من أبناء الديوانية الكرام، هو نجيب علوان فرج الأسدي، ولد في مدينة الديوانية عام ١٩٤٧م، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها، تزوج من ابنة الوجيه الحاج عبد الأمير الحاجم، ورزق منها من الاولاد (ظافر وعلوان ونجيب وثلاث بنات). من أسرة وطنية اعتنقت الفكر الشيوعي اربعينات القرن الماضي، كان شقيقه البكر المهندس والمقاول طه علوان أول من اعتنق الفكر الماركسي، ومن المشاركين في انتفاضة عام 1948م و1952م و1956، وهو أحد أعضاء اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في مدينة الديوانية منذ ثورة تموز 1958م ولغاية شباط 1963م.

تعرفت على الراحل نجيب علوان الأسدي من خلال لقائنا قرب محله في سوق الديوانية الكبير ومن ثم عملي كعامل في محله منذ سنة 1975 ولغاية عام 1979م، حتى الالتحاق بالدراسة الجامعية في كلية الادارة والاقتصاد جامعة بغداد.

أول ما لفت نظري من أدبه وإنسانيته، كونه الداعي للخير والمحب للناس جميعاً، وتفيض المحبة من خلال علاقاته فيضاً، يؤثر صدقه ووفاءه ومروءته في المقربين منه، فهو لطيف في وده ولا يعرف التبجح والاستعلاء شأنه شأن الذين طهرت نفوسهم من الخبائث، فهو من أهل الخير، ومن أجمل ما تحلى به نجيب هو الصدق، والبعد عن الخداع والغش والمجاملة الكاذبة، أو أن يثني على أحد ويؤيد فكرة لا يؤمن بها، أو يجاري عناصر الأمن والبعث بداعي المجاملة، وإنما هو مجامل ضمن الحدود والأخلاق التي توجب أن يكون الانسان بشوشاً لطيفاً متواضعاً.

كان يثق بي ثقة عالية بسبب تقارب الفكر والمبادئ، منها إيداعه أسراره، ورؤيته لمستقبل التحالف بين البعث والحزب الشيوعي، فهو غير مطمئن  لهذا التحالف، فضلاً عن اسرار امكانياته المالية، فكان يكلفني بالذهاب إلى مصرف الرافدين في الديوانية للسحب والايداع في حسابه الجاري، علماً إنني عامل أعمل بأجر شهري لديه.

لذلك خُلق أبو ظافر صريحاً، والخُلق الذي يرفع عنه التحدي والتعالي، أما أن غضب أبو  ظافر فهو لطيف يَنمّ عن نفس وديعةٍ وذات طيبة رائعة. في محلاته لبيع الأحذية في سوق الديوانية الكبير عمل الكثير من العمال، منهم من هاجر ومنهم من اكمل دراسته واصبح استاذاً جامعياً، ومنهم من بقي ولم يطور حالته المادية، اتذكر منهم رعد محمود القولجي ومصدق جلال غريب (مقيم حالياً في روسيا/ الاتحاد السوفيتي سابقاً) وعماد عبد الكريم عبد المهدي (ابن شقيقته) والدكتور مازن مكي (استاذ في المعهد التقني في النجف الأشرف) وحسن حسين الحمداوي  (صاحب محلات للألبسة الجاهزة في سوق الديوانية الكبير) وأنا......

عند خروجي من دائرة أمن البلدة التي موقعها في بناية المحافظة القديمة، وعودتي إلى مقاعد الدراسة ومن ثم العمل، كان أبو  ظافر يشجعني على أن لا يؤثر اعتقالي على سلوكي ونفسيتي، واستمر العمل في محله، كان يزودني بجريدة طريق الشعب السرية بعد انفراط عقد التحالف، وكراس (مناضل الحزب) السرية الخاصة بالأعضاء، كانت هناك الثقة العالية المتبادلة بيننا، يعتبرني أخاه الأصغر في تعامله، كان في كل مناسبة عيد هديته لعماله بدلة رجالية نختار قماشها من محلات حاتم الدعمي رحمه الله، وخياطة ولده عبد الأمير الدعمي، فضلاً عن اختيارنا لأفضل وأغلى الأحذية دون أن يطالبنا بثمنها.

بمرور الأيام ازدادت أواصر الأخوة والصداقة بيني وبينه، وعلى مر الأيام كان الاعجاب بخلقه الرفيع الكريم، ولم ينقطع التواصل عندما كنت أدرس في بغداد، فكان مروري لزيارته ايام الجمع من كل اسبوع، وكنت أتتبع اخباره.

كان لعناصر الأمن في المدينة الدور في محاولة جذبه للتعاون معهم إلا أنه يرفض ذلك، فلم يتركوا أبا ظافر لحاله كونه شخصية وطنية يسارية ومن عائلة شيوعية، كان الضغط عليه بين الترهيب والترغيب لغرض اسقاطه سياسياً في التعاون معهم، كان يرفض ويرفض دون خوف من العواقب حتى مطلع التسعينات، استدعي لمديرية أمن البلدة في بناية المحافظة يوم ١/ ١١/ ١٩٩٠م، كان مفوض الأمن سمير ابو ردام هو من استدعاه لأمن البلدة وطلب منه التعاون ورفض ابو ظافر رفضاً قاطعاً التعاون، فقدموا له قهوة فيها سم الثاليوم وهذه طريقتهم في تصفية المعارضين لهم ولفكر البعث، وعند خروجه من الأمن الساعة ١٢ ليلاًبعد انتظار ولده قرب مديرية أمن البلدة (محلات باتا) اخذه الى داره، وعند الساعة الخامسة فجراً سقط مغشياً عليه، استدعى ابنه البكر ظافر على إثر سقوطه صديق العائلة الدكتور كاظم رضا الخالدي، فنقل إلى بغداد لغرض العلاج لخوف أطباء الديوانية معالجته، وبعد احدى عشر يوماً من بعد تاريخ اعتقاله  غيبه الموت عنا  (هذا ما بلغني به ولده البكر ظافر)

رحم الله اخي العزيز أبا  ظافر، كان أخاً وصديقاً وفياً وعزيراً.