في السادس والعشرين من أيار الفائت شهدت ولاية بريمن الالمانية، الى جانب انتخابات البرلمان الأوربي انتخابات برلمان الولاية ايضا، وميناء بريمن يمثل أصغر ولاية في النظام الفيدرالي الالماني، الذي أصبح بعد توحيد الألمانيتين يضم 16 ولاية، وهي مدينة ولاية على غرار العاصمة برلين وميناء الشمال الشهير هامبورغ.
وكان الحزب الديمقراطي الاجتماعي ينفرد في حكم الولاية طيلة 70 عاما، منذ تأسيس المانيا الغربية في عام 1949، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. وشكلت خسارة الديمقراطيين الاجتماعيين لتفوقهم في الولاية امتدادا لخساراتهم الانتخابية المتوالية في السنوات الاخيرة. لقد تمكن الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ ان يتصدر القوى المتنافسة لاول مرة ويحصل على26.7 في المائة وبزيادة 4.3. وشغل الديمقراطيون الاجتماعيون الموقع الثاني، بعد ان حصلوا على 24.9 وبخسارة 7.9 في المائة، وهي أسوأ نتائجهم على الاطلاق في تاريخ الولاية الحديث. وحل حزب الخضر ثالثا بحصولة على 17.4 وبزيادة 2.3 في المائة، وبحصوله على 11.3 وبزيادة قدرها 1.8 في المائة جاء حزب اليسار رابعا، وحزب "البديل من اجل المانيا" اليميني المتطرف خامسا بحصوله على 6.1 في المائة، بخسارة طفيفة، وبخسارة مماثلة ايضا كان التسلسل السادس من نصيب الليبراليين الاحرار 5.9 في المائة.
وكانت هناك ثلاثة سيناريوهات ممكنة لتشكيل حكومة الولاية الاول تحالف الكبار من الديمقراطي المسيحي، والديمقراطي الاجتماعي، والثاني مايعرف بتحالف جمايكا (من الديمقراطي المسيحي والخضر والليبرالي الحر) والثالث هو تحالف الحمر الخضر، المشكل من الديمقراطي الاجتماعي والخضر وحزب اليسار، وهو سيناريو معروف منذ سنوات في عدد من ولايات شرقي البلاد. وكان موقف حزب الخضر عاملا حاسما في تحديد هوية وطبيعة التحالف الحاكم، وقد جاء خياره في الغرب هذه المرة مختلفا، حيث فضل تحالف يسار الوسط على تحالفات يمين الوسط التي شارك فيها في المرات السابقة. وبهذا استطاع الحزب الديمقراطي الاجتماعي رغم خسارته الاستمرار في قيادة التحالف الحاكم الجديد، وحرم اليمين المحافظ من فرصة حكم الولاية. وكان العامل الثاني الذي سهل الوصول الى تحالف تقدمي، هو رفض اكثرية قواعد حزب الخضر التحالف مع اليمين المحافظ والليبرالي، فضلا عن ان العداء للشيوعية قد فقد الكثير من زخمه في المدن الكبيرة، وبالتالي جاءت مشاركة اليسار الأولى منسجمة مع هذا الواقع.
وشهد الصباح الباكر ليوم الاثنين الفائت التوصل الى اتفاقية التحالف الحاكم الجديد، ولكن بلا رئيس وزراء الولاية السابق كارستن سيلنغ، الذي فضل بعد الخسارة التاريخية لحزبه، التخلي عن جميع مهامه السياسية والحزبية، بعد ان ساهم بجدية، منذ 12 حزيران الفائت في مفاوضات تشكيل التحالف الجديد. وبموجب اتفاقية التحالف احتفظ الحزب الديمقراطي الاجتماعي بمنصب رئيس وزراء الولاية، بالاضافة الى ثلاث وزرات اخرى، ضمنها الداخلية، وهي الأهم على صعيد حكومات الولايات. وسيكون للخضر ثلاث وزرات، فيما سيحصل حزب اليسار على وزارتين، بضمن مهامها الشؤون الاقتصادية والصحة وحماية المستهلك والعمل والشؤون الأوروبية. ومعروف ان الوزرات في الولايات تشمل قطاعات متعددة لعددها المحدود عادة، والتي اصبحت بوفق الاتفاق الاخير 9 وزرات بدلا من 8 بضمنها رئاسة الحكومة.
وقيم قادة الاحزاب المشاركة في التحالف الحاكم التطور الذي شهدته الولاية ايجابيا، فرئيسة الديمقراطي الاجتماعي ساشا اولب وصفت ما حدث بـ"الانطلاق"، في حين اعتبرته رئيسة حزب الخضر الكسندرا فيرفوج "فصلا جديدا"، اما رئيسة حزب اليسار كولنيا بارت فوصفته "بالتغيير الأساسي". وسيركز عمل الحكومة، ضمن امور اخرى، على تحسين التعليم، ومكافحة تغير المناخ وإسكان ذي تكلفة مقبولة، والبدء بالعمل الجزئي بالنقل المحلي المجاني.
وستقر اتفاقية التحالف بشكل نهائي خلال مؤتمرات استثنائية ستضمنها الاحزاب المشاركة في التحالف، بدءا من اليوم الخميس والايام اللاحقة. وسينظم حزب اليسار في الولاية استفتاءً حزبيا عاما لإقرار المشاركة في الحكومة، ستعلن نتائجه في نهاية تموز الحالي، اي ان عمل الحكومة سيبدأ بعد العطلة الصيفية في الولاية. وتأتي اهمية ما تحقق في ولاية بريمن، في انه ياتي في فترة صعود لليمين المتطرف في المانيا وعموم القارة الاوربية، وفي زمن تعيش في احزاب الوسط واليمين التقليدي أسوأ حالاتها. ويشكل النحاح المتحقق عاملا محفزا اضافيا للمناقشات الجارية بين احزاب الوسط واليسار للتوصل الى صيغة مشتركة تزيح اليمين المحافظ والليبرالي من سدة الحكم في المانيا بعد الانتخابات الاتحادية المقبلة في خريف عام 2021.

عرض مقالات: