وفق منظمة "شلتر" الخيرية، استمرت الأزمة الاجتماعية في بريطانيا العظمى خلال عام 2019. وبلغ عدد المشردين في إنكلترا بمفردها 280 ألفا. ووفق المعطيات الحكومية تضاعف عدد المشردين، في عموم بريطانيا، في سنوات 2010 – 2018 ثلاث مرات. وهناك قرابة 2 مليون مواطن يعتمدون في تغذيتهم على مطابخ المعدمين. وعلى سبيل المثال تتوقع مدينة مانشستر عجزا في تمويل مكافحة التشرد مقداره 900 ألف جنيه إسترليني. ويعود ذلك الى استمرار سياسات التقشف.
وكانت سياسة التقشف، والخروج من الاتحاد الأوربي، الملفان الأكثر هيمنة على الساحة السياسية في البلاد خلال عام 2019. ووفق وسائل الاعلام البريطانية الرئيسة، سيطر ملف الخروج من الاتحاد الأوربي على المناقشات السياسية، في البرلمان وخارجه، طيلة الأشهر التسعة الأخيرة. وكان استفتاء عام قد جرى في عام 2016، قرر بأغلبية ضئيلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.
وفي كانون الثاني الفائت صوت 432 نائبا في مجلس العموم البريطاني ضد مشروع اتفاقية خروج توصلت إليها رئيسة الوزراء المستقيلة تريزا ماي. لقد كان التصويت هزيمة غير مسبوقة لرئيسة الوزراء أدت الى استقالتها في بداية حزيران. لقد شهد حزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض صراعات داخلية، أدت عمليا الى انقسام الكتل البرلمانية. في حزب المحافظين نشأ جناح قومي متشدد، يؤيد الخروج، لكنه يرى في الاتفاق الذي توصلت اليه "ماي" تنازلا مرفوضا. وفي كتلة حزب العمال لم يستطع كوربين الحصول على اغلبية، بسبب مقاومة الجناح اليميني وعدم الوضوح في موقف الحزب المعلن. وأدى ذلك إلى فقدان سيطرة الحكومة المحافظة على البرلمان. وحاول كل من المعسكرين، حتى فصل الصيف فرض توجهه على البرلمان. وبدأ معسكر البقاء في الاتحاد الأوربي يحقق بعض النجاحات. وهو ما دفع حزب العمال الى إعلان تبنيه موقف اجراء استفتاء ثانٍ خول الخروج من الاتحاد الأوربي.
ولم يكن ذلك كافيا للبعض، وأسس نواب من المحافظين والعمال حزب "غيروا المملكة المتحدة"، لتمثيل رؤية ليبرالية مدعومة من شخصيات سياسية مثل رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، تدعو الى البقاء في الاتحاد الأوربي، وتعمل على منع كوربين من قيادة حكومة يسارية، لكن العديد من النواب الداعمين لمشروع الحزب الجديد، فقدوا في الانتخابات الأخيرة مقاعدهم، لذلك تم حل الحزب قبل عطلة أعياد الميلاد.
وفي مسار الصراع خسر أنصار البقاء في الاتحاد الأوربي الكثير من مواقعهم، بالإضافة الى تمكن المحافظين من الفوز في الانتخابات الأخيرة، جعل إمكانية تشكيل حكومة يسارية هدفا مؤجلا. وعكست خسارة حزب العمال للانتخابات واحدة من معضلات اليسار الأوربي في التمكن من خلق توازن مع جوهر سياسة اليسار، وتحولات مواقف الناخبين الخاضعة في كثير من الأحيان لقضايا ذات طبيعة آنية. وفي عدم قدرة يسار حزب العمال على اختيار خطاب سياسي يناغي رغبة الناخبين في لحظة فارقة. والدليل هو خسارة حزب العمال لمقاعد فيما يسمى بـ"المناطق الحمراء".
يضاف الى ذلك حملة التشهير التي استمرت على مدار العام ضد كوربين وأنصاره، والتي تم تكثيفها بشكل كبير خلال أسابيع الحملة. ولم يمر أسبوع واحد، دون أن يتعرض كوربين الى الاتهام بمعاداة السامية والتطرف من قبل وسائل الإعلام التي يهيمن عليها اليمين ومن قبل النواب اليمينيين في كتلة حزبه أيضا. ووفقًا لاستطلاع أجراه معهد "سفيشن" للأبحاث، اعتقد غالبية المشاركين أن 34 في المائة من جميع أعضاء حزب العمال معادون للسامية. في حين تؤكد بحوث علمية، أن 0.1 في المائة من أعضاء الحزب فقط، لديهم آراء معادية للسامية. وهذه النسبة أقل بكثير مما هي عليه في الأحزاب الأخرى.
والآن تلجا شخصيات في حزب العمال، ذات توجه يميني، الى تبني خطاب يبدو اشتراكيا للفوز بقيادة الحزب في العام المقبل، والوقت نفسه تشن حملة منظمة ضد رموز التيار اليساري في الحزب، وخصوصا الشخصيات المرشحة لخلافة كوربين، الذي أعلن عمليا استقالته من زعامة الحزب. وفي الوقت الذي يقدم جونسون نفسه بوصفه رئيس وزراء لكل البريطانيين، تقول المؤشرات ان التباينات الطبقية والقومية ستكون خلال عهده أشد وطأة، وان الصراعات القومية بين إنكلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية ستصبح أكثر وضوحًا من ذي قبل.

عرض مقالات: