محمد رسن

شهد "الحراك التشريني" القائم في ميادين احتجاج بغداد وبقية المحافظات، مشاركة واسعة شملت مختلف أطياف الشعب. وقد عمل الجميع بجهود متميزة، وحققوا مكتسبات باتت واضحة على ملامح الحراك الجماهيري، خاصة من حيث بروز الهوية الوطنية وإشاعة الثقافة والجمال.

ساحة التحرير، على وجه الخصوص، احتضنت كثيرا من الندوات الفكرية والفعاليات التنويرية، التي تجلت فيها قدرة الشباب على إدراك الحاضر واستشراف آفاق المستقبل، حفاظا على إدامة حراك منظم بشكل لافت. إذ سعت تلك الفعاليات وتسعى إلى إعادة ضخ دم الحياة في جسد الوطن الذي نزف كثيرا بفعل طعنات قوى المحاصصة والفساد.

دشن "الحراك التشريني" وسائل احتجاجية عديدة، غاية في التحضر والسلمية، بدءا من رفع الشعارات المطلبية العادلة بأساليب سلمية، ما أصبح بمثابة الرادع الجمالي لقبح القمع الوحشي الذي راح ضحيته شباب كثيرون، ذنبهم الوحيد انهم حلموا بغد وضاء خال من أدران الفساد.

الخيمات المعتصمة في ساحة التحرير، كثيرة، تجتمع كلها في ظل قضية واحدة تتمثل في استعادة الوطن المنهوب. فيما تختلف تلك الخيمات من حيث النشاطات التي تنظمها، فهذه "خيمة جواد سليم"، نموذج من عراق مدني مصغر يعتصم فيه شباب يواصلون نسج أحلامهم الجميلة، والغناء للحرية.

شكلت هذه الخيمة فضاء خاليا من أي فيروس طائفي أو عرقي أو مذهبي، وبدت حراكا مصغرا يتوضأ أحراره، يوميا، ببريق نصب الحرية الذي يستظلون تحته، مؤدين طقوس التغيير والتنوير، ومن بينها إقامة معارض الكتب المجانية، التي يتبنى التبرع لها بالمطبوعات، كل من الكتبي ستار محسن علي صاحب "دار سطور للطباعة والنشر"، والناشط عمار الساعدي صاحب "مشروع التنوير الإنساني".

ولا يقتصر نشاط الخيمة الثقافي على إعارة الكتب أو  توزيعها مجانا، إنما يتضمن أيضا فعاليات فنية، أبرزها تقديم العروض المسرحية في الهواء الطلق، والتي تعبر في غالبيتها عن الاحتجاجات.

الجميع يأمل من بقية الخيمات في ساحات الاحتجاج، أن تحذو حذو "خيمة جواد سليم"، في إقامة الفعاليات الثقافية التنموية الهادفة، لما للثقافة من أهمية كبيرة في إحياء القيم الانسانية الحضارية الرفيعة.

يعول الجميع على هذا الجيل الشبابي الواعي، الذي قلب الطاولة على سراق المال العام ورعاة الموت والظلام.. يعول عليه في استعادة العراق المسروق من قبل الفاسدين.

عرض مقالات: