نضال امرأة تحدت الحكم الملكي والاستعمار البريطاني وانقلاب ٨ شباط وفاشية البعثيين عاصرت وعاشت هذه المراحل من تاريخ العراق المعاصر الذي عرف بظلمه البشع الى جانب قسوة الأحداث اللاإنسانية التي واجهت هذه المرأة الاستثنائية منذ صغرها. عانت الكثير في مرحلة شبابها من اعتقال وسجون وتعذيب وحشي وصمدت وكانت من الرفيقات المشهود لهن بصلابة الموقف.

في المراحل الدراسية المتوسطة والاعدادية كانت نقطة انطلاقها في العمل الحزبي الشيوعي لترفع الراية الحمراء مساندة طبقة الكادحين ومناصرة قضية المرأة وكانت تتقدم الصفوف في منظمة العمل النسائي/ رابطة المرأة، وفي مرحلة من مراحل حياتها الشبابية استلمت القيادة وكانت في مقدمة النضال بين مدينتي الموصل ولادتها ونبع جذورها الأصيلة والعاصمة بغداد. امرأة أحبت كل الطوائف المختلفة التي ينتمي إليها المواطن العراقي واحترمت كل الأديان وانكرت بقوة العنصرية والطائفية المقيتة. اختلطت وعاشرت مختلف القوميات من خلال عملها التنظيمي فضلا عن نشأتها وتربيتها العائلية. حيث تقول الرفيقة رهيبة القصاب: كان لدينا بيت له غرف كثيرة لذا كانت والدتي تؤجر غرف بيتنا لعوائل كردية لإعالتنا بها. اختلطنا بالشعب الكردي وكنا حينذاك أطفالا ووالدنا كان يتخفى هنا وهناك أو في السجن، ذلك أنه اختار الحياة السياسية ضد السلطات وقهرها. كانت المرأة القوية المتحدية للقهر السياسي وظلمه وهي الرفيقة المخضرمة رهبيه محمد القصاب ورفيقة والدي رشيد حميد عارف في العمل الحزبي الشيوعي منذ اندلاع ثورة تموز الى حين اعتقال والدي واعدامه.

وعلى الرغم من كبر سنها ووضعها الصحي اليوم لكنها تساند وتدعم بقوة الشباب أبطال ثورة تشرين منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية حتى يومنا هذا. الرفيقة رهبيه من مدينة الموصل من عائلة سياسية وأب سياسي يساري وطني دخل السجون وحكم عدة مرات وهرب واختفى عن الأنظار مدة طويلة، لتأخذ والدة رهبيه مسؤولية عائلة كبيرة تتكون من ستة أطفال في بيت تديره الام امرأة قوية لتعيل أولادها الستة وتربي بناتها ومنهم رفيقتنا رهبيه مكملة بها مسيرة الأب السياسي والأم المساندة في دعم زوجها. وعند وصول الرفيقة رهبيه مرحلة الاعدادية بدأ نشاطها الحزبي يتسع وفكرها ينضج أكثر ومجال وجودها في الرابطة النسائية يتحدى مجتمع الطبقي الذكوري المتسلط، وانطلقت في مسيرتها النضالية وأثناء احداث مؤامرة الشواف الخبيثة التي حدثت في الموصل عام 1959 ضد ثورة تموز واليساريين وبالأخص الشيوعيين أدى إلى اعتقال وقتل واختطاف عناصر نشيطة معروفة من الحزب الشيوعي العراقي. تحت وطأة الأحداث التي حدثت وعلى ايدي القوميين اعتقلت اخت الرفيقة رهبيه، غنية القصاب عن عمر أربعة عشرة عاما وقتلت أثناء التعذيب) وفي المدرسة الإعدادية التي كانت رهبيه طالبة فيها بالذات وضعت مدرسة اللغة العربية زكية فخري عريضة تحمل تواقيع أسماء من يستنكرون ويشجبون ما جاء به في جريدة "اتحاد الشعب" حول تلك الاحداث التي حدثت في الموصل من خطف وقتل للرفاق الشيوعيين ، وعندما قرأت الرفيقة رهبيه العريضة مزقتها أمام مدرسة اللغة العربية والطلاب بسبب ما آل إليه من كذب وخداع، فتم إلقاء القبض عليها وفصلت على إثرها من المدرسة. وفي تلك الظروف الصعبة التي مرت بها المدينة بسبب مؤامرة الشواف اعتقلت الرفيقة وأراد القوميون خطفها بعد المحكمة بتجهيز سيارة لذلك وقتلها، لكن الموضوع انتشر خبره من قبل أحد المعارف، الذي انقذها من الاختطاف المحتم.. حيث اهل والدها وعائلتها ينتمون الى الحزب الشيوعي، وقد تم تهريبها من المحكمة في سيارة باتجاه العاصمة بغداد. هناك بدأت العمل الحزبي الشيوعي وحصلت على عمل في إحدى المطابع كان يرأسها حينذاك الأستاذ عبد الفتاح اسماعيل. وعلى هذا الوضع اختفت الرفيقة رهبيه في بيت آمن منزل الأخ لطفي وزوجته آمنه كانوا من أصدقاء الحزب في بغداد ساعدها في إيجاد المسكن والدي الرفيق رشيد حميد عارف. بعد اندلاع ثورة تموز تعرفت رهبيه على رفيق دربها وتزوجت منه عام 1962 إلا وهو الرفيق الشيوعي البطل المخضرم ابراهيم مخموري من قضاء مخمور مدينة اربيل مواليد عام 1935 من أبطال وقادة حركة( حسن السريع) وكان ثمرة الزواج جنين ينمو في احشائها في الأشهر الأولى من حملها، حدث انقلاب شباط المشؤوم عام 1963 الذي أدى الى إلقاء القبض على الرفيق ابراهيم مخموري وعذب اشد التعذيب من قبل الجلاد المجرم ناظم كزار وعمار علوش ومزق جسده اربا وألقي في النهر في بناية محكمة الشعب التي كانت تطل على النهر وكانت محكمة المهداوي سابقا. أما الرفيقة رهيبة فقد ألقي القبض عليها ايضا في منزل اختها بعد مراقبتها اثناء عمل حزبي ادته في اليوم نفسه، عذبت هي الأخرى اشد أنواع التعذيب مما أدى إلى فقدانها جنينها ونقلت إلى قصر النهاية بعد أن التقت بسجن النساء من بينهم تسعون امرأة بطلة تقبع في سجون الجلادين ومن بينهم الرفيقة بتول الخزعلي (ام جماهير) مع أطفالها الصغار جماهير وانوار، وقد علم بعد ذلك بأنهم دفنوا في إحدى المقابر الجماعية اثناء مواجهة رهبيه للحاكم حيث دافعت وبكل صلابة عن مبدأ الشيوعية فصدر الحكم عليها بست سنوات وسنتين مراقبه من دون اي أدلة تذكر. عند مجيء حزب البعث للسلطة عام 1968 أطلق سراح رهبيه ورفع عنها حكم المراقبة بعد عام من إطلاق سراحها. بالرغم من الآلام والحزن الشديد وعمق الجراح التي لا تلتئم بفقدان عائلتها زوجها وطفلها اتصلت الرفيقة بالحزب الشيوعي وبدأت ممارسة العمل الحزبي بتفان وعزيمة وتحدٍ أكبر لتكملة المسيرة النضالية التي بدأتها. بدأت بالعمل في أحد معامل الورق إلى جانب عملها الحزبي وأصبحت من إحدى أبرز القياديات في الرابطة النسوية، تركت العراق بعد فترة لإكمال دراستها في الاتحاد السوفييتي وعند رجوعها إلى الوطن، كانت قد تزوجت من رفيق شيوعي ولديهما طفلان تركتهما في رعاية والدهما. في ذلك الوقت وعند عودة الرفيقة رهبيه إلى الديار كان قد تم اصدار اتفاق الجبهة، ومارست الرفيقة رهيبة التنظيم النقابي للعمال وكانت من القيادين مع عدد من الرفاق الشيوعيين بينهم من الرفاق القدامى الرفيق رشيد حميد عارف في بغداد ويحيى الدجيلي. في نهاية السبعينات بدأت الهجمة الشرسة البعثية على رفاق الحزب الشيوعي العراقي من اعتقالات واختطاف وسجون إلى الإعدامات مما أدى إلى شل حركة التنظيم الحزبي. بالرغم من خطورة الظروف السياسية قررت رهبيه وزوجها الاتصال بالرفاق في بغداد لإعادة التنظيم الحزبي مرة أخرى ونقل وإيصال البريد الحزبي في بداية الثمانينات من القرن المنصرم. على الرغم من الوضع المرعب والقاسي الذي وضعت فيه الرفيقة رهبيه مع زوجها إلى جانب المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقها من رعاية البيت والاطفال ومنهم من بدأ المرحلة الدراسية الأولى فشكل عبئاً ثقيلا وهمّا لابد من اجتيازه. بدأ اعادة العمل الحزبي من قبل الرفيقة رهبيه وزوجها بجدية وإرادة قوية في تلك الفترة الحرجة الى حين اختفاء زوج رهبيه عن الأنظار بعد أن وشي به، اضطرت هي الأخرى الى الاختفاء مع أطفالها وساعدها اهل المنطقة والمعارف في بيع أثاث المنزل الى حين انتقالها إلى الموصل وكان وضع أهلها لا يقل خطورة عن وضعها بسبب عمل إخوتها الثلاثة في الحزب الشيوعي وتنقلهم بين كردستان والموصل إلى جانب الحرب مع إيران حيث كان الوضع أكثر خطورة وظلما. لذا تركت بيت والدتها واستأجرت دار سكن للاختفاء واحتضان أولادها الستة وحملت الثقل على كاهلها بمفردها وتحملت مسؤولية ورعاية وحماية الاطفال في أصعب وأقسى ظروف الحياة السياسية تحت وطأة أبشع دكتاتورية عرفتها المنطقة دكتاتورية صدام إلى عام سقوط الصنم ٢٠٠٣. اليوم تعيش الرفيقة رهبيه مع زوجها في دولة السويد قريبة من أولادها واحفادها تستذكر بين الحين والآخر نضال امرأة تحدت المصاعب ورفيقات ورفاق رحلوا وآخرين شاخوا وهم يتحدون ظلم السلطات وقهرها.

اثني بكل تقدير وحب واحترام على المرأة الفولاذية ونضال اللبؤات الرفيقة العزيزة رهبيه القصاب بمناسبة عيد المرأة والى جميع نساء العالم في هذه المناسبة.

عرض مقالات: