يقع موقع مقر هيركي في قرية شيف أوصمانكا على الحدود العراقية- التركية
بعد وصولي إلى مقر كوماته مع مجموعة من رفاق نينوى ودهوك في ربيع عام 1980، بقينا لمدة أكثر من شهرين قبل أن أًفاتح بمهمة مقترحين من المكتب العسكري لقوة بهدينان الذي كان الفقيدان ألياس عمر وملازم أبو عائد ،ومن خلال أبو داود المستشار السياسي لسرية المقر يجب اختيار أحدهما، إذ بلغت بين أن أتوجه لقيادة مفرزة الطريق إلى سوريا للإشراف على نقل السلاح والبريد، أو الذهاب إلى قرية شيف أوصمانكا القريبة من الحدود التركية التي يتواجد فيه مقر مصطفى نيروي للحزب الديمقراطي الكردستاني في منطقة نيروى لفتح مقر جديد فيها، اخترت التوجه إلى منطقة نيروى وريكان ، والمهمة الثانية كلف بها الرفيق الفقيد أبو حربي ( درمان سلو الختاري ).. وهكذا كلفنا باستطلاع المنطقة في تموز عام 1980 وانطلقنا متوجهين نحو المكان الجديد، فكان عددنا خمسة رفاق وهم:
1ـ أبو فؤاد
2ـ توفيق ختاري
3ـ حمه دوغاتي
4ـ أبو رضية
5ـ الرفيق منذر
وكان قد جرى اختيار الموقع، لأهميته الإستراتيجية للمنطقة التي يسكنها الركانيون والنرويون وقسم من الهيركيين ولكونها تتوسط الطرق إلى سوران لغرض بناء قاعدة وسطية ولاستقبال المفارز بين المنطقتين ولتكون نقطة استراحة أيضاً، وهي قريبة من مجمعات سكنية مهمة ومأهولة بكثافة سكانية بين سلسلتي جبال كاره ومتين، التي تلي الشريط الحدودي المفرغ من السكان من عام 1975.. حيث تم ترحيل سكان تلك القرى من الريكانيين والنيرويين والهيركيين إلى مجمعات قسرية في دير آلوك وشيلادزي وسيريا بالإضافة إلى وجود مدن مهمة ثابتة كالعمادية وسرسنك وبامرني، إضافة إلى مجموعة من القرى التابعة لمنطقة بري كاره، ومنها ، قرى كاره ، زيوكا سيدا، بلوط ، كيزي، ريدينيا، يك مالا، رزوك ، ديرش، اسبيندار خلفو، صاركي، اما القرى الواقعة في منطقة صبنة ، فهي : . باوركي العليا، باوركي السفلى، هفنتكا، بيروزان ، باني، روبار حجي احمد، بليجانكي ،همزيكي، بوطيا، كانى، مزي، كفنا مزي. وهناك قرى أخرى في المنطقة لم أتمكن من تذكر اسماءها للأسف، أما القرى الزيبارية، فمنها : .قرى هاريكي العليا، هاريكي السفلى، بياوي، سروكاني، خواستو ، هرورا، وكذلك توجد قرى زيبارية أخرى لم تسعفني الذاكرة باسمائها. تتميز هذه المنطقة بطوبوغرافية معقدة وصعبة للغاية، إلى جانب طبيعتها الخلابة التي تضم بساتين وغابات كثيفة ومياه عذبه وغزيرة، وهذه الميزات تجعل من الصعب على العدو التغلغل فيها، أو السيطرة عليها، مما يسمح للأنصار بتنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات المعادية بفعالية .
بعد الاستطلاع واللقاء بممثل الحزب الديمقراطي، الدكتور علي نيروي بسبب عدم وجود المسؤول الأول مصطفى نيروى الذي كان قد غادر إلى إيران في إجازة، تم الاتفاق على فتح مقر بالقرب من مقرهم، في قرية شيف أوصمانكا، وكان لتوجهنا انعكاس ايجابي عليهم ساعد في رفع معنوياتهم وعلمنا أن المكتب السياسي لحزبهم الذي وجههم للتعاون مع الشيوعيين في المنطقة.
بعد الاستطلاع الذي دام يومين للموقع عدنا إلى مقر كوماته ووضعنا المخطط أمام قيادة القوة مع مقترحاتنا وأعطيناهم صورة مفصلة عن المكان والوضع العام هناك، ونتائج انطباعنا على مجموعة حدك المتعاونة. وبعد أسبوع اتخذ القرار بالتوجه الفعلي لبناء وفتح المقر ونسب فصيل من 18 نصيراً أطلق عليه فصيل هيركي، قوامه من شباب متحمسين يمتلكون إمكانيات جسدية ومعنويات عالية وهذه هي أسماؤهم.
1ـ الدكتور سليم كمستشار سياسي (ياقو إشو)
2ـ توفيق ختاري المسؤول العسكري (خيري درمان الختاري ) كاتب هذه السطور
3ـ أبو حياة آمر حظيرة (فارس كريم )
4ـ أبو محمد امر حظيرة( هاشم كاظم )
5ـ أبو نادية المستشار السياسي
6ـ أبو عوف المستشار السياسي( دكتور علي ابراهيم)
7ـ شاكر دوغاتي (شمو سليمان دوغاتي )
8ـ هشام شقيق ناظم (علي عبدي الختاري )
9ـ أبو شرارة ( غسان الداني )
10ـ أبو حيدر معاون آمر فصيل ( جراح الفؤادي)
11ـ سليم كربلائي اداري الفصيل ( عبد الرزاق خضير)
12ـ أبو براء
13ـ أبو إدراك
14ـ أبو وليد ( علي بادي )
15ـ ابو سامان، من اهالي الديوانية
16ـ أبو هايدن
17ـ زهيرـ (منتصر )
18ـ الفقيد كامل شقيق ابو داود
مما يذكر إن أنصار الفصيل كانوا يشكلون موزاييكا جميلا من أبناء الشعب العراقي، إذ كان من بينهم عرب وأكراد وأيزيدينن ومسيحيين الذين كانوا إنعكاسا لطبيعة حزبهم التي جسدت المواطنة العراقية الحقة .
بدأنا العمل ببناء المطبخ وغرفة للنوم مع بقية المستلزمات بما فيها غرفة صغيرة للمكتب، في هذه الاثناء اتصل بنا حدك من خلال الدكتور علي لأجل ترتيب أمر نزول مفرزة مشتركة فقررنا الاشتراك في هذه المفرزة بثلاثة رفاق فقط نظرا لحاجتنا إلى الرفاق لمواصلة البناء وخوفا من قدوم فصل الشتاء، فتم اختيار أبو حياة وابو حيدر(صبري) والفقيد هشام بمرافقة مفرزة حدك. وحددنا لهم طبيعة عملهم ومهامهم وشددنا على أهمية التركيزعلى المعلومات الجغرافية والسكانية ومواقع السلطة والجيش وأسماء القرى، وابلغناهم في حالة القيام باي عملية عسكرية من قبل المفرزة يجب ان لايكونوا في المجاميع الهجومية لاعتبارات كثيرة منها عدم معرفتهم بطبيعة المنطقة وهم جدد وكذلك خشية خسارة غير مبررة أو الدخول في معركة غير متكافئة كما حصل مع البيشمه ركه الشاب اللطيف زبير نيروي وتركه في ساحة المعركة. بقينا نواصل البناء واستكمال بقية المستلزمات، بما فيها تهيئة الأرزاق وشرائها، كان معنا مبلغ بسيط لم يكف إلا لفترة أقل من شهر فاضطررنا لاستدانة مبلغ إضافي من رفاق حدك.
غادرت المفرزة المشتركة إلى منطقة دشت زي في يوم18-8-1980، وبعد جولة سريعة قررت المفرزه تنفيذ عملية عسكرية بضرب مقر منظمة حزب البعث في دير آلوك. وشخصوا الرفاق الثلاثة اعلاه للهجوم مع مجموعة ال أر بي جي، خلافا لتوجيهاتنا بهذا الشان. كانت المعلومات عن العملية قد تسربت إلى السلطة، التي تهيأت لاستقبال المهاجمين من خلال الكمائن العسكرية التي كانت تحيط بالمنظمة. وقبل وصولهم أطلق عليهم النار، فاستشهد الـ بيشمركة المدعو زبير من حدك وأصيب النصير الفقيد هشام بطلقة ناريه قذفت اليشماغ من فوق رأسه دون إصابته بجرح. وبعد أسبوع عادت المفرزة وكان بحوزة رفاقنا خارطة ومعلومات مهمة عن المنطقة وقراها وطرقها. أستفدنا منها لاحقا في عملنا العسكري ونشاطنا الجماهيري في المنطقة.
رغم ذلك في بداية تواجدنا في المنطقة وعملنا اللاحق عانينا من صعوبات كثيرة ، لأننا لم نكن من أبناء هذه المنطقة وكانت المعلومات التي وفرتها المجموعة التي رافقت بيشمه ركه حدك في أول جولة لها رغم أهميتها غير كافية للإعتماد على إمكانياتنا، فقد كنا بحاجة إلى اكتساب خبرة بشأن كل ما يتعلق بأوضاع المنطقة ، لذا قررنا تشكيل مفارز صغيرة من خمسة رفاق أو أكثر للقيام بعمليات اسطلاعية إضافية للمنطقة وللطرق والمسالك والقرى القريبة عن المقر، كنت أشارك شخصيا كل تلك المجاميع التي كانت تستغرق جولاتها في بعض الأحيان أكثر من عشرة أيام . على اثر ذلك استطعنا خلال فترة قصيرة التعرف على جميع الطرق والمسالك والقرى في المنطقة ، بحيث أصبح أغلب الرفاق أدلاء ذو خبرة يمكن الاعتماد عليهم بشكل جيد ، في هذه الاثناء تم تعزيز ملاك المقر بأنصار آخرين على شكل وجبات، للأسف لاتذكر اسماء الجميع ولكن على ما اعتقد كان الرفاق ابو ولاء ، ابو نضال، وسام سيكيري ، ابو ناتاشا ،والرفيقات عائدة ، مها أم عطا وأبوعطا من بين مجاميع التعزيز .
بعد ذلك قمنا ببناء غرفة إضافية لتوسيع المقر. وبعد الانتهاء من مهمة البناء والمستلزمات الضرورية، اتصلنا مع الديمقراطي وطرحنا عليهم فكرة النزول بمفرزة مشتركة كبيرة إلى منطقة دشت زى ( منطقة ديرلوك ) رحبوا بالفكرة، وبعد ايام انطلقنا كمفرزة مشتركة، وكانت مجموعتنا مكونة من 16 نصير ( توفيق ختاري ) آمر المفرزة المستشار السياسي الدكتور سليم، اذكر منهم أبو حياة وأبو محمد أمراء حظائر ومعاون أمر المفرزة أبو حيدر وأبو عوف وأبو نادية مستشارين الحضائر وأبو شرارة وهشام وشاكر وأبو وليد وأبو هايدن وأبو سامان وأبو إدراك وأبو براء. لم نصطحب النصيرات معنا بالرغم من إلحاحهن بسبب حاجتنا إلى المزيد من المعرفة لطبيعة المنطقة بكل جوانبها.
تجولنا في المنطقة مع مجموعة بيشمه ركه الديمقراطي لفترة قصيرة، وبعدها قررت مفرزة الحزب الديمقراطي العودة إلى قاعدتهم، اما نحن فقررنا الاعتماد على إمكانياتنا ومعرفتنا للبقاء في المنطقة، وبعد ذلك التوجه للقاء مفرزة توما توماس الكبيرة التي كانت حينها تتجول في منطقة سهل نهلة، والتي كانت تبعد عن منطقة دشت زى بحدود أربعة أيام ، مرورا بمجموعة قرى،لاول مرة نستكشفها ولم نكن نعرف أسماءها ولامسالكها ولا المعلومات عنها، كنا نعتمد على الادلاء الذين نطلبهم من المخاتير لمرافقننا من قرية إلى أخرى، وهكذا إلى ان وصلنا إلى مفرزة أبو جوزيف. و كانت هذه أول مرة نصل فيها إلى العمق والقرى العامرة. عندما تجولنا بين الناس اندهشوا من وجود الشيوعيين وبينهم مقاتلون عرب لا يجيدون الكردية، فانتشرت أخبارنا كالبرق في المنطقة، وكان ذلك يشكل مفاجاة للناس في المنطقة ( عرب أنصار يتجولون في المنطقة ويقاتلون نظام صدام )، كان ذلك بالنسبة إلى الكثير من الناس أمرا مثيرا، لا يصدقونه ويتصورون بان هذه المفرزة ربما تعود للسلطة ولكنهم متنكرين بزي الـ بيشمه ركة لخداعهم، ولهذا كان يتعاملون معنا في البداية بحذر شديد. ولكن بعدما تأكد لهم من انه فعلا هذه المفرزة تابعة للحزب الشيوعي، تحول حذرهم إلى التعاون بلا حدود، والتمسنا احترام وتقدير أغلبيتهم وتعاطفهم الشديد مع وجود الأنصار العرب بيننا. وكنا نحن أيضا نمتحن وجودنا بمدى تعاطف الناس مع توجهنا السياسى الجديد ومواجهة النظام الدكتاتوري بالسلاح .
نعم كانت البدايات وكنا جميعا نعاني من قلة خبرة العمل الانصاري في المجال العسكري، بالإضافة إلى عدم معرفتنا الكاملة بطوبوغرافية المنطقة، وانعدام الركائز الحزبية والمتعاونين معنا في مجال المعلومات الاستخباراتية عن ركائز النظام الاستخبارية المتواجدة في منطقة نشاطنا، وذلك بسبب كوننا حديثي التواجد في المنطقة ، التي كانت واسعة ومأهولة بالسكان. بالإضافة إلى نشوء خلافات بينية تنظيمية بشأن من يقود العمل ..؟ هل المسؤول السياسي أم العسكري..؟ ولمن تكون الأولوية ..؟ وتحول هذا إلى صراع وخلاف يومي أدى ذلك إلى ارباك العملين العسكري والسياسي، واستمرت تأثيراته لسنوات طويلة. كنت واحداً من بين الذين فكروا بمدى حاجتنا إلى كوادر حزبية مؤهلة لهذا الظرف الجديد، إذ كنا نعاني من عدم وجود كوادر ممن يتحدثون اللغة الكوردية، فقد كنا خمسة رفاق فقط نتحدث الكوردية، ولسنا من أهل المنطقة وهذا كان يسبب لنا مشاكل في بعض الاحيان بالرغم من احترام الناس لنا. علاوة على ضعف الخبرة القتالية وعدم إجادته على أرض الواقع، حيث لم يتدرب الأنصار ولم يخوضوا معارك في السابق، وكانت خبرة غالبيتهم تتوقف عند الجانب النظري، فكنت أتوجس من احتمالات وقوعنا في الكمائن أو معاركا تفرض علينا، وبدأت أركز على أسلوب حدك الآمري في التعامل مع جمهور الفلاحين، وتكوَن لدي انطباع بشأن إمكانية التجول لوحدنا بالرغم من وجود المخاطر ووجود الاستخبارات والعناصر المتعاونة مع النظام من حولنا، وقررنا عدم التساهل في هذا المجال، وإزاء ذلك برزت عند بعض الرفاق نزعة الاطلاع على دقائق الأمور، بالرغم من حساسية وضعنا وطبيعة العمل الأنصاري التي تتطلب الحزم في اتخاذ القرارات.
بعد جولة استغرقت عدة أيام قررنا التوجه إلى الجهة الثانية لنهر صبنه الموازي لدير آلوك وقرى الزيبار بواسطة زورق مخفي بين الادغال، فوصلنا إلى قرية سري كاني والتقينا بمختارها( حسن)، وسرعان ما انتشر خبر وجود مفرزة الحزب الشيوعي في المنطقة. كان من المعتاد أن يتوجه المسؤول لبيت المختار أو أي شخصية معروفة في القرية. اتفقت مع مختار القرية لمساعدتنا في اليوم الثاني للوصول إلى قرية كافية التابعة للعشائر الزيبارية وكنا نتحسب لطبيعة علاقتهم مع السلطة وارتباطهم بالأغوات الزيبارية المتواجدين في الموصل وعقره بحكم قربهم إلى النظام آنذاك، لذلك كان من الضروري أن أسلك طريقة حدك الأمرية في التعامل مع مخاتير المنطقة دون تساهل علاوة على مجالات أخرى، لغرض فرض هيبتنا وصون أمننا، لكن في هذه المرة أيضا لم يستوعب الرفاق الأنصار هذا الأمر، فقالوا هذا لا يليق بالشيوعيين، وأخذوا ينتقدوني وينعتوني بدكتاتور والتعالي على الناس .
قبل حلول النهار في وقت مبكر قررنا ترك قرية سه رو كاني، وبأمر مني كلف المختار أحد أبناء القرية لمرافقتنا كدليل للوصول إلى قرية كافيه، قبل وصولنا إلى هناك، كلفت النصير هشام مع نصير آخر بالدخول إلى القرية واستدعاء مختارها، الذي جاء مذعوراً متوجها نحوي منحنيا من مسافة عشرين متر، وبعد اللقاء به، أمرته بتوزيع الانصار على بيوت القرية وأنا صرت بضيافته تلك الليلة. من هناك كلف المختار بطلب مني اثنين من رجال القرية لمرافقتنا إلى قرية ردينيا في بري كارة ومنها إلى قرى كارة الأخرى ، ومن الجدير بالقول إن المشاكل البينية زادت وتيرتها في المفرزة وكانت تكبر وتعيق بدايات أنشطتنا الجماهيرية والعسكرية، بحجة أهمية المشاركة الجماعية والألتزام بمبدأ الديمقراطية وغير ذلك ، في شأن اتخاذ القرارات المختلفة في ظل المتغيرات السريعة التي تتعرض لها حركة المفرزة .
في قرية كارا، وفي بيت المختار علمت بان مفرزة صغيرة من ثلاثة رفاق لنا، وهم أبو داود وناظم ختاري و أبو ايفان القوشي، قد تعرضت إلى كمين قبل أيام في كلي آفوكي مع وجود خسائر حلت بهم، فاستدعيت أمراء الحضائر مع الدكتور سليم وأبلغتهم بالخبر مع اتخاذ أجراءات تحوطية وضرورة اليقظة والحذر في تحركنا، مع اتخاذ قرار لوضع خطة بشأن كيفية انطلاق المفرزة من مكان إلى آخر لزيادة أمن المفرزة وتجنب أية خسائر كبير في حال تعرضها إلى كمائن العدو، وكانت الخطة تشمل بمقدمة للمفرزة من ثلاثة رفاق مع مجموعة تتوسطها مسافات أمان في الوسط ومجموعة في المؤخرة مع السلاح الساند، وعلى اثر ذلك قامت القيامة عليً، وطلب الدكتور سليم عقد اجتماع طارئ، لاتخاذ قرار بفصلي وسحب مسئولية قيادة المفرزة مني ، بسبب عدم استشارته والتفرد باتخاذ القرارات العسكرية التي تخص حركة المفرزة اليومية وخلافات اخرى.
اعترض آمري الحضيرتين أبوحياة وأبو محمد على دعوة الدكتور سليم المسنودة من قبل غالبية الرفاق في المفرزة ، وقالا يجب أن نتجاوز كلي آفوكي الذي نصب فيها كمين من قبل عناصر الاستخبارات المتعاونه مع السلطة والذي استشهد فيه الرفيق ( ممو ) أبو إيفان وإصابة الرفيق ناظم ختاري بجروح خطيرة، والوصول إلى منطقة آمنة لتحقيق مثل هذا الاجتماع، وافق الجميع على مضض على رأي الرفيقين أبو حياة وأبو محمد، وفعلا بعد صولنا إلى منطقة آمنة وهي قرية آطوش مرورا بأفوكى وقريتا جمانى وصوصيا عقدنا اجتماع اللجنة الحزبية، اتفقنا فيه عقد اجتماع حزبي خاص لاتخاذ القرار بهذا الخصوص، واتخذت اللجنة قرارا تاريخيا وهو سحب مسؤولياتي العسكرية كآمر مفرزة باعتراض أمراء الحضائر، أبو محمد وأبو حياة، وأبدوا عدم استعدادهم للتعاون مع الدكتور سليم الذي طرح نفسه مسئولا عسكرياً، وأوضحوا له أن الرفيق توفيق المسؤول العسكري للمفرزة يتبع خطوات عسكرية صحيحة، وهم قد درسوا ذلك أثناء تدريبهم مع المنظمات الفلسطينية، فاضطر الدكتور سليم التراجع عن القرارات المتخذة لحين الوصول إلى مفرزة أبو جميل، شخصيا لم أبال بالموضوع المثار ولا بقرار فصلي، وبدأت أركز على أهمية اللحاق بالرفيق أبو جميل المسؤول العسكري لقاطع به هدينان والموجود مع مفرزة كبيرة في نفس المنطقة التي نتجول فيها وحرصت على إيصال المفرزة إلى عنده بسلام ، كنت أشعر بما يوتر الرفاق والأنصار، بسبب عدم فهمهم لقواعد العمل العسكري وإجراءاته الضرورية.
المهم هناك في قرية آطوش قال لي مختارها، أن أبو جوزيف يتجول في منطقة نهلة، وقال من يومين كان هنا عندنا. في اليوم التالي توجهنا نحو قرى الزيبار في دشت نهلة وصلنا إلى قرية ميروكي، هناك التقينا بالمفارز المنضوية إلى مجموعة أبو جميل، كان أبو باز وأبو ليلى أمراء مفارز اجتمعوا ليشكلوا مفرزة كبيرة وهو أسلوب اتبعه الراحل أبو جوزيف في المناطق الخطرة تحدياً للسلطة. شرحت في لقائي مع أبو جميل تفاصيل معاناتي مع اللجنة الحزبية والدكتور سليم، أبدى الرفيق انزعاجه من هذه التصرفات وقام باستدعاء الدكتور سليم وقال له، هل أنت شخصتَ توفيق ليصبح آمر مفرزة..؟ ماذا تعرف عن الشؤون العسكرية كي تلجأ لهذا الأسلوب وتقرر من يكون المسؤول العسكري ومن هو أمر الحظيرة..؟! ووضح له ، بأنه ليس للمسؤول السياسي أي علاقة بالشؤون العسكرية، والمسؤول العسكري يتحمل مسؤولية قراراته وله الصلاحية الكاملة باتخاذ القرارات. وعلى أثر ذلك اعتذر الدكتور سليم وقال (هذا الأمر جديد علي ) و كنت أتصور أن الحزب هو الذي يقود ويقرر بشكل مباشر. في اليوم التالي كلف أبو جميل الرفيق أبو باز بعقد لقاء مع المفرزة واللجنة الحزبية لشرح ملابسات العلاقة بين العسكري والسياسي وكيفية التعاون والتنسيق دون الدخول في صراعات تعرقل العمل، لكنه أضاف قائلا أن العسكري هو المسؤول الأول عن القرارات. بهذا القول تعكر مزاج دكتور سليم وبعض الرفاق الاخرين في اللجنة.
اتفقت مع أبو جميل أن أتوجه في إجازة إلى الداخل، للقاء عائلتي التي غادرتها منذ سنتين، وقد بقيت المفرزة مع ابو جميل بعد أن منحت مدة عشرة أيام للذهاب والعودة، نزلت إلى ختارة متسللاً مع هشام وعدد من رفاق التنظيم، تفاجأت بوفاة والدتي قبل ستة أشهر، ولم أكن أعرف الخبر، كان الأقسى في الموضوع تسرب خبر من الدوائر الامن في المنطقة عن وقوعي في كمين، ومقتلي مما أحزن والدتي التي تعرضت لصدمة ساهمت في تعجيل رحيلها.
في ختارة تعرضت لمشكلة خطيرة، بدأت مع دخول زوجة أبي الغرفة التي كنت اختبأ بها صائحة بذعر، انهض داهمنا الخطر، القرية طوقت بالعسكر، تحزمتُ وطلبت منهم مغادرة البيت والأبقاء على الأبواب مفتوحة،وتهيأت للتصدي للمهاجمين، فقد كنت أتصور أن أمري قد انكشف، وأنهم جاؤوا لاعتقالي، فقررت الاستعداد للمقاومة حتى الموت، لجأت لزاوية متروكة بين جدارين بين بيتنا وبيت الجيران، كنت احصرُ نفسي في زاوية غير مرئية وأتهيأ للطوارئ، سمعتُ مكبرات الصوت تدعوالناس بالعربية للاستسلام، كان النداء موجها للهاربين والمتخلفين عن العسكرية والجيش الشعبي، أدركت أنهم في مهمة أخرى، ليست لها علاقة بوجودي السري في البيت، لكنني تحسبتُ للصدف واحتمالات مداهمة دارنا، كانت الدقائق تمضي بقلق، خاصة وأنا أفكر بمصير أهلي وزوجتي وأطفالي، بدأت أتخيل عدة سيناريوهات كلها فظيعة تنبأ بما لا تحمد عقباه، في هذه الأثناء أحسست بوخزة مؤذية في الفخذ، أدركت أن عقرباً لدغني، في هذه اللحظات الحرجة بدأت أفكر بالموت، لم يكن لي خيار غير التحمل والصبر، بعد الرابعة عصراً انسحب الجيش والقوى التي ساهمت في تفتيش القرية ما عدا بيتنا، علمت أنهم أصابوا هارباً بجروح قبل اعتقاله يدعى ( كريت جاسم ناصر)، وعلمت أن من بين الذين ساهموا في تطويق القرية المدعو حسين كوجي من قرية شيخكا.
في نفس الليلة غادرت القرية، بعد أن احتسيت قدراً من الخمر متوقعاً أن يخفف الخمر من آثار لدغة العقرب، في الطريق بعد لقائي برفيقي هشام الذي كان قد توجه لذويه في قرية دوغات واصلنا طريقنا نحو قرى الجبل، في الطريق علمنا بعد مسيرة يومين بوجود مجموعة من الرفاق من مفرزة أبو نصيرالصغير بقيادة أبو رؤوف ومعهم المعتقل البعثي حسين كوجي، تفاجأت بوجوده في قبضة المفرزة ، بعد أن داهمني وأرعبني بحق قبل يومين في ختارة أثناء إجازتي ووضعه الذليل والخائف طالباً مني مساعدته، قلت له قبل يومين كنتُ أواجه الموت أثناء مداهمتكم ختارة مع الجيش وها أنت تطلب مني المساعدة اليوم، لا أصدق ما يحدث، حقيقة لم أكن أدرك بوجود مفرزة أبو نصير ومن معه في الدشت ولم أتوقع أن أتفاجأ باعتقال حسين كوجي الذي أذاقني المر قبل يومين فقط، ومع ذلك واصلت طريقي للوصول إلى حيث موعدي مع أبو جوزيف و المفرزة، ونقلت لهم خبر اعتقال حسين كوجي وما حدث معي في ختارة وقد فرح الجميع بهذا الخبر السار، بعد اللقاء بالرفيق توما توماس تمت مناقشة أوضاع المفرزة والعلاقة بين المسئولين وأمرنا بالتوجه إلى المقر وطلب عدم التجول بين القرى في مثل هكذا أوضاع لحين ترتيب وتحسين العلاقة بين المسئولين ومعالجة إشكالات العلاقة بين السياسي والعسكري، ومن الآن توفيق هو المقرر وعليكم عدم الاعتراض على توجيهاته لحين البت في أمركم، عدنا إلى المقر محملين بقسط اقل من المشاكل بعد توضيحات أبو جميل وكان من المقرر أن يعود هو الآخر إلى مقر كوماته، ولهذا أكد انه من الضروري أن أتوجه إلى هناك فوراً، وصلنا المقر بعد خمسة أيام، وغادرت باتجاه كوماته مع خمسة أنصار بينهم أبو شرارة، كان أبو جميل قد وصل هو الآخر، التقينا بهم في القيادة، وطرحنا أوضاع المقر الإدارية والعسكرية والسياسية، في اللقاء طرح أبو جميل توجههم لتعزيز أوضاعنا ودعمنا من النواحي الاقتصادية والعسكرية بما فيها تحسين سلاحنا ولأول مرة شاهدت أحد الكوادر كان اسمر يميل للسواد في مكتب أبو جميل ممدداً، أشر إليه وقال هذا سيكون مسئولكم، وقال لي بالكردية من باب المزح انتبه عليه، عيونه زائغة، يميل للعلاقات الجنسية مع الجسم اللطيف، انتبه إليه كثيراً، وبعدها قال بالعربية مخففاً انه يحب النساء، ونسب للعمل معنا عدد آخر من الأنصار والنصيرات بينهم أبو جواد وأم جواد وأم بهاء وأبو بهاء، في اليوم التالي غادرنا متوجهين إلى مقر هيركي، في الطريق توقفنا في قرية بيلات التركية كي نعبر الجسر ليلا، ونصل إلى الجهة الثانية من نهر الزاب، عند العبور توقف أبو طالب عن المشي، فجلبنا له بغل ليمتطيه، كانت المنطقة خطرة فكلفت أبو شرارة بالمقدمة ورافق أبو طالب نصير آخر، كنت في المقدمة بعد أبو شرارة الذي شاهد ضوءًا فتصوره عربة عسكرية تركية، وبعد أن نبهنا طلبت منه مرافقة أبو طالب، وسحب البغل باتجاه انحدار الوادي نحو مجرى النهر، فقفز أبو طالب من ظهر البغل وانحدر ساقطاً في النهر وانزلقت عليه حجارة فصاح بنا أبو شراره، أبو طالب غرق في النهر، وجدناه ماسكاً بصخرة وينادي اسحبوني، سحبناه وأنقذناه من الغرق، كان يرتجف من البرد، قلت له، لماذا رميت نفسك..؟ قال لأن البغل عال ويمكن أن أكون مكشوفا وفي مرمى نيران العدو، ولم أكن أتصور بان مجرى النهر قريبا عني ، بعد ساعة وصلنا إلى بيوت الرعاة التي كانت في طريقنا، كان الضوء عبارة عن شعلة نار يتدفأ بها الرعاة، استرحنا عندهم ساعتين وواصلنا طريقنا، بعد مسيرة يومين وصلنا إلى مقر هيركي.
مباشرة بدأت مرحلة جديدة من العمل بتقسيم القوة وترتيب أوضاعها، أصبح أبو طالب المسئول الأول عسكرياً وسياسياً وأنا معاونه العسكري ونسب دكتور سليم للإدارة، وبهذا تكون المكتب من ثلاثة أشخاص فقط، وشكلنا فصيلين الأول قاده أبو حياة والثاني أبو محمد، وبدأنا ببناء غرفة جديدة، بعد شهرين توجهنا في أول مفرزة كبيرة من عشرين نصير ونصيرة بينهن عائدة التي كانت نشطة ومها وام عطا مع مدفع 60 ملم للداخل، بدأنا بسلسلة قرية باوان المشرفة على نهر الزى، تفاجأ الناس بوجود النصيرات معنا، كانت النسوة تتجمع حولهن وكان لوجود العناصر النسائية دور مهم في توعية الناس بخصوص أهمية دور المرأة بالرغم من دعايات السلطة وأقزامهم في خلق دعايات لتشويه سمعة الشيوعيين.
كان أبو طالب يتصرف كمسؤول، لم يكن له علاقة بتحركنا وخط سير المفرزة والتوزيع الذي يعود لي، قررنا تنفيذ عملية بقصف موقع ربيئة عسكرية بالمدفع العائد لنا مع إطلاق السلاح الساند، أشرفت على تنفيذ العملية بعد الاستطلاع من بعيد، عند الشروع بالحركة لتنفيذ العملية ودعت المجموعة بقية الأنصار، كان أبو طالب يذرف الدموع علينا أثناء التوديع بدل تشجيع مجموعة العملية ورفع معنوياتها، ومن بعد 500 متر تم توجيه القذيفة الاولى نحو الربيئة من منخفض، ولم يثبت الطاقم ركائز المدفع بشكل صحيح في الأرض، فعبرت القذيفة الهدف، وفي الثانية انزلق المدفع من مكانه ولم نعرف أين سقطت قذيفتنا الثانية، وبقينا نطلق الرصاص من السلاح الساند، ردّ الجيش علينا من مواقع متعددة مواصلا قصفه المدفعي، وكانت الربيئة الهدف ترشقنا بنيران سلاحها الساند لمدة ربع ساعة قبل انسحابنا، ورغم عدم إصابتنا الهدف كان للعملية صدى بين الجمهور واعتبرناها تدريباً وعملية ناجحة، في اليوم الثاني توجهنا نحو جبل لينك حذرين من احتمال ملاحقة الطيران أو حدوث تقدم علينا، لم يحدث شيء من توقعاتنا، في اليوم التالي عبرنا الصبنة متوجهين نحو قرى الزيبار، في الليل بتنا في قرية سري كاني ومنها توجهنا لصاركي وبهي، ومن هناك عبرنا نحو كافية ودشت نهلة، تجولنا لعشرين يوماً بين القرى، بعدها عدنا للاستراحة في المقر، واعتبرنا جولتنا ناجحة من جميع النواحي رغم عدم وجود نشاط عسكري مهم، وأسسنا لعلاقات جيدة مع أهالي القرى والتمسنا وجود متعاونين من الشباب الهاربين معنا، وأصبح لدينا تصور كامل عن الطرق والتنقل مع ضبط خريطة المواقع العسكرية، وحجم الجيش والمناطق الخطرة.
في المقر وجدنا مجموعة جديدة من الأنصار والكوادر بينهم الرفيق أبو سمير وأصبح هو الآخر عضواً في المكتب، كان بحق مثالا للشيوعي والكادر المثقف الذي طور العمل في قاعدة هيركى، فقد تم إعادة النظر ببعض جوانب نشاطنا وتقييم الوضع بشكل شامل، وفرزنا مجموعة جديدة من القوة التي أصبحت تتجاوز الأربعين نصيرا ونصيرة، وفي هذا اللقاء تقرر تشكيل السرية الخامسة التابعة لهيركي وربطت بالفوج الثالث في كلي هسبه، وتم تشخيص النواقص والثغرات التي اعترضت العمل، والتي كانت تتمثل بضعف الخبرة القتالية، وعدم معرفة طوبوغرافيا المنطقة ومواقع العدو ونشاطات عملاءه وضعف معلوماتنا السرية وانعدام وجود الركائز في المنطقة وعدم وجود حالات التحاق بنا، على ضوء هذه التشخيصات، وضعت خطة عمل جديدة، شملت نشاطات جماهيرية وبناء علاقات مع أهالي القرى وكسب الأصدقاء وجمع المعلومات عن نشاطات العدو ومواقعه وتعريف الناس بأهداف الحزب وسياساته وتحفيز النشاط الفردي لأعضاء المفارز وجرد مواقع العدو ومعسكراته، هذا كان من مهام المفرزة الجديدة التي توجهت للداخل من جديد، أصبح أبو سمير المستشار السياسي للسرية وأنا آمر السرية وأبو حياة وأبو محمد أمري الفصيلين وسليم كربلائي للإدارة، وأبو عوف وأبو بهاء البصراوي مستشارين للفصيلين، بدأنا نطبق ما رسمناه، وحققنا بجهود أبو سمير ودعمه الإيجابي الذي كان يمتلك القدرة على التفاهم والقيادة والتوجيه بالشكل الذي يجمع الجميع في خط تطوير العمل مثبتاً الأسس الفكرية الصحيحة للعلاقة بين الحزب والجمهور قبل كل شيء، وبدأنا بالندوات السياسية مع أهالي القرى وناقشنا مع الجمهور طرح الأهداف والمطالب الشعبية في الخلاص من الحرب والدكتاتورية وتحقيق السلام في كردستان مع ضمان حق الناس في العيش الحر وتوفير الخدمات، وركز على اضطهاد السلطة للناس في كردستان، واصلنا عقد الندوات بين الحين والآخر كأسلوب لنا في جميع القرى التي نشطنا فيها بين العمادية و سرسنك مرورا بدشت زى والزيبار ودير آلوك، ومن تلك المفرزة أنقطت عن المقرات وأصبحت أتجول بشكل مستمر بين القرى والناس متنقلا من قرية لأخرى ولم نكن بحاجة للعودة إلى مقراتنا الخلفية، فقط كنا نتابع إرسال البريد من مجموعات صغيرة، ففي فترة قصيرة ثبتنا وجودنا السياسي والعسكري في المنطقة وأصبحنا جزء مهماً من القوى المسلحة المناهضة للسلطة في منطقة العمادية، وبدأ الالتحاق بنا من العمادية وقراها يزداد ويتوسع، وأصبحنا نحصل على المعلومات ونشاطات السلطة وعملائها بشكل متواصل، وحققنا شبكة ركائز، وكان لنشاط النصيرات خاصة مها وعائدة دورا مميزاً ولم يكن هناك رفيق عربي من دون وجود ركيزة أو صلة حزبية بين القرى، وأصبح الجميع أدلاء يخبرون الطرق والمسالك الآمنة بعيداً عن مخاطر السلطة وملاحقة جيشها لنا، وأصبحت قوة الشيوعيين الوحيدة مستمرة في المنطقة ولم يتواجد لحدك مفارز دائمة ومستمره يتعاملون في الحركة بين التجوال المؤقت والعودة للمقرات.
انتبهت السلطة لدور الشيوعيين في بهدينان ووضعت خططاً للإيقاع بهم في عدد من المناطق كما حدث للسرية الأولى المستقلة في قرية سينا وعمليات الاغتيالات لعدد من الكوادر والأنصار في مناطق المزوري والدوسكي وزاخو، لكنها فشلت ولم تتمكن من الإيقاع بالسرية الخامسة علماً كانت منطقتنا من المناطق الخطرة لوجود الجيش بشكل مكثف بين العمادية و سرسنك، و مقر اللواء والمطار في بامرني، وتجاوز عدد ربايا الجيش الستين ربيئة وموقع، مع أعداد الجحوش من الريكانيين والزيباريين والنرويين والهركيين وفي العمادية و سرسنك و بامرني بالإضافة إلى شبكة عملائهم بين الناس والنشاط الأمني والمخابراتي في كافة المدن والمقرات الحزبية والفضل يعود للتعاطف الجماهيري الذي عزز من نشاطاتنا العسكرية لاحقاً وطورها، وأصبحنا نخطط لمهام جديدة تتناسب مع تنامي قوتنا، وبدأت الاقتراحات تأتينا من الفصائل والركائز لتنفيذ أعمال مهمة، كنا نعاني من ضعف خبرتنا في الاقتحامات وتمت مناقشة هذه المسألة ومعالجتها وقررنا التوجه مؤقتاً لممارسة أسلوب ( اضرب واهرب) دون أن نضع هدفا محددا للاقتحام، بدأنا بسلسلة أعمال عسكرية نفذت تباعاً، و أهمها.
1ـضرب مقر منظمة حزب البعث في دير آلوك بقذائف آر بي جي والأسلحة الخفيفة.
2ـ ضرب ربيئة دشت زى
3ـ نصب كمين في طريق العمادية ـ دير آلوك الذي استهدف سيارة عسكرية بحضور آمر الفوج الثالث أبو سربست ومعاونه ملازم حسان من مقر كلي هسبة، وكانت المرة الثانية عند وقوع الهدف، حيث فشلنا في المرة الاولى التي لم يتمكن الكمين من تنفيذ ضربته ومر رتل عسكري بسلام من بين فوهات بنادق الأنصار، بسبب تردد آمر المجموعة وتخوفه من الاصطدام بقوة كبيرة فقرر تأجيل العملية.
في اليوم الثاني توجهت مع مجموعة من ستة رفاق وحققنا الضربة في نفس الموقع، كانت أول عملية تنفذ في النهار في العاشرة صباحاً واعتبرت تحدي كبير للسلطة، فأوقعنا خسائر كبيرة بالعدو رغم وجود الربايا المطلة على الشارع وتدخلها لقصفنا بالمدفعية والأسلحة المتوسطة، كان الأهم انسحابنا دون خسائر.
بعدها قصفنا مواقع الجيش في ضواحي سرسنك بالمدفعية من عيار 81 ملم، وأعقبها نصب ألغام في طرق الربايا والشارع العام، تفجر بأسلاك كهربائية نتحكم بها كي لا تصيب المواطنين. وواصلنا ضرب القوافل العسكرية بين الحين والآخر، ولم تتمكن قوات السلطة من الإيقاع بنا بسبب تحوطاتنا وعدم البقاء في القرى واللجوء بعد كل عملية أو جولة إلى الكهوف في المناطق الجبلية العاصية، واتباع نظام الحراسات المتشدد عند دخولنا القرى ومنع العملاء من المغادرة، كانت حصيلة هذه الأعمال المزيد من الالتحاق بنا وتشكلت مفارز تتجاوز الخمسين فرداً من أهالي المنطقة وتم تشكيل مفرزة خاصة من أهالي العمادية وقراها لعبت دوراً مهماً في تقوية علاقاتنا بالجمهور وتطوير النشاط العسكري ونقله لداخل المدن واستهداف الربايا واقتحامها ... تابعونا في الحلقة القادمة