بقدر ما مثل اندلاع احتجاجات الربيع العربي في عام 2010، محطة زخم لقوى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في البلاد العربية، جاءت اغلب نتائجه السياسية، ولاسباب معروفة، بالضد من تطلعات اوسع الاوساط الشعبية التي اطلقته. وظن الكثير من قصيري النفس، بان لافائدة من الاحتجاج، لانه يفضي لتكريس الاستبداد من جديد، اما  قوى الاستبداد والسلطة، وظلاميو بلادنا العربية، فقد سعوا الى تكريس هذه الموضوعة، لاحبا بالديمقراطية والتقدم، وانما لتكريس انظمتهم المنافية لمنطق الحياة ومسار تطورها.

لكن الشعوب وقواها الحية خيبت آمال الفريقين، واستمر الاحتجاج في العراق والسودان ولبنان والاردن وتونس والمغرب، واكتسب في مسيرته زخما وخبرة، وتنوعت تأثيراته، وفقا لتوازن القوى، وطابع اللوحة الاقتصادية الاجتماعية السائدة في البلد المعني، و اكد حقيقة ان على قوى التغيير والمستقبل الافضل ان لا تتخلى عن اهم اسلحتها في الصراع مع المتنفذين، الاوساط الشعبية المتضررة الواسعة، والرؤية التعبوية النقدية القادرة على احداث التغيير.

احتجاجات السودان تجدد الأمل

وتأتي الحركة الاحتجاجية المتصاعدة في الخرطوم وبقية مدن السودان، منذ خمسة ايام، لتؤكد هذه الحقيقة البسيطة. وتشير آخر التطوارت في السودان الى تصاعد واتساع قمع نظام البشير الاسلاموي، واستخدامه ابشع الوسائل، في مواجهة شعب غاضب، لم يعد يتردد في الهتاف عاليا "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"حرية.. حرية"،  فهذه الخرطوم تعيد الى شعارات ربيع القاهرة وتونس القها، وتعطي لمحتجي بغداد زخما جديدا.

فلا غرابة ان تكون مكاتب حزب الدكتاتور هدفا للمحتجين، لانهاء 29 عاما هي الاكثر ظلاما وقسوة على السودانيين، بعد عهد سلفه النميري. وتتسع المشاركة في الاحتجاج بانضمام قطاعات مهنية مثل الاطباء، الذين اعلنوا انهم سيبدؤون اليوم اضرابا، لمضاعفة الضغط على النظام.

ويبدو ان الغازات المسيلة للدموع، والهراوات، وصولا الى استخدام الرصاص الحي ضد الناس لم ينفع السلطة كثيرا، مثل اتهاماتها المكررة والمستعارة من مستبدين بلدان عربية اخرى، بالاندساس في التظاهر والتحريض على العنف، والارتباط بقوى اقليمية وعالمية.

اعتقال القادة الشيوعيين يعكس رعب السلطة

في تطور نوعي، اقدم ازلام البشير على اعتقال الرفيق مسعود علي, عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي  السوداني, فيما كان قد اعتقل الرفيق هنادي فضل عضو المكتب السياسي في العاصمة. ومعروف ان سلطة البشير تقوم مع كل انفجار للغضب الشعبي باعتقال قادة وكوادر الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية، الى جانب معارضين آخرين، لانها ترى فيهم الخطر الذي يهدد سلطتها في العمق، فالاحتجاج والانتفاض بالنسبة لهذه القوى لا يمثل تكتيكا لتحقيق اهداف جانبية، او غرضا منعزلا عن المصالح الحقيقية للناس. وسبق لهذه السلطة المستبدة ان اعتقلت الرفيق الخطيب وعددا من قادة الحزب ومناضليه في شباط الفائت.  وعادت لتطلق سراح الكثيرين منهم، وستجبر هذه السلطة لاطلاق سراح المعتلقين، في حال استطاعت هذه المرة  الافلات من محطة النهاية، التي اصبحت شديدة القرب منها.

لا بديل لإسقاط نظام البشير

ومرة اخرى تؤكد الحياة ان حاجات الناس الاقتصادية والاجتماعية وتوقهم للحرية والعدالة الاجتماعية، هي اسباب، وعوامل  جوهرية محركة تمتلك الديمومة، لتجدد فعل الاحتجاج وتصعيد المطالبة بالتغيير. وكما يشير بيان المكتب السياسي للشيوعي السوداني: "الجماهير تعبر عن رفضها المطلق لنظام  الذل والجوع والفقر والمرض". ومعاناة السودانيين من نظام الاخوان باشكاله المختلفة يمتد الى عام 1989، ورغم صراخ هؤلاء بالعداء للغرب، الا ان نظامهم يمثل اداة لخدمة سياسات تدمير الانتاج  والخدمات العامة واتساع الفساد والتعشيق الشديد بين منظومته، ونظام البلد السياسي، وبالتالي الارتباط بالمراكز المالية العالمية، وعرض البلاد بالكامل للبيع المجاني. وتحويل البلاد الى مرتع للقواعد الامريكية، ومراكز المخابرات المركزية، ونتيجة لذلك تحول السودان الى جزء من تحالفات اقليمية تابعة، وكانت الحروب الداخلية وسيلته للتعامل مع  التنوع في المجتمع السوداني، والعنف المنفلت سلاحه في مواجهة الملايين الجائعة. وانكشف زيف خطابه السياسي وفشلت ادعاءاته في القدرة على التعامل مع الازمة، ولم يبق امامه الا الرحيل غير المأسوف عليه.

وفي لحظة احتدام الصراع يمثل التضامن الأممي سلاح الشعوب المجرب. ويكتسب التضامن مع الشيوعيين والديمقراطيين في السودان، اهمية قصوى، لمواجهة صمت انظمة الاستبداد العربي، ومؤسساته الاعلامية التي تحتكر حرية التعبير وتمارس التضليل، وتحرم غالبية الشعب من اسماع صوته وايصال مطالبه للرأي العام. فلترتفع الاصوات وتتنوع فعاليات التضامن في البلاد العربية وعموم العالم مع الآلاف التي تجوب شوارع السودان من اجل غده الافضل.

عرض مقالات: