مع بداية العام الجديد شارك 200 مليون عامل هندي في اضراب وطني عام استمر يومين وأدى الى شل عمل اكثرية الشركات الصناعية وشركات النقل. وجاءت حركة الاضراب لتعبر عن غضب الحركة النقابية في الهند على خطط حكومة حزب الشعب اليميني الهندوسي العنصري بزعامة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الساعية الى تغيير قوانين العمل.
وترى الحكومة في مقاومة الحركة النقابية خطرا يهدد مستقبلها السياسي، ارتباطا بتعمق السخط الاجتماعي، وإمكانية فقدانها الأكثرية في انتخابات نيسان/ أيار المقبلة. وكانت الهند قد شهدت في عامي 2015 / 2016 إضرابات وطنية عامة شارك في كل منها 180 مليون عامل. وفي تشرين الثاني 2017 شارك 280 ألف عامل في اعتصام جماهيري أمام البرلمان الهندي استمر ثلاثة ايام. وقد دعت 10 اتحادات نقابية رئيسة الى الإضراب العام الأخير. بالإضافة إلى تضامن المزارعين والعمال المستقلين الذين ينظمون تجمعاتهم الخاصة في جميع أنحاء البلاد، باستثناء اتحاد العمال الهندي، الذي يدعم حكومة اليمين.

هجوم حكومي على قوانين العمل

في الوقت الذي يقوم فيه الرأسمال الكبير ونخبة صغيرة بنهب المال العام، تخطط الحكومة لتقليص حقوق العمال بشدة، وخفض الأجور، في حين ترتفع معدلات البطالة والاعمال المؤقتة، ويجري تقويض الحقوق النقابية، وتضعف قوانين حماية العمال على مستوى الاتحاد والولايات. وتسعى الحكومة الى دمج 44 قانونا منفردا في 4 قوانين جامعة. والهدف هو إعادة صياغة القوانين التي تنظم يوم عمل لمدة 8 ساعات، والحد الأدنى للأجور، وتمويل اجازات الأمومة، والمكافآت، واستحقاقات الضمان الاجتماعي، وضمان الأجور المتساوية مقابل العمل المتساوي. ويؤثر الدمج أيضًا على القوانين التي تمنح العاملين في الهند الحق في التنظيم النقابي. وتسعى حكومة مودي الى تحجيم او الغاء هذه الحقوق.
وتعمل الحركة النقابية وقوى اليسار السياسية في الهند على منع او على الأقل عرقلة إقرار هذه "الإصلاحات" المعادية للطبقة العاملة في البرلمان الوطني، فيما تسارع حكومات الولايات الموالية للحكومة الاتحادية تنفيذ توجهات رئيس الوزراء، مستفيدين بلا خجل من حقيقة ان قوانين الولايات تتمتع بصلاحيات التشريع الاتحادي.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور، وفق القانون الاتحادي، 215 يورو شهريا، وتعترف اللجنة الحكومية المختصة بان المبلغ يمثل حد الكفاف. ومع ذلك فان المبلغ المذكور يتجاوز بدرجات الحد الأدنى للأجر الذي تحدده معظم حكومات الولايات. وغالبا ما تكون الأجور التي يتقاضاها العمال فعلا تساوي ثلث او نصف الحد القانوني الأدنى للأجور.
وتشدد مطالب حركة الاضراب المصاغة في 12 نقطة على: الحفاظ على قانون العمل النافذ، والحصول على اجر وتقاعد مناسبين، وضمان اجتماعي لجميع العاملين، كذلك منع الاستثمار الأجنبي في قطاعات الاقتصاد الهندي الرئيسة.

السخط الاجتماعي يهدد سلطة اليمين

ويؤكد متابعون يساريون في الهند ان السخط الاجتماعي المتصاعد في أوساط العمال والمزارعين، وموظفي ومستخدمي الفئات الوسطى، يشكل خطراً يهدد سلطة اليمين الحاكم.
في الانتخابات المحلية الأخيرة في تشرين الثاني عام 2018، خسر الحزب الحاكم السلطة في ثلاث من أصل خمس ولايات ناطقة بـ"الهندو"، والمعروف ان أكثرية نواب الحزب الحاكم في البرلمان الاتحادي ينحدرون من هذه الولايات. ولهذا فان هذه الهزائم الانتخابية تدلل على ان قاعدة الحزب الحاكم الانتخابية على وشك الانهيار.
وسيحاول مودي اللجوء الى عدد من الإجراءات الشعبوية للحفاظ على قوته التصويتية. وفي هذا السياق تخوض الحكومة صراعا ضاريا مع البنك المركزي الهندي لأطلاق يد الحكومة في التصرف بالسياسات المالية والتخصيصات، والتي ستعمل من خلالها على رشوة الناخبين وشراء أصواتهم عبر تقديم دعم مالي مباشر، في بلد تعاني أوساط واسعة فيه من فقر شديد.
ومن الوسائل التقليدية التي يجيدها اليمين الهندوسي العنصري الممارسات الموجهة ضد المسلمين، مثل منع ذبح الابقار، تأجيج العنف والصراعات الدينية والطائفية، وصولا الى ممارسة الإبادة الجسدية بواسطة مجاميع خارجة عن القانون. ويمتلك الحزب الحاكم خبرة جيدة في تشتيت خصومه وضرب بعضهم ببعض. وعلى الرغم من ذلك فان الرفض يتصاعد للسياسات السلطوية التقسيمية، وتأتي الإضرابات لتشكل التحذير الأخير لحكومة اليمين العنصري، واية حكومة مستقبلية تمارس هذه السياسات والأساليب اللاإنسانية.

عرض مقالات: