منذ ثمانين عاما، في الاول من ايلول 1939 غزت المانيا النازية جمهورية بولندا المجاورة. وشكل الهجوم البربري البداية الفعلية للصراع العسكري الأكثر وحشية في التاريخ، والذي غطى أجزاء كبيرة من العالم، وشاركت فيه جميع القوى العظمى في القرن العشرين. وأدت العمليات العسكرية التي استمرت حوالي ست سنوات الى سقوط اكثر من 60 مليون ضحية، عدا الخسائر المادية والاقتصادية والتدمير الذي لحق بآفاق التطور السلمي للحضارة البشرية. وانتهت الحرب في أوروبا يومي 8 و9 ايار 1945 بالاستسلام غير المشروط لألمانيا النازية، وفي الشرق الأقصى انتهت العمليات العسكرية في ايلول 1945 بهزيمة اليابان.
جاءت الحرب تتويجا لوصول النازية الى السلطة في المانيا في عام 1933، وتنفيذا لواحد من اهدافها الكبيرة، في ما أسمته رد اعتبار الجيش الالماني بعد هزيمته في الحرب العالمية الاولى 1914 -1918. وفي الواقع جاءت الحرب لاعادة اقتسام العالم بين المراكز الرأسمالية الصاعدة، وسعيها الى ازالة النظام السوفيتي من خريطة العالم السياسية، وهو هدف سعى اليه النازيون الالمان والفاشيون الايطاليون، وكذلك البلدان الرأسمالية الاخرى، ولكن كل بطريقته ووفق اولوياته.
وعلى طريقة جميع الغزاة، ادعى النازيون ان غزوهم للاراضي البولندية جاء ردا على اعتداء عسكري قامت به الاخيرة. وكان على النازيين اللجوء الى الكذب واساليب الدعاية الشوفينية والعنصرية لخلق حماس للحرب بين الالمان، الذين كانوا، حتى بعد مرور 6 سنوات على تسلم النازيين السلطة، غير متحمسين للحرب، على عكس حماسهم الذي رافق اندلاع الحرب العالمية الأولى. لذا كان ضروريا العمل على اعادة الروح الى هذا الحماس وتصعيده، وهذا ما نجحت به ماكنة الاعلام النازية، على الاقل في سنوات الحرب الأولى.
وكان المفهوم الفاشي المعروف بـ"سياسة المجال الحيوي" أساسًا أيديولوجيا للحرب، التي اتسعت لاحقًا مع تنفيذ "الخطة العامة للشرق"، وغزو الاتحاد السوفيتي في 22 حزيران 1941. ووقف رأس المال الاحتكاري الالماني وراء عمليات استمرار الغزو وتوسعه، لقناعته بان الظروف اصبحت مواتية لتحقيق هيمنته الاقتصادية على العالم، عبر ارتدائه قمصان الحرب النازية. وقد كتب الشاعر والمسرحي الالماني بيرتولت بريشت، عشية الحرب العالمية الثانية، في دفتر ملاحظاته ان "الحدود التي لا يمكن تجاوزها بواسطة البضائع يتم تجاوزها بواسطة الدبابات، وهي أيضا بضائع، (مثل قوة العمل التي تخدمها)".
وفي المانيا وبلدان المراكز الرأسمالية الاخرى، يقدم القليل للطلبة والشبيبة عن الاسباب الحقيقية لاندلاع العدوان الفاشي. ويجري التركيز على البعد الاجرامي الاستثنائي في شخصية هتلر، لكي تصور الحرب باعتبارها فعلا فرديا، ويجري خفض المسؤولية عن اندلاع الحرب، بالاشارة الى معاهدة عدم الاعتداء الألمانية-السوفيتية المبرمة في آب 1939، في محاولة لخلط الاوراق. ولا يسلط الضوء على سياسة "التهدئة"، وغض النظر عن مطامح النازية التي عكستها اتفاقية ميونخ في ايلول 1938 التي سعت الى المصالحة مع النظام النازي، وكذلك الموقف المائع للبلدان الغربية ازاء نهج العسكرة والحرب الذي تبناه رأس المال الالماني الكبير في حينه.
وليس مستغربا ان تشهد اليوم العديد من البلدان الرأسمالية صعودا لليمين المتطرف والنازيين الجدد، ففي الانتخابات التي جرت الاحد الفائت في ولايتين بشرق المانيا، نجد العديد من الاسماء النازية على قوائم حزب "البديل من اجل المانيا"، اكبر احزاب اليمين المتطرف نجاحا في البلاد، بعد احتلاله الموقع الثالث في البرلمان الاتحادي في انتخابات خريف 2017 العامة، واحتلاله المركز الثاني في الانتخابات التي جرت الاحد الفائت في مقاطعتين شرقيتين. ولا يبدو خطر سباق تسلح نووي جديد مستبعدا، خصوصا بعد الغاء الولايات المتحدة معاهدة وقف تطوير الصوارخ النووية متوسطة المدى التي ابرمتها مع الاتحاد السوفيتي السابق، والتزمت بها روسيا الاتحادية ايضا.
ولذلك فان الديمقراطية والسلام والحرية ليست بديهيات، بل يجب الدفاع عنها بحزم، لأن النضال ضد الفاشية والحروب القومية وسباق التسلح الطائش لم ينته بعد. بل يكتسب اليوم اهمية استثنائية، ويحتاج اكثر من اي وقت مضى الى حركة سلام واسعة ومؤثرة وقوية.
لقد تحول الأول من ايلول، منذ نهاية الحرب، الى يوم للسلام والتضامن ومعاداة الحروب، وتشهد فيه العديد من بلدان العالم فعاليات متنوعة في سبيل السلام والتقدم والعدالة الاجتماعية، ويكتسب، اهمية خاصة، الرد على شعارات التقسيم والإقصاء للمتطرفين والشعبويين اليمينيين، الذين يحشّدون ضد قيم الديمقراطية ومكتسباتها، ويحاربون التنوع الثقافي والمجتمعي في العالم.

عرض مقالات: