يهتم الإنسان بالحيوانات في كل مكان، ولكنه يأخذ وضعا خاصا في مناطق كردستان، وبسبب الطبيعة الجغرافية القاسية والوعرة أصبحت وسيلة النقل الرئيسية هي البغال

 والخيل والحمير. وقد تعلم الرفاق البشمرگه سواء الأكراد أبناء المدن أو الرفاق العرب كيفيّة ترويض وقيادة هذة الحيوانات التي أصبحت جزءا مهما من تاريخ حركة البشمرگه في كردستان العراق.

هذا مدخل إلى حادثة حدثت معي في ربيع1987 حيث كنت في مجموعة إسناد لمقر قيادة بهدنان -مقر زيوه- نسبة الي قرية زيوة التي تقع في وادي محصور بجبال شاهقة، ويجري بجوارها نهرالزاب الكبير. استدعاني مسوؤل سرية القاطع وأخبرني أن أذهب مع مفرزة صغيرة لجلب سلك اتصال يربط بين غرفة مخابرة القاطع مع موقع الإسناد، مجموعة طيب الذكر أبو لينا-كنّا نسمّيه وِلْد سالِك- الذي يقع في قمة أحد الجبال التي تشرف على المقر.

كانت المجموعة تتكون مني ومن الرفيق أحمد وعايد /مالمو السويد وكاروان دهوك وآشتي عمادية الذي كان مسؤول المجموعة (الراحلون لهم الذكر الطيب)، والبغل الذي كنا نتناوب على قيادته. انطلقنا بعد الظهر، وعبرنا سلسلة جبال متين. مررنا بقرية برجا وقرية بلافا. وعند الغروب وصلنا قرية گوهرز. توزعنا على بيوت القرية الذين رحبوا بنا كضيوف، وبعد العشاء وغياب القمر أصبح الظلام يسود المنطقة. تسللنا بهدوء خارجين من القرية دون أن نعرف وجهتنا. وصلنا الشارع العام الذي يربط قضاء العمادية من اليمين ومجمع الدرلوك من جهة اليسار. ربطنا البغل في شجرة صغيرة بالجانب الأيسر من الشارع وبعد أن تأكدنا من وجود السلك، وقبل أن نباشر بقصه ولفّه، رحنا نسير في الشارع بحذر للتأكد من عدم وجود قوات حكومية أو عناصر من الجحوش.

كان الظلام الدامس يلفّ المكان، وفجاة نصطدم بمجموعة مسلحة، ونسمع كلمة توكي وسحب أقسام، وآشتي صاح توكي مع سحب أقسام؛ ارتبكت المجموعة التي أمامنا. لم يحدث إطلاق نار، وهذا ما فسح المجال أن نرمي أجسامنا على حافة الشارع. انتبهت أني لم أجد رفاقي معي، ولا أعرف الطريق إلى قرية صبنة، حيث انسحبوا باتجاهها. فكرت أن أعود إلى القرية التي جئت منها، وبسبب الظلام لم أستطع التعرف على طريق العودة. في تلك اللحظة فكرت بالبغل. قلت مع نفسي إذا بقي مربوطا قد يموت من الجوع أو يقتل أو يؤسر من قبل قوات السلطة، وهو الوحيد الذي سوف يساعدني بالرجوع الي القرية التي جئت منها. سرت بحذر مع حافة الشارع كنت أتوقف قليلا لأسمع ماحولي ثم أواصل السير وأحيانا أزحف عندما ترتفع الأرض بمستوى الشارع، وصلت الى البغل. عرفني، لم يصدر منه صوت. كانّه يعرف الحذر. كان هادئا. فككت الحبل الذي يربطه، وكان هو دليل الصعود الى القرية.

عبرت الشارع، وأنا أقود البغل صعودا في طريق وعر. وعندما آخذ السير بالاتجاه الخطأ، كان يقف ويرفض التحرك. وعندما أبدل الاتجاه يستمر بالحركة كأنه يقول: هذا هو الطريق الصحيح. وصلت إلى قرية گوهرز، وفي مدخل القرية سمعت سحب أقسام بندقية كلاشنيكوف مع كلمة توكي؛ أخبرتهم أني بشمرگة شيوعي. رحبوا بي وأصبحت ضيفا في نفس البيت الذي كنت فيه قبل ساعات، وعندما عرفوا ماجرى، أخبروني أن مجموعة صغيرة من بشمرگة البارتي سوف تعبر إلى جهة صبنة. ذهبت إليهم وأخبرتهم إذا التقوا رفاقي الرجاء أن ينقلوا إليهم رسالة شفوية هي: أنا بخير ومعي البغل. ربطت البغل قرب البيت. نمت بحذر رغم أن بشمرگة حدك نظموا حراسة حول القرية. وفي صباح اليوم التالي نهضت واتجهت الي صديقي البغل، ونقلته إلى مكان وفير العشب، وكنت كل ساعتين أنقله إلى مكان أفضل وأسقية الماء. كنت سعيدا عندما عرفت أن رفاقي سالمين، وسوف يصلون في هذا المساء. كنت طول النهار اهتمّ بالبغل، أنظفه، أنقله من مكان إلى آخر. ارتح ياصديقي، سوف تنتظرك أشغال شاقة. وصل رفاقي، وكان لقاء حارا. قال أحد الرفاق الحمد لله على سلامتنا. لو ضايع البغل جان شخلصنا من أبو تحو (مختصراسم الرفيق مسؤول الفصيل). عدنا الي مقرنا، وبدأنا التفكير بمحاولة ثانية.