بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على الانتخابات البرلمانية العامة في السويد، تم الاتفاق اخيرا على تشكيل حكومة اقلية جديدة، يقودها الحزب الديمقراطي الاجتماعي بالتحالف مع حزب الخضر، وبالتالي فان الحكومة الجديدة هي في الواقع الحكومة السابقة التي قادت البلاد السنوات الأربع الماضية. وبقيادة رئيس الوزراء، القديم الجديد، ستيفان لوفين، رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي. ولكن تحت ضغط توازنات سياسية سلبية جديدة.
كان الطريق إلى النسخة الجديدة من تحالف "الأحمر والأخضر" وعرا. لقد تمخضت انتخابات أيلول عن نتائج خلقت أكبر أزمة حكومية في تاريخ البلاد السياسي، منذ بدء الحياة البرلمانية فيها. ان حصول معسكر يسار الوسط المؤلف من الديمقراطيين الاجتماعيين، حزب الخضر، وحزب اليسار، ومنافسه تحالف اليمين التقليدي المؤلف من "المعتدلين"، الديمقراطيين المسيحيين، حزب الوسط، والليبراليين على قرابة 40 في المائة من الأصوات لكلا المعسكرين، وحصول حزب "الديمقراطيين السويديين" اليميني المتطرف على 17.5 في المائة، خلق حالة من الجمود والاستعصاء.
وبعد اعلان النتائج تم سحب الثقة من الحكومة السابقة، واستمرت في اداء مهامها باعتبارها حكومة تصريف الاعمال. وطيلة اربعة أشهر جرت عدة محاولات لتشكيل حكومة بديلة، اذ فشل زعيم "المعتدلين" باقناع القوى الاقرب من الليبراليين وحزب "المركز"، بالتعاون معه، لان مقترحه الحكومي مبني على التعاون مع اليمين المتطرف. وبعد محاولات استمرت ثلاثة ايام، انسحبت آني لوف، رئيسة حزب "المركز" من مهمة تشكيل تحالف حكومي من الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر والليبراليين وحزبها. ولم يتعب لوفين بنفسه في محاولة تشكيل حكومة أغلبية.
وعندما كانت جميع المؤشرات تسير باتجاه اعادة الانتخابات، قدم لوفين في 11 كانون الثاني الجاري مقترح تشكيل حكومة من الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر والليبراليين وحزب الوسط. وتضمنت ورقة التحالف الحاكم المقترح 73 نقطة شكلت قاسما مشتركا بين يسار الوسط واليمين التقليدي، والمحرك البديهي لهذا التنازل هو عدم منح اليمين المتطرف فرصة لتعزيز مواقعه في حال الذهاب الى انتخابات جديدة.
وحسابيا ما كان لمقترح الحكومة الجديدة ان يمر في البرلمان من دون اصوات نواب حزب اليسار، ولكن دعم الاخير كان صعبا لان الورقة تضمنت الاشارة الى ان حزب اليسار سوف لم يتمتع بتأثير على التوجه السياسي في السويد خلال الدورة البرلمانية الحالية، مما دفع زعيم حزب اليسار يوناس خوستيت الى التصريح بان حزبه سيصوت ضد المشروع.
وبعد مفاوضات مغلقة بين رئيس الوزراء المكلف وزعيم حزب اليسار، اعطى الاخير الضوء الاخضر لدعم مشروط للحكومة المقترحة، بعد ان قدم لوفين تنازلات تتعلق بالسياسات الاجتماعية، وخصوصا ما يتعلق بملف السكن والعمل. وبالتأكيد ان قرار دعم تمرير الحكومة اثار مناقشات في صفوف حزب اليسار بين اكثرية داعمة للتوجه واقلية ترى في قرار الحزب خطأ تاريخيا.
لقد حصلت الحكومة المقترحة على اصوات الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر، التي تمثل ثلث اصوات النواب، الا انها كافية لتمرير الحكومة وفق النظام المعمول به في السويد، فالمهم هو عدم وجود اكثرية برلمانية ضد رئيس الوزراء المكلف، لهذا كان امتناع نواب الليبراليين وحزب "المركز" وحزب اليسار عن التصويت كافيا لتمرير الحكومة.

حزب اليسار والحكومة الجديدة

لغرض المشاركة في الجهد المبذول لمنع تحالف اليمين واليمين المتطرف من تشكيل الحكومة الجديدة، وكذلك الذهاب الى انتخابات مبكرة، اختار حزب اليسار امكانية دعم تمرير حكومة اقلية في البرلمان، دون الدخول في التحالف الحاكم مباشرة، وهو امر يضمن للحزب تحقيق جزء ولو محدود من مطالبه، دون ان يتحمل المسؤولية السياسية المترتبة على اشتراكه في التحالف.
لقد سعى حزب اليسار قبل الانتخابات الى المشاركة في حكومة يسار الوسط، ولم يكن لديه تحفظ على استمرار رئيس الوزراء ستيفان لوفين في قيادتها، لكن نتائج الانتخابات فرضت واقعا جديدا. ومن هنا فان الحكومة الجديدة حققت استمرار لوفين في رئاستها. ان دعم حزب اليسار لحكومة الاقلية مشروط بتحقيق الحد الأدنى المتفق عليه، وفي حال عدم التزام لوفين بالاتفاق او الالتفاف عليه، فان حزب اليسار، كما اشار زعيمه سيسحب تأييده للحكومة، ويدعو لسحب الثقة منها.

عرض مقالات: