ولد الروائي والصحفي الأمريكي ثيودور درابزر 1871- 1945 وكاد أن يفارق الحياة في غائلة باخرة “تيتانيك” التي غرقت في المحيط الأطلسي، ولكن أنقذته الصدفة عندما حصل صديق إنجليزي له على تذكرة أرخص على باخرة أخرى. وهكذا نجا من الموت والكارثة التي لحقت بتايتانيك. يعد درايزر من أعمدة الأدب الواقعي في الولايات المتحدة الأمريكية.

أول عمل روائي له عنوانه “الأخت كاري” نشرت في عام 1900. ويصور فيها مجتمعاً متغيراً ومصير فتاة شابة تهرب من الريف وتتوجه إلى مدينة شيكاغو وتفشل في العثور على عمل. ولكنها تقع فريسة لعدة رجال، وتحقق في النهاية حلمها في أن تجد عملاً كممثلة. ولكن إنهالت الإعتراضات عليها بذرائع أخلاقية، ووجه الإتهام لها بأنها تسعى إلى الشهرة والثروة من خلال علاقاتها مع الرجال. وإكتسب الكتاب شهرة وسمعة كبيرة، ووصفت الرواية بأنها من “أعظم الروايات الحضرية الأمريكية”. وكتب بعد ذلك حكاية قصيرة تحت عنوان”الزنجي جيف” التي نشرها في “مجلة أينسلي” في عام 1901. وألف درايز روايته الثانية “جيني گيرهارد” في عام 1911، حيث تناول الكاتب فتيات شابات كبطلات غادرن الريف ليجدن أنفسهن في وسط التحولات والمتغيرات التي طرأت على المدينة.

ومن أبرز روايات درايزر التي لاقت نجاحاً وبيعت بأعداد كبيرة هي “تراجيديا أمريكية” والتي نشرها في عام 1925. لقد دأب درايزر منذ عام 1892 عندما عمل صحفياً، على جمع مشاهد معينة من نماذح الجريمة التي شاعت في أمريكا.

وعدّ هذه النزعة الإجرامية نابعة من “الطموح المتصاعد عند الشباب في الحصول على المال والجاه بأية طريقة ووسيلة”. وأصبح إنتهاز الفرص بمثابة وباء شاع في المجتمع والذي من شأنه أن يؤدي إلى إرتكاب الجرائم كشكل من أشكال “القتل من أجل الحصول على المال”. وظل درايزر يجمع مثل هذه النماذح حتى عام 1935. لقد إستند درايزر في كتابة روايته على حادث إغتيال گريس براون في نيويورك وهي فتاة شابة قام صديقها بإغراقها في بحيرة بعد أن أخبرته بأنها حامل، وهي حادثة أثارت الرأي العام الأمريكي.

وقام درايزر بتأليف العديد من الروايات الإجتماعية ومنها”أخي بول”، وهي قصة حياة أخيه المغني الذي إشتهر في عقد التسعينيات من القرن التاسع عشر وفارق الحياة، ورواية “ثلاثية الرغبة” و”الممول” و”الرواقي” و”العبقري”، وهي القصة الأقرب إليه والتي كتبها خلال أربعة سنوات وطبعت لأول مرة عام 1915.

أثناء نشاطه في التأليف، كان على الدوام يصطدم بأجهزة الرقابة بسبب حساسية المواضيع التي يختارها والشخصيات التي يتناولها والتي لا تنسجم مع آراء أصحاب القرار في المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، بلد الحريات اديمقراطية كما يعلن عنها. وخاض درايزر حملة ضد ملاحقة الرموز التقدمية والإصلاحية والعمالية الذين عدّهم من جملة ضحايا الظلم الإجتماعي في امريكا. وشمل ذلك الدفاع عن “فرانك ليتل” احد قادة منظمة “العمال الصناعيين في العالم”، ووقف ضد طرد “أيما گولدمان” الناشطة اليسارية التي سجنت عام 1917 وأبعدت لاحقاً مع 248 آخرين من زملائها إلى روسيا. وأدان الحكم على القيادي النقابي الأمريكي “توماس موني”. أسس درايزر “اللجنة الوطنية للدفاع عن السجناء السياسيين في امريكا”، وشن حملة ضد الملاحقات الموجهة ضد عمال مناجم الفحم ونقاباتهم.

عدّ درايز نفسه ناشط إشتراكي، وكتب عدداً من المقالات والكتب السياسية، ومن ضمنها كتاب “نظرة على روسيا” في عام 1928 وهو تغطية لسفرة له إلى الإتحاد السوفييتي عام 1927، وكتاب “ أمريكا التراجيدية”(1931) و”أمريكا تستحق الحماية”(1941). إلتحق بصفوف الحزب الشيوعي الامريكي عام 1945. وصفه الكاتب والناقد الأدبي الأمريكي “ألفرد كازين” بأن:”أقوى من كل الآخرين في عصره، وفي الوقت نفسه كان أكثرهم حدة وأكبر من العالم الذي وصفه، إلاّ أنه تصرف على غرار الشخصيات في رواياته”. ويرى البرفسور الإنجليزي “لارزر زيف” أن درايزر :”نجح أكثر من أسلافه أو خلفائه في إنتاج أعمال روائية أمريكية عظيمة”.

عرض مقالات: