كنت بعد عودتي من معسكر الشعيبة جالسا ذلك اليوم في مكتب تجاري قرب ساحة السباع، أمارس فيه مهمة مسك الدفاتر والحسابات. وإذا بعربة التحقيقات الجنائية المقيتة تقف فجأة عند الرصيف المحاذي لمقهى شعبية كانت تقع أمام مكتبي تماما! وينزل منها المفوض نوري عبد العزيز وجماعته. ظننت أنّهم قادمون لاعتقالي. لكن بعد لحظات وعبر الضجيج والضوضاء الذي أشيع في الأجواء، سمعت أحدهم يأمر آخرا بأخذ المسدس من زبون جالس لوحده، وهو غارق بين سحب دخان السجائر. وتعالت الأصوات والعربدة واقتيد الزبون مقيّدا!  فعلق أحد الزبائن قائلا إنه شخصية مهمة من الجماعة، لكن لماذا لم يحرّك خليل أبو الهُبْ ساكنا فينقذه!؟

فأجابه زبون آخر، ومنْ أتى بهذا المهم كما تدّعي إلى هذا المكان المكشوف، ليقع في مصيدة نوري وربعه!؟

وعند ما حلّ الظهر حملت حالي وذهبت لأتناول وجبة الغذاء، في الدار التي كنت أقيم فيها متسترا عند فائق توفيق الذي هو ابن خالي. وكان من ضمن من يتردد عليها من الرفاق، الرفيق رحيم شريف، وشريف الشيخ... إلخ. فرويت على فائق ما شاهدت وما سمعت في ضحى اليوم، وإذا به يقفز فجأة ويترك البيت فورا وهو يردّد مع نفسه: لقد فعلها (....)! علينا أنْ نضع القيادة في الصورة فورا كي تتخذ المحاذير وإجراءات الصيانة!

وقد صدق الرفيق فائق وتحققت نبوءته فاعترف (...)وانهار تحت التعذيب. وتمكنت أجهزة النظام الملكي من اعتقال بعض الشخصيات السياسية والمحامين مثل حمزة سلمان وضياء جعفر وكاظم جعفر، وداهمت بعض مقرات الحركة الوطنية ومطبعة الجبهة.

واندلعت ثورة الشعب العراقي كما كان مخططا لها بقيادة الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ومجموعة الضباط الأحرار. وراح يحتفل الشعب بعيده الوطني الأغر.

عرض مقالات: