ليست انتفاضة تشرين المجيدة، الا نتيجة طبيعية لسلسلة من التظاهرات التي انطلقت في مدن العراق كافة وفي كل ميادين العمل والحياة.. وتم قمعها والعمل على تشويه صورتها.
هذه التظاهرات مجتمعة، تحولت الى انتفاضة شعبية عارمة امتدت الى زمن ستدق اجراسه الشهرين وقد يمتد..
وفي تأمل لحقيقة وابعاد هذه الانتفاضة، نبيّن الآتي:
1- سلمية التظاهر، وجدية ومشروعية المطالب، ووحدة الشعب المنتفض بعيدا عن الطائفية والمناطقية والعنصرية والفئوية.
2- انكسار حاجز الخوف لدى الشبيبة المنتفضة، والانتقال من مطلب الإصلاح الى التغيير الشامل.
3- انهيار مفهوم المقدس الذي كان يهيمن على المجتمع، وبات الوطن وحده هو الجدير بالاحترام وحتى القدسية، وتميز هذا الهدف برمزية العلم العراقي.
4- الدعوة الى مدنية الدولة والى الهوية الوطنية، هي السمة البارزة والمنطلق الوحيد لدى الجمهور المنتفض.
في الوقت نفسه، تعاملت السلطة مع هذا العنصر الشبابي الذي تم تغييبه وادانته والعمل على تشويه صورته واشغاله بأمور هامشية بهدف تغييب وعيه عن حقيقة ما يجري، مرة باسم نصرة المذهب، ومرة اتهامه بالانتماء للنظام السابق ولعصابات داعش، ومرات بالوعود الكاذبة والمسكنات والمظاهر الزائفة والعمل على افراغه من أي توجه وطني او موقف بناء او تصور حقيقي عن الخراب الذي تواجهه البلاد..
وظلت السلطة تراهن على ما يلي:
1- يراهن المسؤولون على ان يمل المتظاهرون وتكل عزيمتهم وينفد صبرهم.
2- مواجهة الانتفاضة بالأساليب القمعية المعروفة باستخدام الرصاص الحي، والاعتقال والاختطاف.. مدعية انها تحمي المتظاهرين من المندسين.
3- العمل على اتهام (مجهولين) في عمليات القنص والقتل العشوائي، وهي ادانة ضمنية تمارسها الحكومة ضد نفسها، فلا يعقل ان تكون هناك قوى مسلحة تعمل خارج الدولة وسلطة وإرادة القانون.
4- يعلن ان الجيش والقوى الأمنية والشرطة انها تمارس عملها بشكل مجرد من الأسلحة، تاركة امر السلاح لقوى أخرى خفية ترتدي السواد والاقنعة وبعلم الحكومة، وهو امر مثير للشك والانتباه الى طبيعة ما يجري.
5- تحاول السلطة تغييب الشعب عن كل ما يجري وذلك بقطع وسائل التواصل الاجتماعي والضغط على القنوات الفضائية وقمع الحريات وتكميم الافواه والاعتماد على خطاب احادي تسويفي في وعوده وانجازاته واصلاحاته، وهذه أمور بات الشعب يدرك حقيقة امرها جيدا وهي محاولة فاشلة ليس بوسعها اقناع أي من المنتفضين.
6- ما زالت الدولة برمتها (البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية وحتى القضاء) ينطلقون في خطاباتهم من الصاق التهم المختلفة بالمتظاهرين ووصفهم بالمنحرفين، وتقديم شتى الوعود التي لا قدرة لهم على تحقيقها.
من هذه النقاط الموجزة نخلص الى ان مراجعة بسيطة لواقع التظاهر والمتظاهرين بات يعني ان عمق ودلالة ما يفعله هذا الجيل (بدليل انه قد ظهر في زمن عصيب من التظاهر) وصنع ما لم يصنعه كل المسؤولين على مدى 16 عاماً من الحكم. فقد وجدنا في ساحة التحرير جيلا يقرأ ويكتب ويرسم، جيلا يضع الكتاب موضع الاهتمام ويصدر جريدة ويجمل المكان برسوم معبرة ويطلق الأغاني والقصائد وكل صور الجمال والاناقة في هذا المكان الاثير من ساحة التحرير.
وتمت إعادة الحياة الى (المطعم التركي) الذي عجزت الحكومة عن إعادة الحياة اليه منذ عام 2003 حتى الآن.
وظهر تكافل اجتماعي بين المتظاهرين والمجتمع عن طريق الدعم الصحي والغذائي والتعاون في جميع الميادين.
نعم هذا الجيل.. جيل يعرف ما يريد.. في حين بقيت السلطة لا تفكر الا بكيفية الاحتفاظ بمكاسبها ومواقعها وكراسيها.
ترى.. متى يتم فهم الواقع الشعبي الراهن.. متى تصحو السلطة من هذا الغيّ والهيمنة والطغيان الذي تمارسه.. متى تبصر ومتى تكون لها بصيرة.. متى؟
جدلية الوعي بين الشعب والسلطة
- التفاصيل
- حسب الله يحيى
- ادب وفن
- 1453