قبل اسبوع واحد من انتخابات البرلمان الأوربي في النمسا انفجر ما اصبح يعرف بـ"فضيحة إيبيزا" ، بعد ان عرضت مقاطع من فيلم فيديو يظهر فيه نائب المستشار النمساوي هاينز كريستيان شتراخه، الذي يتزعم حزب الحرية اليميني المتطرف (نازيون جدد)، وهويناقش في فيلا في جزيرة إيبيزا قبل أشهر من انتخابات 2017 التشريعية، امرأة من أقارب احد كبار رجال الاعمال الروس حول تقديمها مساعدات مالية مقابل منحها عقود حكومية ، خصوصا في الصحيفة الأولى في النمسا "كرونين تسايتونغ". وتضمن اقتراحا باستثمار السيدة الروسية في الصحيفة، لدفعها إلى نشر اعلانات موالية لحزب شتراخه.
وكان الأهم من ذلك سياسيا حصول "حزب الحرية" على تبرعات لدعم حملته الانتخابية، تصل الى قرابة 1.5 مليون يورو، عبر تأسيس منظمات "غير ربحية"، وكان من أبرز المشاركين في التبرع: شركة صناعة الاسلحة "غوستن غلوك" الراعية لـ"حزب الحرية" منذ سنوات، وهايدي هورتن ارملة صاحب سلسلة "هورتن" التجارية، والعقاري الشهير ومالك سلاسل "كرشتات" و"غليري كاوفوف" التجارية رينيه بيكو، وشركة العاب القمار"نومفوتك"، التي قال عنها شتراوخة انها تدفع للجميع.
وعلى إثر الكشف عن الفضيحة أعلن شتراخه في مؤتمر صحفي استقالته من جميع مناصبه الرسمية والحزبية، مدعيا إنه لا يرغب في أن تتسبب الهفوة التي ارتكبها في إضعاف التحالف الذي شكله مع المستشار اليميني المحافظ سيباستيان كورتس، في حين ان الاستقالة السريعة جاءت لاحتواء التأثيرات السلبية العميقة على صدقية الحكومة.
وكان شتراخه حينها برفقة أحد مساعديه المقربين يوهان غودينوس، وهو رئيس الكتلة البرلمانية حالياً لـ"حزب الحرية". ووفقا لنص المحادثة، قال شتراخه للمستثمرة الروسية انها "ستحصل على كافة العقود العامة التي هي اليوم بيد ستراباغ"، وستراباغ هي مجموعة بناء نمساوية نافذة جدا في هذا القطاع. وتضمنت المقاطع المنشورة تحرشات جنسية من جانب الزعيم النازي بـ "المستثمرة" الروسية. وقد قال عنها في اعلانه الاستقالة انها كانت تحت تأثير كميات كبيرة من الكحول، وانه هو كان يبدو مراهقا.

انتخابات مبكرة

من جانبه أعلن الرئيس النمساوي ألكساندر فان دير بيلن الاحد الفائت، بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء إن انتخابات جديدة لمجلس النواب في النمسا ستجرى في بداية ايلول القادم. وكان رئيس الوزراء قد أعلن مساء السبت نهاية التحالف الحاكم، ردا على الفضيحة التي عصفت بشركائه في حزب الحرية اليميني المتطرف. وقال بالحرف الواحد: "كفى" في اشارة الى ان الفضيحة وضعت حدا لسلسة من التصريحات العنصرية، والعلاقات المكشوفة مع مجموعات نازية، التي مارسها حزب الحرية المذكور.
وبالتاكيد يسعى المستشار (رئيس الوزراء) لتعزيز زعامته في معسكر اليمين بعد الانتخابات على حساب حلفائه المتطرفين، دون ان يقطع امكانية التواصل وحتى التحالف ثانية معهم، بعد عملية تغيير وجوه تجنبه الاحراج السياسي مستقبلا.

الشيوعي النمساوي: سخرية متخلفة ووحشية سياسية

وفي اول تعليق له حول الحادث اشار ميركو ميسنر المتحدث الاتحادي للحزب الشيوعي النمساوي (السكرتير) الى ان الفضيحة تؤكد ان قيادة "حزب الحرية" هي مجموعة من الشعبويين الفاسدين للغاية، تعيش بفضل علاقات مربحة مع كبار الأثرياء والأوليغارشية الأكثر تجسيدًا لما نسميه الرأسمالية الاستبدادية. وان هذا التشخيص لا يقلل من أهمية الفيديو في التنوير الشعبي، لأنه مزيج من السخرية البدائية والوحشية السياسية.
ان ما لم يتضمنه الفيديو هو التسويق السياسي الذي اصبح جزءاً من الثقافة السياسية في النمسا بعد عام 1945، والذي مارسه اليمين التقليدي والديمقراطيون الاجتماعيون لرموز اليمين المتطرف وسياساته بحجة احتواء ناخبي النازية الجديدة، وذلك بالضد مما نص عليه الدستور النمساوي، والتصريحات المعادية للفاشية.
ان المشكلة التي يؤشرها الفيديو ويجب على الرأي العام الديمقراطي حلها هي خلو البرلمان النمساوي من معارضة يسارية ثابتة المواقف. معارضة لا تسعى الى ليبرالية جديدة مخففة، وليس لديها التزامات مسبقة امام المجمع الصناعي وكبار الاثرياء، وتأخذ بجدية كاملة معاداة الفاشية التي نصت عليها معاهدة تأسيس الدولة النمساوية، ولا تتبنى فقط مناهضة اليمين المتطرف والشعبويين، بل تعمل على استبعادهم من جميع المناصب العامة في الدولة.
فالدعوة لانتخابات جديدة امر جيد، وإذا لم تتمخض عن وصول قوى انسانية اجتماعية يسارية معادية للفاشية الى البرلمان، فان اللعبة ستبقى مستمرة، وان اكتشاف فضيحة جديدة على هذه الشاكلة امر يمكن توقعه.

احتجاجات واسعة

هذا وفي الوقت الذي كان فيه المستشار النمساوي (رئيس الوزراء) يدلي بتصريحاته تدفق آلاف المحتجين وسط العاصمة فيينا، حاملين لافتات اعدت على عجالة، ويحملون الاعلام في تظاهرة غاضبة اخذت بالزيادة والاتساع بمشاركة قوى ومنظمات اليسار والنقابات، مطالبة بالكشف عن تفاصيل الفضيحة بالكامل، واجراء انتخابات مبكرة، ووضع حد لمسلسل الفضائح المتلاحقة.

عرض مقالات: