرت في عام 1983 بعد رحيله.
اما عن استخدام الثنائية اللغوية في الرواية، اي تعدد اللغة في رباعية ابو گاطع فلم يكن بدعة اخترعها الكاتب، فقد سبقه العديد من الادباء والكتاب في البلدان العربية وكانت المحاولة الاولى لمحمد حسنين هيكل الذي كتب رواية زينب عام 1911 والتي وقعها باسم فلاح مصري، وكذلك توفيق الحكيم في العودة، وغالب هلسا في سلطانه، وغائب طعمة فرمان في المركب والياس خوري في غاندي الصغير، وحيدر أبو حيدر في عشبة البحر، وهناك العشرات من الادباء الكتاب المعروفين الذين أبدعوا في ثنائية اللغة.
ان النص السردي الروائي للكاتب شمران الياسري كان التجربة الأولى لفلاح مثقف يكتب عن حياة اقرانه الفلاحين وبيئتهم الريفية بلغة جميلة دالة وبإيماءات استخدم فيها الامثلة والأشعار والاهزوجه والحكاية، وخصوصية تجربة الكاتب الروائية وتفردها عن باقي الأعمال التي كتبها الادباء العراقيون عن الريف العراقي، ان الأدباء الآخرين كانوا يصورون الريف العراقي بعيون ابناء المدينة الوافدين للريف من معلمين وموظفين وأبناء ذوات، ولهذا جاء تفرد ابو گاطع عبر لغته الجميلة وحبكته للنص التي شدت القارى له وجعلته يتابع حركة ابطاله على مسرح الرواية بكل اهتمام ليكتشف قاموسا مليئا بالكلمات المحكية الدارجة الجميلة التي استخدمها في شخوص رباعيته من خلال الأشعار والأمثال والحكم وحكايات الموروث الشعبي .
حقا يمكن القول ان مقالة واحدة لا يمكنها ان تفي بالغرض لعرض النتاجات الادبية والصحفية للكاتب شمران الياسري وهي بحاجة الى مزيد من تسليط الضوء عليها عبر الدراسات النقدية الأدبية.