عثِر في بداية حزيران على رئيس منطقة كاسل في ولاية هسن الالمانية فالتر لوبكه مقتولاً في منزله وينتمي الضحية الى الحزب الديمقراطي المسيحي، حزب المستشارة الالمانية ميركل. ومعروف عن لوبكه دفاعه عن سياسة استقبال اللاجئين عام 2015، وقد اثار غضب اليمين المتطرف، عندما قال في فعالية عامة "على من لايشارك هذه القيم مغادرة البلاد".
وبعد اعتراف المتهم الأول بالجريمة شيفان ارنست، والمعروف بارتباطه بالنازيين الجدد، وصدور اكثر من حكم بحقه بسبب نشاطه هذا، وكذلك القبض على اثنين من مساعديه، لم يعد سهلا الأخذ بفرضية الادعاء العام القائلة بعدم وجود شبكه ارهابية نازية وراء الجريمة.
جريمة الاغتيال ذكرت بحق بجرائم الميشيات النازية في السنوات الأربع الأولى من جمهورية فايمر (1919 -1933 ) أول ديمقراطية برلمانية في ألمانيا بعد ثورة تشرين الثاني/نوفمبر 1918. وقد راح ضحية عمليات الاغتيال حينها اربعة من كبار السياسيين على الأقل. وكان أبرزهم ا وزير الخارجية فالتر راتيناو. ومعروف ان إرهاب اليمين في عشرينيات القرن العشرين قاد إلى الديكتاتورية النازية في عام 1933. وان المناصب المهمة في الشرطة والجيش كانت حينها في أيدي اليمين المتطرف والمتعاطفين مع النازية.
وما يجعل الشعور بالخطر واقعيا، هو التوازي في طبيعة جرائم النازيين واحفادهم الجدد منذ الكشف الفعلي عن جرائم مجموعة "الاشتراكية القومية السرية" الارهابية في ولاية هسن والمعروفة بـ NSU. وتمكن النازيون الجدد من ممارسة القتل لعقود، لأن سلطات الولاية اغمضت العين عن جرائمهم، ومولت أنشطتهم بشكل غير مباشر وأعاقت التحقيقات التي أجرتها الشرطة.
لقد أثار اغتيال رئيس حكومة كاسل، غضبا واسعا في الاوساط السياسية والمجتمعية الالمانية، وكما يبدو، ان تأثيراته وصلت الى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وبعد ثلاثة أسابيع، وبوضوح لم يسبق له مثيل، اكدت قيادة الديمقراطي المسيحي الابتعاد عن حزب "البديل من اجل المانيا"، اليميني المتطرف والذي يعيش حالة صعود غير مسبوقة، وحملته في نفس الوقت مسؤولية واضحة عن الجريمة. ودعا قادة الحزب الى حماية أفضل للسياسيين، والى منظمات تقديم المعونة للاجئين.
والى جانب ذلك حفزت جريمة الاغتيال عودة المحافظين الى دعواتهم القديمة، فهذا السكرتير السابق للحزب الديمقراطي المسيحي بيتر تاوبر، يدعو الى التضييق على الحقوق الأساسية، ويطالب بدعم مالي ولوجستي اكبر لجهاز المخابرات. ومعروف ان هذه الامكانيات استخدمت في الماضي ضد اليسار وقوى اخرى بدلا من توجيهها ضد النازيون الجدد واليمين المتطرف.
و منذ عام 1990، اشارت تقارير استقصائية، قام بها صحفيون ومراكز استشارية لضحايا الجرائم، الى سقوط 170 ضحية، على الأقل لجرائم نفذها اليمينيون المتطرفون، وعلى الرغم من ان هذه السنوات شهدت جريمة قتل واحدة صنفت على انها بـ"دوافع يسارية"،جاء تقرير جهاز حماية الدستور(المخابرات) الذي عرض الخميس الفائت بنفس التغمة القديمة، فالتقرير يتحدث، بلا اولويات ويضع الجميع في سلة واحدة: متطرفين يساريين ويمينيين واسلاميين وجناة، ومع ذلك يعترف رئيس المخابرات الجديد توماس هالدنفانك بفشل في عمل جهازه في مكافحة شبكات اليمين المتطرف. ووعد وزير الداخلية الاتحادي هورست سيهوفر من الحزب المسيحي الاجتماعي، الطرف الاكثر يمنية، في الاتحاد المسيحي الحاكم، ببذل كا ما وسعه "انسانيا" لمنع حرائم اليمين.
لقد جاءت التقديرات الواردة في تقرير المخابرات معتادة، ولا تختلف عن طبيعة سابقاتها: 24 الف "متطرف يميني"، اكثر من نصفهم يمارس العنف، 32 الف "متطرف يساري"، منهم 9 الآف يمارسون العنف. ويفترض التقرير حدوث زيادة في المعادين للدستور من اليسار بنسبة 8.5 في المائة. واعتذر وزير الداخلية عبر قناة التلفزيون الالماني الثانية، عن حدوث جريمة اغتيال لوبكه، انه بالنظر لاتساع عنف اليمين "لايمكن الكشف عن كل مسار خاطئ". ولكن الوزير "الديمقراطي" حمل بشكل مبطن دعوات الضحية للتعامل الانساني مع اللاجئين جزءا من مسؤولية ما حدث، دون الاشارة الى دوره في التحريض ضد المهاجرين، اذ سبق للوزير ان صرح في عام 2011، ان حزبه سيقاتل حتى "آخر رصاصة" ضد "المهاجرين الى نظام الضمان الاجتماعي الألماني".
يذكر ان قرابة 10 آلاف مواطن تجمعوا أمام مكتب الضحية في مدينة كاسل مساء الخميس الفائت للاحتجاج على عنف اليمين. وكانت حكومة المدينة قد دعت جنبا إلى جنب مع تحالف من المؤسسات والمنظمات الديمقراطية للتجمع. وقال رئيس بلدية كاسل كريستيان جيزيل: "لسنا مستنقعً الأمة الرمادي. نحن مسالمون ومتسامحون ومنفتحون على العالم. ولا مكان للكراهية، والإثارة، والإرهاب، والتمييز بين صفوفنا".