وزير الثقافة في أي بلد؛ ليس موقعاً وظيفياً مرموقاً، ولا وجها ولا وجاهة إعلامية يتم اضفاء كل من هو نبيل وجميل ومعروف عليها حسب.
كما انه ليس كل من أصدر كتاباً او أدار مؤسسة وتعفر بتراب الآثار وشغل مواقع إدارية خارجية وداخلية، وأفلح هنا أو هناك..
وزير الثقافة؛ عالم كامل من الرؤى والافكار والمعارف والمواقف كذلك.
عالم يختزن في ذاكرته كل ما يتعلق بمعطيات العقل من تصورات وأهداف ومعطيات.. ذلك ان أي اخفاق في هذه الميادين، من شأنه ان يلحق الضرر والاخفاق في مهمة إدارة الثقافة في البلاد..
ان الوسط الثقافي على تنوعه فكراً وعطاء وموهبة، يتفق على مسألة أٍساس تتعلق بكفاءة ونزاهة وعمق الشخصية التي تمتلك (كاريزما) القيادة الثقافية ورسم آفاق مستقبلها..
صحيح ان الكفاءة والنزاهة مطلوبة في جميع الوزارات وفي جميع مرافق الدولة، إلا ان الوسط الثقافي يمتلك بصائر أوسع بكثير من بصائر الاوساط السياسية والاجتماعية والادارية الاخرى، بوصف كل واحد من افراد هذا الوسط معني بالرصد والانتباه الدقيق لكل شاردة وواردة.. وهذا الرصد هو ما يميز المثقف عن سواه..
الرصد.. مهمة المثقف الاساس، وهي عالمه ومنطلق كتاباته وعطائه وثمار نتاجه الابداعي، ومن دون هذا الرصد، يتحول الى شخص يحمل منظوراً كسولاً، وبصيرة غائبة..
ووزير الثقافة المرتقب، لابد من امتلاكه هذه البصيرة في كيفية التعامل مع المثقف بوصفه كائناً عقلانياً وإبداعياً وإنسانياً، والتعامل مع الثقافة بوصفها استراتيجية راسخة وليست تكتيكية عابرة.. كما يعني امتلاك الوزير المرتقب خارطة لا ترسم لحاضر مؤقت، ولا تتكئ على ماضٍ سلفي متدهور، ولا تراكمات ثقيلة مليئة بالاخطاء والفحشاء على حد سواء؛ وإنما ان يكون عارفاً بكيفية إعمار الانسان حضارياً، قبل إعمار مكان لائق لأناقة وفخامة مكتبه.. ذلك ان كل المكاتب مهما امتلكت من الفخامة والابهة؛ لا يمكن ان ترقى درجة واحدة من قبول وزير ليس بوسعه إدارة هذه النخب الثقافية المرموقة والمعروفة والمضيئة في منظور جمهورهم.
ومثل هذا المنظور قد لا يكون الوزير المرتقب عارفاً به، ولم يسبق له مواجهة مثيل له، مما يجعله عرضة للفشل في اداء مهامه.
من هنا يحسن ان يكون الوزير ليس مقبولاً حسب، بل مهماً ومطلوباً من قبل جمهرة المثقفين الذي يحترمون القرارات التي يتخذها، وليست مدار استياء ورفض عاجل، بوصفها قرارات ولدت نتيجة انفعالات معينة او مؤثرات خارجية لا شأن لها بالثقافة والمثقفين.
وليس المهم ان يكون الوزير المرتقب صاحب شهادات عليا بالضرورة، بل الضرورة تقتضي معرفة طبيعة توظيف هذه الشهادات التي حصل عليها في رسم آفاق الحياة الثقافية في عراق يهيمن عليه الجهل والامية والازمات الحادة في كل مرافق الحياة، وفي مقدمتها هذا الكم من العاملين في وزارة الثقافة، من دون ان يكون لهم اي اهتمام بالثقافة والمثقفين وهو الامر الذي يعكس طبيعة التعامل مع هذا الوسط الذي يتطلب اهتماماً خاصاً أكثر بكثير من جميع القطاعات الوظيفية والاجتماعية الاخرى.
وزير الثقافة العراقية المرتقب، وزير دائم الحضور في حياة المجتمع والحياة الثقافية على حد سواء.. بعيداً عن البيروقراطية او النجومية الاعلامية الآفلة المبكرة.. والتي ليس بوسع اعلام الوزارة او سواها اضاءة وجوده ما لم يقترن هذا الوجود بالحضور العميق وعياً وممارسة.. حاضراً ومستقبلاً..

عرض مقالات: