تمر هذه الايام الذكرى الخالدة في وجدان وضمائر أبناء الشعب العراقي. الانتفاضة الخالدة لأبناء مدينة الحي الباسلة ضد طغمة نظام الحكم الرجعي شبه الاقطاعي، الموالي للاستعمار البريطاني وحلفائه.

انتفاضة كانون الاول من عام 1956 في مدينة الحي لم تكن معبرة عن نزوة شباب من أجل إظهار حماسهم العاطفي لنصرة الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي. وانما نابعة من تراكمات مما أوغل في الصدور من الحنق والرفض لنهج النظام الملكي في انتهاجه سياسة الاضطهاد وتبني الأحلاف العدوانية، وبناء القواعد العسكرية الأجنبية، على طول البلاد وعرضها. ومحاربة الافكار التقدمية، والمساهمة في محاربة حركة التحر الوطني في البلدان العربية والبلدان الاخرى، كل ذلك فجر الغضب الشعبي العارم في كانون الأول 1956 وخصوصا الموقف المخزي للحكومة العراقية والتزامها الصمت إزاء العدوان الثلاثي على الشعب المصري، الذي قادته اسرائيل وبريطانيا، وفرنسا في تشرين الأول عام 1956،
وقف ابناء الشعب العراقي بشكل علم ضد العدوان وأبناء مدينة الحي بشكل خاص، بموقف بطولي لنصرة الشعب المصري ومتابعة بطولات وتضحيات أبناء بورسعيد في التصدي للعدوان الثلاثي.


حكومة النظام الملكي وجدت فرصتها في الانتقام من أبناء المدينة وكسر شوكة نضال أبنائها وتنفيذ ما خطط له وزير داخلية النظام سعيد قزاز في مطلع عام 1956 ومقولته الشهيرة بلهجته الكردية (قزا حي مو لازم) ليلة السابع عشر من كانون الاول عام 1956 نفذ النظام هجوما على مدينة الحي بواسطة فوج من شرطة القوة السيارة مستخدمين شتى انواع الاسلحة وقصف المدينة العزلاء بثلاث قنابر هاون أحداها وقعت في نهر الغراف والأخريات وقعتا في محيط المدينة.
وما أثار ذعر القوة المهاجمة الصمود الاسطوري الذي وقفه أبناء المدينة المدافعين عنها وبأسلحتهم التقليدية البسيطة كالحجارة وقنابل المولتوف وعدة مسدسات.
واستطاعت القوة المهاجمة من احتلال الدور السكنية العالية في المدينة، ووضعت المدافعين عن المدينة تحت نيران أسلحتهم الثقيلة، أستشهد على إثر ذلك المناضلون كاظم الصائغ، وركّية شويلية، وحميد فرحان الهنون، وأصيب العديد من الجرحى، وانتهت المعركة عصر ذلك اليوم بانسحاب المدافعين عن مواقعهم إلى بيوت ابناء المدينة التي احتضنتهم. وبعد احتلال المدينة قامت السلطات بحملة اعتقالات واسعة شملت معظم أبنائها وخصوصا الشباب وأجريت لهم محاكمات سريعة في إحدى مدارس الكوت وأصدرت أحكام قاسية على بعض المتهمين بالحكم بمدد خمسة عشر عاما، وعشرة اعوام، وثلاثة أعوام، والحكم على المتهمين الرئيسيين في قيادة الانتفاضة الشهيدين علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس بالإعدام شنقا حتى الموت، وحكم على الشهيد عبد الرضا الحاج هويش حكما غيابيا بالإعدام شنقا حتى الموت.
وفجر صبيحة يوم 10 / 1 / 1957 ارتكبت ثاني جريمة إعدام بحق الشيوعيين في العراق، في شباط عام 1949 عندما اقدمت السلطات الحاكمة على إعدام قدة الحزب الشيوعي العراقي الشهداء، يوسف سلمان يوسف، (فهد)، محمد زكي بسيم وحسين محمد الشبيبي، ومطلع عام 1957 تم تنفيذ حكم الإعدام بحق البطلين الشهيد علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس.
النتائج المستخلصة من حركة الاحتجاجات والانتفاضات التي حصلت في معظم المدن العراقية وخصوصا في عام 1956 قربت من وجهات النظر للقوى الوطنية وحفزتها على الإعلان عن وحدتها في جبهة الاتحاد الوطني التي انبثقت مطلع عام 1957 ومن ثم انتصار ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة العام 1958.
واليوم تتجدد الحركة الاحتجاجية الجماهيرية التي انطلقت في تشرين الاول من عام 2019 لتؤكد امتدادها لنضالات وتضحيات الشعب العراقي منذ قيام الدولة العراقية حتى يومنا هذا، و أن وحدة القوى المدنية والديمقراطية كفيلة ببناء الدولة المدنية الديمقراطية وتعزيز السلم الأهلي.
عاشت الذكرى الرابعة والستون لانتفاضة الحي المجيدة
المجد والخلود لشهدائها الابطال
ملاحظة: بعض الاخوة الكتاب الذين يستذكرون انتفاضة الحي، في عام 1956 يذكرون الشهيد كاظم الخويلدي من شهداء الانتفاضة. وللأمانة التاريخية إن الشهيد كاظم الخويلدي كان يقاتل القوة المهاجمة من داخل اسواق المدينة، واستطاع من الهروب، ولكن جرى اعدامه مطلع ثمانينات القرن الماضي بسبب انتمائه للحزب الشيوعي العراقي.

عرض مقالات: