بعد عدة عقود من اغتياله في بوليفيا تحت إشراف وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، وهو ابن 39 سنة، يعود أرنستو تشي جيفارا، المناضل والثائر الأممي الذي ولد في الأرجنتين، وصار قائداً طلابياً في المكسيك، وقائداً لثوار كوبا بجانب فيدل كاسترو، ثم الوزير الذي فضّل ميادين الكفاح الشاق في الأحراش على مكتبه المريح في هافانا... يعود اليوم ليأسر الدنيا بشخصيته الانسانية، وسيرته الكفاحية، ومأثرته الشيوعية، واستشهاده البطولي.

"تشي جيفارا" استشهد في حجرة مدرسية باردة، برصاصة من جلاد محترف يوم 9 تشرين الأول 1967. رصاصة اخترقت صدره وقلبه المشتعل حلماً بحياة انسانية خالية من الظلم والقهر والتخلف، لمئات الملايين من البشر المستعبدين المهانين على امتداد الأرض.

لقد أطفأوا جذوة الحياة المضطرمة في عقله وقلبه، لكنهم بذلك إنما سقوا الحلم الجميل الذي كان ينفخ في جمر حياته ونضاله، والذي يملأ – اليوم – جوانح الملايين في شتى أرجاء المعمورة، وهم يحيون الذكرى الثالثة والخمسين لاستشهاده. الحلم السامي.. الذي هو نقطة البداية في تغيير العالم!

"تشي جيفارا" ولد في 14 حزيران 1928 في الارجنتين من أسرة ارستقراطية أفقرت. وكان منذ ولادته ضعيف البنية هزيلها، ومصاباً بالربو الذي لازمه طوال حياته.

عمل - على هامش تعليمه – في بعض الأعمال الصغيرة التي لم يكن الهدف منها جني المال، بقدر ما كان التعود على متاعب الحياة حتى يتصلب عوده ويتغلب على الضعف الذي سببه له مرضه المزمن.  فتعرف من كثب على الواقع المر والمؤلم الذي يعيشه من هم في أدنى درجات السلم الاجتماعي.

كان لوالده دور بالغ الاهمية في تكوين شخصيته، ولم يقتصر دوره على بث الروح المتمردة وغرس جذور العزيمة الصلبة، بل امتد الى تثقيفه من خلال المكتبة البيتية الكبيرة المحتوية على 3000 كتاب، هذه المكتبة التي ربّت أحد أعظم ثوار القرن العشرين.

كان متفوقا طوال سني دراسته، وبعد إتمامه التعليم الثانوي بمرتبة شرف، التحق بكلية الطب في جامعة بوينس آيرس عام 1947.

تعرف – في لقاءات عائلية – على عدد من المفكرين الماركسيين والاشتراكيين الأرجنتينيين معززاً بهم خطه الوطني، وقد قاده ذلك الى الاشتراك بعدد من مسيرات الشوارع المناهضة لخوان بيرون والدخول في مصادمات عنيفة مع الشرطة.

تشي جيفارا" الطبيب والاقتصادي الناجح، ووزير الصناعة في كوبا اثناء أيام ثورتها، والذراع اليمين لكاسترو، والقائد الكبير، والثائر الأممي، سيخلد لأنه بإيثاره الفريد تحول من بطل الى اسطورة.

الآن، في العالم أجمع لاتزال صور المقاتل جيفارا محور نشاط تجاري كثيف، ويتم طبعها على ملايين القمصان والملصقات والقبعات والحقائب اليدوية.. لتقبل عليها الشبيبة في القارات الخمس.

  كتبت عنه "الأوبزرفر" اللندنية:

  • تتذكر – اليوم – الممرضة سوزانا واسيناغا، التي نظفت جسد جيفارا وتقول: "كان اشبه بالقديسين، بعينيه القويتين، بلحيته وشعره الطويل".

وفي مدينة فاليغراند وما يجاورها في الاقليم، تعلق صورة جيفارا الى جنب صور القديسين. كما انبعثت قصص وحكايات عنه امتدت وتشعبت، مع شعارات ولوحات ترمز إليه تغطي ساحة المدينة وعبر الطريق الممتد من فاليغراند وحتى بلدة لاهيغيورا، ويقول ابناء المنطقة انهم فخورون لان جيفارا قتل في لاهيغيورا، لأنه مات من اجلهم.

اما عند اعتقاله، فقد كان جريحا مستلقياً على صخرة، وعلى تلك الصخرة، تتوهج اليوم عبارة محفورة تقول: "تشي حي".

*المركز الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي